46/08/11
يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحيّ .../فصل في النيابة /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في النيابة /يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحيّ ...
(مسألة27): يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحيّ في عام واحد في الحجّ المندوب تبرّعاً أو بالإجارة، بل يجوز ذلك في الواجب أيضاً، كما إذا كان على الميّت والحيّ الذي لا يتمكّن من المباشرة لعذر حجّان مختلفان نوعاً كحجّة الإسلام والنذر، أو متحدّان من حيث النوع كحجّتين للنذر، فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد، وكذا يجوز إذا كان أحدهما واجباً، والآخر مستحبّاً، بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحجّ واجب واحد كحجّة الإسلام في عام واحد احتياطاً، لاحتمال بطلان حجّ أحدهما، بل وكذا مع العلم بصحّة الحجّ من كلّ منهما، وكلاهما آت بالحجّ الواجب، وإن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر، فهو مثل ما إذا صلّى جماعة على الميّت في وقت واحد. ولا يضرّ سبق أحدهما بوجوب الآخر، فإنّ الذمّة مشغولة ما لم يتمّ العمل، فيصحّ قصد الوجوب من كلّ منهما ولو كان أحدهما أسبق شروعاً[1] .
إنّ هذه المسألة عكس المسألة المتقدّمة، فإنّ الكلام هنا حول جواز نيابة جماعة عن شخص واحد، بينما المسألة المتقدّمة حول جواز نيابة شخص واحد عن جماعة.
والكلام في هذه المسألة يقع في فروع:
الأوّل: تجوز نيابة جماعة عن شخص واحد ـ ميّتاً كان أو حيّاً ـ في عام واحد في الحجّ المندوب، سواء كان ذلك تبرّعاً أو بأُجرة، ويدلّ على ذلك روايات:
منها: موثّقة محمّد بن عيسى اليقطيني[2] قال: «بعث إليّ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) رُزَم ثياب وغلماناً وحجّة لي وحجّة لأخي موسى بن عُبيد، وحجّة ليونس بن عبد الرحمن ، وأمرنا أن نحجّ عنه، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثاً فيما بيننا...»[3] ، فإنّ هذه الرواية تدلّ على جواز نيابة ثلاثة أشخاص عن شخص واحد حيّ في الحجّ، دون وجود ترتيب معيّن بين هذه الحجج الثلاثة، بل يجوز أن يُؤدّوا الحجّ عنه ولو في سنة واحدة.
ومنها: ما رواه الصدوق بإسناده عن عمرو بن سعيد الساباطي: «أنّه كتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) يسأله عن رجل أوصى إليه رجل أن يُحجّ عنه ثلاثة رجال، فيحلّ له أن يأخذ لنفسه حجّة منها، فوقّع بخطّه وقرأته: حُجّ عنه إن شاء الله، فإنّ لك مثل أجره، ولا ينقص من أجره شيء إن شاء الله»[4] .
فإنّ هذه الرواية تدلّ على جواز أن يحجّ ثلاثة عن شخص ميّت، وبما أنّه لم يكن الجواز في الروايتين على الترتّب، فيُفهم منه الإطلاق، وهو جواز أن يحجّ ثلاثة عن فرد واحد في سنة واحدة.
الثاني: تجوز نيابة جماعة عن شخص واحد في الحجّ الواجب أيضاً، سواء كان المنوب عنه ميّتاً وأراد الورثة أن يحجّ عنه جماعة من باب الاحتياط؛ وذلك لاحتمال بطلان حجّ أحدهما فيكون الآخر صحيحاً، أو كان المنوب عنه حيّاً بشرط عدم تمكّنه من مباشرة الحجّ بنفسه مع تمكّنه من الناحية الماليّة. وعليه، يصحّ تعدّد النائب ووحدة المنوب عنه في الحجّ الواجب أيضاً؛ إذ إنّ أدلّة جواز النيابة عن الميّت والحيّ العاجز من المباشرة مطلقة، فيجوز استئجار شخصين أو أكثر لأن يحجّوا عن المنوب عنه ولو في سنة واحدة، إذ يصدق أنّه أرسل مَن يحجّ عنه.
الثالث: تجوز نيابة جماعة في الحجّ الواجب المختلف عن الحيّ والميّت، كما لو كان المنوب عنه مكلّفاً بحجّتين مختلفتين: إحداهما حجّة الإسلام والأُخرى الحجّة المنذورة، ولم يأت بهما حتّى مات، ففي هذه الحالة يجوز استئجار شخصين لأداء الحجّتين في عام واحد؛ لأنّ إطلاق أدلّة النيابة ومشروعيّتها تدلّ على لزوم إرسال نائب لكلّ من حجّة الإسلام والحجّة المنذورة، دون دلالة على الترتيب بين أداء هاتين الحجّتين بحيث تؤدّى إحداهما في هذه السنة والأُخرى في السنة الثانية، بل يجوز أن يحجّ عنه نائبان في سنة واحدة، فيأتي أحدهما بحجّة الإسلام، والآخر بالحجّة المنذورة، ولا فرق في ذلك بين تقدّم وجوب حجّة الإسلام على الحجّة المنذورة أو العكس.
الرابع: يجوز تعدّد النائب واستئجار شخصين للحجّ عن المنوب عنه في سنة واحدة إذا كان علىه حجّتان متّحدتان من نفس النوع، كما لو وجب علىه حجّتان بالنذر ولم يأت بهما حتّى مات، وذلك لإطلاق أدلّة قضاء الحجّة النيابيّة من دون دلالة على الترتيب بينهما.
وكذا يجوز التعدّد إذا كان أحدهما واجباً والآخر مستحبّاً.
الخامس: يجوز تعدّد النائب واستئجار شخصين لأداء حجّ واحد ـ مثل حجّة الإسلام ـ عن المنوب عنه في سنة واحدة من باب الاحتياط؛ وذلك لاحتمال بطلان حجّ أحدهما فيكون الآخر صحيحاً، حتّى لو كان إحرام أحدهما قبل الآخر، وهكذا الحال في النيابة في سائر العبادات مثل الصلاة والصوم، حيث يجوز تعدّد النائب لأدائها عن المنوب عنه احتياطاً؛ لاحتمال بطلان عبادة أحدهما وصحّة عبادة الآخر.
السادس: وقد ذكر صاحب العروة (قده) بأنّه يجوز تعدّد النائب حتّى مع العلم بصحّة الحجّ من كلّ واحد منهما، حيث ينوي كلّ من السابق في الإحرام واللاحق الوجوب؛ لأنّ الوجوب على المنوب عنه لا يسقط إلّا بإتمام العمل من النائب، لا ببداية النائب للعمل، فما لم يتمّ العمل الحاجّ لا يسقط الحجّ عن الميّت، فإنّ ذمّته مشغولة ما لم يتمّ العمل، فيصحّ قصد الوجوب من كلّ واحد منهما، ولو كان أحدهما أسبق شروعاً.
وناقش المحقّق الخوئي (قده) ذلك فقال: لو أتمّ النائبان عملهما في وقت واحد صحّ ذلك، لكن لو أتمّ أحدهما قبل الآخر وسقطت ذمّة المنوب عنه بإتمام العمل صحيحاً، فإنّه يشكل قصد حجّة الإسلام من الذي يعلم أنّ الآخر يفرغ من العمل قبله؛ وذلك لسقوط الأمر وفراغ ذمّة المنوب عنه بالعمل الأوّل، فلا يتّصف الثاني بحجّة الإسلام[5] .
نعم، مع عدم العلم بسبق أحدهما قبل الآخر لا بأس بقصد حجّة الإسلام، وهكذا الأمر في الصلاة على الميّت جماعة، فإن أتمّوا في وقت واحد اتّصفت كلّ صلاة بالواجبة، أمّا إذا لم يفرغ بعض عن الصلاة وفرغ الآخرون فلا تكون صلاة غير الفارغ واجبة.