46/07/13
لو أفسد الأجير حجّه .../فصل في النيابة /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في النيابة /لو أفسد الأجير حجّه ...
ويُردّ عليه: إنّ الجهة الثالثة في المقام مبتنية على أنّ الحجّ الأوّل فاسد وإكماله عقوبة، بينما الحجّ الثاني هو الفرض والواجب الأصلي، وليس عقوبة على ما ارتكبه المؤجَر قبل المشعر الحرام، فحينئذ هل تفرغ ذمّة المنوب عنه بالحج الثاني لو نواه المؤجَر عن المنوب عنه أم لا؟
أمّا المحقّق الخوئي (قده) فقد افترض أنّ الحجّ الثاني أيضاً عقوبة، وحاله حال الكفّارات الثابتة على نفس المواقع، وبالتالي لا تفرغ ذمّة المنوب عنه لا بالحجّ الأوّل ولا بالحجّ الثاني، أمّا عدم فراغ الذمّة بالحجّ الأوّل فهو لأنّه فاسد ويجب على المؤجَر إكماله نتيجة خطأه قبل المشعر الحرام فلا يكون مجزياً عن المنوب عنه، وأمّا عدم فراغ الذمّة بالحجّ الثاني فهو لأجل أنّه وجب على المجترح والمؤجَر نفسه لإفساد الحجّ الأوّل وهو كفّارة عليه فلا يجزي عن المنوب عنه أيضاً. إذن، لا تفرغ ذمّة المنوب عنه إلّا بأداء حجّ ثالث نيابة عنه، ولذا يجب على المستأجِر استئجار شخص آخر للحجّ عن المنوب عنه.
ولكن ما ذكره المحقّق الخوئي (قده) خارج عن فرضنا في المقام حيث إنّ الحجّ الأوّل فاسد وإكماله عقوبة، والحجّ الثاني هو الفرض والواجب الأصلي ولا يكون عقوبة على المؤجَر لما ارتكبه من الخطيئة قبل المشعر الحرام، ولهذا ذكر صاحب العروة (قده) أنّ عدم كفاية الحجّ الثاني في تفريغ ذمّة المنوب عنه إنّما يتمّ إذا لم يكن الحجّ من قابل بعنوان الحجّ الأوّل، أمّا لو كان بعنوان الأوّل فهو كالقضاء للحجّ الأوّل، وبما أنّ الحجّ الأوّل كان نيابة عن المنوب عنه، فإنّ الحجّ الثاني يكون كذلك، غاية الأمر أنّ الحجّ الأوّل فيه خلل، والحجّ الثاني لا خلل فيه. وبناء على ذلك لو نوى المؤجَر أداء الحجّ الثاني عن المنوب عنه فإنّه يكفي في تفريغ ذمّة المنوب عنه.
إذن، ما فرّعه المحقّق الخوئي (قده) يختلف عن تفريعنا في المقام، وهو خارج عن نطاق البحث الذي نتكلّم فيه، فإنّه لو كان الأمر كما ذكره، أي: كان الحجّ الأوّل فاسداً وإكماله عقوبة، وكان الحجّ الثاني كفّارة على المؤجَر لما ارتكبه من الخطئية، لصحّ القول بوجوب الحجّ الثالث وعدم براءة ذمّة المنوب عنه بالحجّ الأوّل؛ لأنّه فاسد، كما لا تفرغ ذمّته بالحجّ الثاني؛ لأنّه وجب على المجترح نفسه، فيجب على المستأجِر استئجار شخص آخر للحجّ عن المنوب عنه.
والحاصل: بناء على التفريع الذي ذكرناه على فرض غير المختار وهو إذا أفسد المؤجَر حجّه بالجماع قبل المشعر الحرام، وقلنا بأنّ الحجّ الأوّل فاسد ويجب عليه إكماله عقوبة، والحجّ الثاني هو الفرض، فإنّ المؤجَر لو نوى أداء الحجّ في السنة الثانية عن المنوب عنه فإنّ ذلك يجزي وتفرغ ذمّته بذلك، ولا حاجة لإيجاب حجّ ثالث على المستأجِر لتفريغ ذمّة المنوب عنه. هذا أوّلاً.
وثانياً: لو سلّمنا ذلك وقلنا بأنّ الحجّ الأوّل فساد لأنّه جامع زوجته قبل المشعر الحرام، والحجّ الثاني عقوبة وكفّارة لما ارتكبه من تلك الخطيئة، فإنّه لو عصى المؤجَر الأمر المتوجّه إليه ولم يحجّ عن نفسه، بل حجّ من قابل بعنوان الحجّ الأوّل، فهنا لا بدّ من القول بصحّة هذا الحجّ الثاني نيابة عن المنوب عنه؛ وذلك لوجود الأمر الترتّبي باستحباب الحجّ عن الغير، وبالتالي تفرغ ذمّة المنوب عنه به.
وبالجملة: تفرغ ذمّة المنوب عنه بالحجّ الثاني قطعاً، ولا موجب للقول بعدم فراغ ذمّته إلّا بحجّ ثالث.
إنتهى التفريع على الرأي غير المختار، وهو كون الحجّة الثانية هي الفرض وهي الأصليّة، والأُولى هي الفاسدة وإكمالها عقوبة.
قول أهل السنّة في المسألة:
قال ابن قدامة في المغني: الجماع بعد إحرام الحجّ يفسد الحجّ، ويجب عليه الحجّ من قابل، مع التفرّق بينهما من مكان الخطيئة في السنة الثانية.
وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحجّ لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلّا الجماع، والأصل في ذلك ما روي عن ابن عمر أنّ رجلاً سأله، فقال: إني وقعت بإمرأتي ونحن محرمان، فقال: أفسدت حجّك، انطلق أنت وأهلك مع الناس، فاقضوا ما يقضون وحلّ إذا حلّوا، فإذا كان في العام المقبل فاحجج أنت وإمرأتك، واهديا هدياً ...، وكذلك قال ابن عباس وعبد الله بن عمر، ولم نعلم لهم في عصرهم مخالفاً.
روى حديثهم الأثرم في سننه، وفي حديث ابن عباس: ويفترقان من حيث يحرمان، حتّى يقضيا حجّهما. وروي ذلك عن عمر، وبه قال ابن المسيب، وعطاء، والنخعي، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وروي أيضاً عن عليّ وأبي هريرة، ولا فرق بين ما قبل الوقوف وبعده (المراد وقوف عرفه) قبل يوم النحر وبعده.
ولكن نحن الإماميّة نختلف معهم في هذا الحكم، حيث لا نقول بفساد الحجّ إذا كان الجماع بعد المشعر الحرام، في حين أنّهم يرون فساد الحجّ مطلقاً من غير فرق بين وقوع الجماع قبل الوقوف وبعده.
وقال أبو حنيفة: إن جامع قبل الوقوف فسد حجّه، وإن جامع بعده لم يفسد لقول النبي (صلّى الله عليه وآله): الحجّ عرفة.
وهذا أيضاً مورد خلاف بيننا وبينهم؛ لأنّنا نقول بفساد الحجّ إذا جامع زوجته بعد يوم عرفة وهو في المشعر الحرام، بينما ذهب أبو حنيفة إلى عدم فساد الحجّ إذا وقع الجماع بعد يوم عرفة حتّى وإن كان ذلك في المشعر الحرام.
ثمّ قالوا: إنّ قول الصحابة مطلق فيمَن واقع محرماً، ولم يفرّقوا قبل الوقوف أو بعده، ولم يفرّقوا بين العمد والنسيان كالصيد إذا قتله، والشعر إذا حلقه.
وهذا أيضاً مخالف لما ذهب إليه الإماميّة؛ لأنّنا لم نقل بفساد الحجّ عند النسيان، فإنّ النصوص تدلّ على أنّ الجماع لو كان قبل المشعر الحرام بسبب النسيان للحجّ فلا يفسد الحجّ، كما أنّنا لم نقل بفساد الحجّ بالصيد والحلق، ولكنّهم ذهبوا إلى فساد الحجّ من دون فرق بين العمد والنسيان، وكذا ذهبوا إلى فساد الحجّ بالصيد والحلق أيضاً.
نعم، خالف الشافعي لأهل السنة فقال في الجديد لا يفسد حجّ الناسي، ولا يجب عليه مع النسيان شيء، وكذا ابن عقيل حكى عنه في الفصول رواية عدم فساد الحجّ في حال النسيان لقوله (عليه السلام) عُفي عن أمّتي الخطأ والنسيان. والجهل في معنى النسيان[1] .
وقال الحسن ومالك يجعل الحجّة عمرة، ولا يقيم على حجّة فاسدة، وقال داوود يخرج بالإفساد من الحجّ والعمرة لقوله (صلّى الله عليه وآله) مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد[2] .
إذن، المسألة ليست اتفاقيّة بين الإماميّة وجمهور أهل السنّة، فلاحظ.