46/07/12
لو أفسد الأجير حجّه .../فصل في النيابة /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في النيابة /لو أفسد الأجير حجّه ...
ويُلاحظ عليه: يصحّ ما ذهب إليه المحقّق الخوئي (قده) على المبني المشهور في الإجارة على الأعمال من أنّ المستأجِر يملك العمل في ذمّة الأجير، وبالتالي لا تنفسخ الإجارة لو تخلّف الأجير عن العمل المستأجر عليه، ويثبت الخيار للمستأجِر، فإن فسخ العقد يطالب الأُجرة المسمّاة من الأجير، وإن لم يفسخ يطالبه بقيمة العمل الذي لم يأت الأجير به في تلك السنة، وقد تكون قيمة العمل أكثر من الأُجرة المسمّاة، وقد تكون أقل.
أمّا بناء على ما ذهبنا إليه من أنّ لا معنى لملكيّة المستأجِر للعمل في ذمّة الأجير قبل وجود العمل، كما لا معنى لها بعد وجوده، وإنّما الإجارة في الأعمال تعني التزام المؤجَر بإتيان العمل للمستأجِر في قبال الأُجرة المعيّنة في ضمن العقد بحيث يملك المستأجِر نتيجة العمل أو أثر العمل، فحيئنذ لو تخلّف المؤجَر عن العمل المستأجر عليه في هذه السنة المعيّنة أو أفسده ينفسخ العقد؛ لعدم إمكان الوفاء به، فإنّه التزام بإتيان العمل للمستأجِر ولم يأت به، ولم يحصل المستأجِر على نتيجة العمل. وعليه، نؤيّد ما ذهب إليه صاحب العروة (قده) من انفساخ العقد؛ لأنّ المؤجَر التزم بإتيان العمل في هذه السنة، فإذا لم يتمكّن من الوفاء به ينفسخ العقد لا محالة.
الجهة الثانية: إذا كان الحجّ الأصلي هو الحجّ الثاني، والحجّ الأوّل فاسد وإكماله عقوبة، فهل يستحقّ الأجير الأُجرة على إتيان الحجّ في السنة الثانية أم لا؟
قال العلماء بأنّ المؤجَرلا يستحقّ شيئاً من الأُجرة؛ حتّى وإن أتى بالحجّ الثاني عن المنوب عنه وبرئت ذمّته بذلك؛ لأنّه استُؤجر على إتيان الحجّ في السنة الأُولى ولم يأت به، بل أفسد الحجّ في هذه السنة، وبالتالي ينفسخ العقد لعدم إمكان الوفاء به، ويسترجع المستأجِر الأُجرة المسمّاة منه، أمّا وجوب الإتيان بالحجّ الثاني فهو ليس بأمر المستأجِر حتّى يوجب الضمان، بل هو تكليف شرعي تعبّدي من قِبل الله سبحانه وتعالى لما ارتكبه من الخطيئة.
وناقش المصنّف (قده) ذلك، فقال: إنّ ما ذكره العلماء من أنّ المؤجَر لو أفسد الحجّ وكانت الإجارة معيّنة ومقيّدة بهذه السنة فإنّه لا يستحقّ الأُجرة ولو على ما يأتي به في القابل، غيرُ صحيح؛ وذلك لأنّ الإجارة وإن فسخت بالنسبة إلى الحجّ الأوّل، لكنّها باقية بالنسبة إلى الحجّ الثاني، والحجّ الثاني يكون عوضاً شرعيّاً تعبديّاً عمّا وقع عليه العقد، فإنّ البدليّة والعوضيّة من قبل المولى، ومقتضى ذلك استحقاق المؤجَر للأُجرة، فلا وجه لعدم استحقاق الأُجرة على الحجّ الثاني.
وأورد عليه المحقّق الخوئي (قده) بأنّه لم يذكر في شيء من الروايات أنّ الحجّ الثاني بدلاً وعوضاً عن الحجّ الأوّل، وإنّما ورد فيها الحجّ من قابل، وأمّا كونه بدلاً وعوضاً عن الحجّ الأوّل أو واجباً مستقلّاً عنه فالروايات ساكتة عنه، بل مقتضى إطلاقها لزوم الإتيان بالحج الثاني حتّى وإن كان الحجّ الأوّل ندباً أو تبرّعاً، فلا ملازمة بين الوجوب في القابل و بين كونه عوضاً.
وبناء على ذلك، أنّ ما ذكره العلماء ومنهم صاحب الجواهر (قده)[1] من أنّ وجوب الحجّ من قابل هو خطاب شرعي تعبّدي فلا يستحقّ المؤجَر عليه أيّ عوض أصلاً هو الصحيح، أمّا عدم استحقاق المؤجَر للأُجرة على إتيان الحجّ الأوّل فهو لإفساد الحجّ الأوّل وعدم تسليمه للمستأجِر، وأمّا عدم استحقاقه على الحجّ الثاني فهو لأنّه ليس بأمر المستأجِر، بل سبّبه الأجير بنفسه لارتكابه بتلك الخطيئة قبل المشعر الحرام. إذن، لا يستحقّ الأُجرة على الحجّ الثاني، وإن برئت به ذمّة المنوب عنه[2] .
الجهة الثالثة: هل تفرغ ذمّة المنوب عنه بالحجّ الثاني أم لا؟ بمعنى أنّ المؤجَر إذا أفسد الحجّ الأوّل، وقلنا بفساد الحجّ الأوّل ووجوب إتمامه، وأنّه يجب عليه الحجّ من قابل لإفساده الحجّ الأوّل، فهل تفرغ ذمّة المنوب عنه بالحجّ الثاني لو نواه عن المنوب عنه أو لا بدّ للمستأجِر من استئجار شخص آخر ليحجّ عن المنوب عنه؟
قال المحقّق الخوئي (قده): ربّما يقال بوجوب استنابة المستأجِر شخصاً ثانياً ليحجّ عن المنوب عنه؛ وذلك لأنّ الحجّ الأوّل فاسد حسب الفرض فلا يجزي عن المنوب عنه، والحجّ الثاني إنّما وجب للإفساد على المجترح نفسه عقوبه عليه لارتكابه بتلك الخطيئة قبل المشعر الحرام فلا يجزي عن المنوب عنه أيضاً، فلا دليل على تفريغ ذمّة المنوب عنه لا بالحجّ الأوّل لفساده، ولا بالحجّ الثاني لوجوبه على المجترح نفسه عقوبة، وبالتالي يجب على المستأجِر استئجار شخص آخر لتفريغ ذمّة المنوب عنه[3] .
واستشكل المصنّف (قده) على ذلك بأنّ الحجّ الثاني إنّما يجب بالعنوان الأوّل؛ لأنّ الروايات تدلّ على أنّ المؤجَر عليه إعادة الحجّ الأوّل، فكأنّه يقضي الحجّ الأوّل الذي أفسده في السنة الثانية، ومعنى الإعادة هو إتيان الحجّ في السنة الثانية كما أتى به في السنة الأُولى عن المنوب عنه، غاية الأمر أنّ الحجّ الأوّل فيه خلل، والحجّ الثاني لا خلل فيه. إذن، يأتي المؤجَر بالحجّ الثاني قضاء عن الحجّ الأوّل الذي كان عن المنوب عنه، وبالتالي تفرغ ذمّة المنوب عنه به، ولا يجب على المستأجِر استئجار شخص آخر.
وأورد عليه المحقّق الخوئي (قده) بأنّ كلمة الإعادة لم ترد في شيء من الروايات، بل المذكور فيها الحجّ من قابل من دون تقييد بعنوان الحجّ الأوّل، فكلّ مَن أحرم وواقع زوجته قبل المشعر الحرام فإنّه يحجّ في السنة الثانية بعد إتمام حجّه الأوّل الذي هو فاسد حسب الفرض، فكأنّ الحجّ من قابل حاله حال الكفّارت الثابتة على نفس المواقع.
ولذا لم يوجد شيء من الروايات تقول بأنّ الواجب عليه هو الحجّ بالعنوان الأوّل.
نعم، لو قلنا بوجود إطلاق في الروايات القائلة بالحجّ من قابل بحيث تشمل ما إذا قصد بالحجّ الثاني عن غيره وفرضنا أنّ النائب جاء بالحجّ الثاني بعنوان النيابة عن المنوب عنه، صحّ القول بالإجزاء وفرغت ذمّة المنوب عنه.
لكن ظاهر قوله (عليه السلام): «عليه الحجّ من قابل» هو وجوب الحجّ الثاني على الأجير نفسه لا بعنوان كونه أجيراً حتّى يتمكّن أن يأتي بالحجّ الثاني من قبل شخص آخر، فلا يمكن الحكم بفراغ ذمّة المنوب عنه إلّا بالحجّ الثالث؛ لأنّ الحجّ الأوّل فاسد، والحجّ الثاني عقوبة على الأجير، فتبقى ذمّة المنوب عنه مشغولة، فيجب الاستئجار مرّة أُخرى[4] .