46/07/06
إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل .../فصل في النيابة /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في النيابة /إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل ...
وأمّا لو سكت المستأجِر ولم يطالب بالتعجيل، فليس معناه رضايته بالتأخير؛ لأنّ السكوت عن المطالبة لا يدلّ على رضاه بالتأخير.
وإذا كان للسمتأجِر حقّ المطالبة بالتعجيل ولم يطالب، وعلم الأجير بأنّ المستأجِر لا يطالب بالتعجيل بسبب جهله بالحكم، وعدم علمه بأنّ له حقّ المطالبة، فلا يجوز للأجير التأخير في دفع الحقّ وتسليم العمل إليه فوراً، حتّى لو لم يطالب المستأجِر بذلك؛ لأنّ الذي عليه الحقّ ـ وهو الأجير ـ يعلم بأنّ صاحب الحقّ ـ أي: المستأجِر ـ لا يعلم بحقّه في المطالبة بالتعجيل. وكذا لا يجوز للأجير التأخير في دفع الحقّ لو علم بأنّ المستأجِر يعلم بحقّه في المطالبة، ولكنّه لم يطالب بالتعجيل بسبب أنّه لا يعلم لو طلب ذلك لوجب التعجيل على الأجير.
وأمّا إذا كان الأجير يعلم بأنّ المستأجِر يعلم بأنّ له حقّ المطالبة، ويعلم بأنّه إذا طلب من الأجير يجب علىه ذلك، ومع هذا لم يطالب، فإنّ سكوته عن المطالبة هنا يكشف عن رضاه بالتأخير.
والكلام في المقام في هذه الصورة الأخيرة؛ لأنّ صاحب الحقّ يعلم بأنّ له حقّ المطالبة، وطلب تعجيل العمل المستأجر عليه، ولذا يجب على الأجير أن يأتي بالعمل المستأجر عليه فوراً، ولا يجوز له التأخير؛ وذلك لسلطنة المستأجِر على ماله وحقّه في ذمّة الأجير، فإنّ المستأجِر كما له السلطنة على ماله وحقّه الخارجي فإنّ له السلطنة أيضاً على ماله وحقّه في ذمّة الأجير.
إذن لا يصحّ القول بوجوب التعجيل حتّى مع عدم مطالبة المستأجِر بذلك؛ لأنّ صاحب الحقّ إذا كان يعلم بأنّ له حقّ المطالبة، ويعلم بأنّه إذا طلب ذلك من الأجير لوجوب عليه ذلك، ومع هذا سكت عن المطالبة بالتعجيل، فإنّ معناه رضايته بالتأخير، ولذا لا يقال بوجوب التعجيل على من عليه الحقّ ـ أي: الأجير ـ لدفع الحقّ إلى صاحبه، سواء طالب صاحب الحقّ بحقّه أم لم يطالب؛ لأنّ إبقاء الحقّ في ذمّة الأجير لا يعدّ تصرّفاً في مال الغير عرفاً، حتّى يقال بأنّ إبقاء الحقّ في الذمّة وعدم تسليمه نوع تصرّف بمال الغير، وهو متوقّف على إذن صاحب الحقّ.
نعم، إبقاء الأعيان الخارجيّة وعدم ردّها إلى أصحابها يعدّ تصرّفاً في مال الغير، كمَن استعار ثوباً ولم يردّه إلى صاحبه في المدّة المقرّرة، كما أنّ عدم إعطاء الحقّ الخارجي وإبقاؤه في الذمّة كحقّ الشفعة يعدّ تصرّفاً في مال الغير أيضاً، وأمّا إبقاء العمل المستأجر عليه الذي تعلّق بذمّة الأجير فليس تصرّفاً في مال الغير عرفاً.
ثمّ إنّنا نقول: إنّ مبنى المشهور في الإجارة على الأعمال من أنّ المستأجِر يملك العمل في ذمّة الأجير لا يكون صحيحاً؛ لأنّ العمل لا يُملك قبل وجوده، ولا معنى لملكيّة العمل قبل الوجود، كما لا معنى لملكيّته بعد وجود العمل أيضاً؛ لأنّ العمل إذا وجد فإنّه يتصرّم ويزول، فلا يمكن ملكيّة العمل الزائل. وبالتالي، لا يصحّ القول بملكيّة المستأجِر للعمل في ذمّة الأجير حيث لا معنى لهذه الملكيّة لا قبل وجود العمل، ولا بعد وجوده.
ولذا نقول: إنّ الأجارة على الأعمال تعني التزام الأجير بإتيان العمل للمستأجِر، والمستأجِر يملك نتيجة العمل أو أثر العمل، ولا يملك العمل في ذمّة الأجير، وحينئذ لا يكون الثابت في ذمّة الأجير مالاً حتّى يقال بأنّ إبقاءه في الذمّة وعدم تسليمه نوع تصرّف فلا يجوز إلّا بإذن المستأجِر ورضاه.
ومع هذا، نؤيّد ما ذهب إليه المشهور من وجوب التعجيل إذا طلب المستأجِر من الأجير ذلك، فيجب على الأجير دفع حقّ الناس إليهم فوراً مع المطالبة بالتعجيل، وهذه هي قاعدة السلطنة، فإنّ المستأجِر له حقّ السلطنة على ماله وحقّه سواء كانا في الخارج أو في الذمّة، ولذا لو طلب المستأجِر من الأجير التعجيل في إعطاء الحقّ لوجب ذلك على الأجير، ولا يجوز له التأخير في إعطاء الحقّ.
ولا يقال بأنّ المستأجِر إذا طلب التعجيل والإتيان بالعمل في هذه السنة يجب على الأجير الإتيان فوراً، وإذا خالف الأجير ما وجب عليه وتأخّر في إتيان العمل وإعطاء الحقّ لصحابه فإنّه فعل حراماً؛ لأن ترك الواجب ليس معناه الحرمة، فإنّ الأجير لو لم يعمل بالوجوب يستحقّ العقاب، لكنّه لم يفعل حراماً، وهكذا كلّ مَن لم يعمل بالوجوب فإنّه يستحقّ العقاب ولكنّه ليس معناه أنّه فعل الحرام، كما أنّ الذي وجب عليه الصلاة إذا تركها ولم يصلّ حتّى زال وقتها فإنّه ترك الواجب ويستحقّ العقاب على ذلك، ولكن ليس معنى ذلك أنّ تارك الصلاة فعل حراماً. وبالتالي، استحقاق العقاب في المقام يكون على ترك الواجب الفوري لا على فعل الحرام.
والحاصل: لو طلب المستأجِر من الأجير التعجيل في إتيان العمل، فإنّه يجب على الأجير إعطاء الحقّ إلى صاحبه ولا يجوز له التأخير في الإعطاء وأداء الحقّ، وإن ترك ما وجب عليه يستحقّ العقاب، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿إنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ [النساء: 4]، فإعطاء العمل للغير داخل في الأمانات، والأمانات كما تشمل الأموال، تشمل الأعمال الذي التزم بها الأجير للمستاجِر.
ويدلّ على ذلك أيضاً روايات كثيرة فوق حدّ التواتر، فمنها: ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: «إنّ مَن حبس حقّ المؤمن أقامه الله خمسمائة عام على رجله حتّى يسيل من عرقه أودية، ثمّ ينادي مناد من عند الله جلّ جلاله: هذا الظالم الذي حبس عن الله حقّه، قال: فيوبخ أربعين عاماً، ثمّ يُؤمر به إلى نار جهنّم»[1] .
ومنها: ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مَن منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهوديّاً أو نصرانيّاً»[2] .
ومنها: ما روي في وصيّة النبي (صلّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) حيث قال: كفر بالله العظيم من هذه الأمّة عشرة، وعدّ منهم مانع الزكاة [3] .
ومنها: ما روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلّل منه اليوم قبل أن يكون لا دينار ولا درهم.
ويدلّ على ذلك حكم العقل أيضاً بأنّ عدم إعطاء الحقّ لصحاحبه ظلم، والظلم قبيح فلا يجوز، أو إعطاء الحقّ لصحابه عدل، والعدل حسن فيجب، كما في مانع الخمس وهو حقّ السادات وحقّ الإمام (عليه السلام)، ومانع الزكاة وهو حقّ الفقراء فإنّ ذلك ظلم، والظلم لازم لعدم إعطاء صاحب الحقّ حقّه، فلا يجوز ذلك ويستحقّ العقاب.
إذن، لو كان للسمتأجِر حقّ في ذمّة الأجير حيث التزم الأجير بإتيان العمل له، ثمّ طلب المستأجِر من الأجير تعجيل العمل المستأجر عليه، فإنّ الأجير يجب عليه التعجيل في الإتيان بالعمل، ولا يجوز له التأخير في أداء الحقّ لصحابه، وإذا ترك الواجب يستحقّ العقاب لتركه الواجب.