46/05/22
لا بأس باستنابة الصرورة/فصل في النيابة /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في النيابة /لا بأس باستنابة الصرورة
ثمّ قال صاحب العروة (قده): «نعم، يُكره ذلك خصوصاً مع كون المنوب عنه رجلاً، بل لا يبعد كراهة استئجار الصرورة ولو كان رجلاً عن رجل».
وكأنّ الحكم بكراهة نيابة المرأة الصرورة عن رجل أو امرأة أمر ثابت ومسلّم عند المصنّف (قده) وعند بعض الفقهاء، استناداً إلى تلك الروايات المانعة كخبر علي بن أحمد بن أشيم، وخبر مصادف المروي بطريقين، وخبر زيد الشحّام، وعلى الرغم من ضعف هذه الروايات فقد ذهبوا إلى القول بالكراهة، خصوصاً إذا كان المنوب عنه رجلاً؛ ولعلّ وجهه قاعدة التسامح في أدلّة السنن، وبيّن بعد ذلك أنّ الحكم في نيابة الرجل الصرورة عن رجل أو امرأة أيضاً كذلك، حيث قال: «لا يبعد كراهة استئجار الصرورة ولو كان رجلاً عن رجل». والحاصل: تُكره نيابة الرجل الصرورة عن رجل أو امرأة، فضلاً عن كراهة نيابة المرأة الصرورة عن رجل أو امرأة.
ومعنى الكراهة هو الكراهة الاصطلاحيّة، أي: تجوز نيابة الصرورة ولكن تركها أفضل.
ولكنّنا قلنا إنّ قاعدة التسامح في أدلّة السنن لا تدلّ على الحكم بالكراهة أو الاستحباب، فإنّ مقتضى هذه القاعدة ترتّب الثواب على العمل المأتي به برجاء المطلوبيّة، فإذا بلغ المكلّف ثواب عمل حسب رواية ضعيفة وأتى به رجاء ذلك الثواب فإنّ الله تعالى يمنحه ثواب ذلك العمل حتّى وإن لم يذكره النبي (صلى الله عليه وآله) أو الأئمّة المعصومون (عليهم السلام). وبناء على ذلك ينبغي في المقام أن يقال بجواز نيابة الصرورة مطلقاً عن رجل أو امرأة، ولا يقال بالكراهة لعدم وجود دليل علىها، والروايات المانعة كلّها ضعيفة ولا يمكن الاستناد عليها.
واستدلّ صاحب الجواهر (قده) بروايتين للقول بكراهة نيابة الرجل الصرورة عن غيره:
الأُولى: رواية إبراهيم بن عقبة، قال: «كتبت إليه أسأله عن رجل (صرورة لم يحجّ قطّ)[1] حجّ عن صرورة لم يحجّ قطّ، أيجزي كلّ واحد منهما تلك الحجّة عن حجّة الإسلام أو لا؟ بيّن لي ذلك يا سيّدي إن شاء الله، فكتب (عليه السلام): لا يجزي ذلك»[2] .
وإبراهيم بن عقبة من رجال كامل الزيارات، فعلى مبنى مَن يقول بالتوثيق العام لجميع مَن ورد في أسانيد كامل الزيارات تكون الرواية معتبرة، غير أنّ دلالتها على الكراهة ضعيفة؛ لأنّ السؤال والجواب فيها حول أنّ حجّ النائب الصرورة هل يجزي عن حجّة الإسلام لنفسه وللمنوب عنه أو لا يجزي عنهما؟ فأجاب الإمام (عليه السلام) بأنّ حجّ النائب لا يجزي عن حجّة الإسلام، سواء كان حجّه عن نفسه أو عن المنوب عنه.
أمّا عدم الإجزاء بالنسبة للنائب نفسه فإنّه واضح؛ لأنّ النائب قصد أن يحجّ عن المنوب عنه، ولم يقصد الحجّ لنفسه حتّى يكون مجزياً عن حجّة إسلامه، وأمّا عدم الإجزاء عن المنوب عنه فهو لأجل حمل كون المنوب عنه على قيد الحياة؛ لأنّ السؤال حول حجّ النائب عن المنوب عنه الذي يكون صرورة ولم يحجّ قطّ، والظاهر من عبارة «عن صرورة لم يحجّ قطّ» أنّ المنوب عنه على قيد الحياة ولم يحجّ حتّى ذلك الوقت، وإلّا لو كان المنوب عنه ميّتاً لقال السائل: «عن ميّت لم يحجّ قطّ»، وعليه لو كان المنوب عنه حيّاً ووجب عليه حجّة الإسلام فإنّه يجب أن يباشر الحجّ بنفسه لا بالتسبيب والاستنابة.
نعم، إذا كان المنوب عنه ميّتاً فإنّه يمكن أن يُؤتى بالحجّ عنه بالتسبيب، فتسقط حجّة الإسلام عنه بالنيابة، كما أنّها تسقط إذا تبرّع شخص بالحجّ عنه؛ لأنّ الروايات تدلّ على أنّ حجّة الإسلام تسقط عن الميّت بالتبرّع، ولا يلزم إرسال نائب يحجّ عنه من أمواله وتركته.
وبناء على ذلك لا تدلّ الرواية على كراهة نيابة الرجل الصرورة، بل موردها عدم إجزاء الحجّ المأتي به عن حجّة إسلام النائب والمنوب عنه.
وأمّا ما ورد في وجوب إرسال رجل صرورة ليحجّ عن الحيّ العاجز إذا كان متمكّناً ماليّاً لا بدنيّاً، فإنّ حجّ النائب عن المنوب عنه الحيّ العاجز ليس حجّة الإسلام بل إنّما هو واجب آخر وجب علىه بعد عجزه من مباشرة حجّة الإسلام وبعد تمكّنه المالي، وقد دلّت عليه الروايات، وذكرنا أنّه لا خصوصيّة للرجل الوارد في هذه الروايات وإنّما ذكره من باب المثال ويراد منه الفرد، وأمّا قيد الصرورة فهو خلاف المتسالم عليه، مضافاً إلى أنّ حجّ النائب عن الحيّ العاجز لا يجزي عن حجّة إسلام المنوب عنه؛ لأنّ حجّة الإسلام إنّما تجب بعد تحقّق الاستطاعة، والمفروض أنّ الاستطاعة البدنيّة لا تتحقّق بالنسبة إلى المنوب عنه العاجز، ولذا لو تمكّن العاجز بعد ذلك من مباشرة الحجّ بنفسه يجب عليه أن يحجّ حجّة الإسلام، ولا يجزي حجّ النائب الذي أرسله في حال العجز عن حجّة إسلامه.
والثانية: رواية بكر بن صالح، قال: «كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام): إنّ ابني معي وقد أمرته أن يحجّ عن أمّي، أيجزي عنها حجّة الإسلام؟ فكتب لا، وكان ابنه صرورة وكانت اُمّه صرورة»[3] .
والرواية معتبرة؛ لأنّ بكر بن صالح من رجال كامل الزيارات فتكون الرواية معتبرة على مسلك مَن يقول بالتوثيق العام لجميع مَن ورد في أسانيد هذا الكتاب، إلّا أنّ دلالة هذه الرواية على الكراهة ضعيفة أيضاً؛ وذلك لحمل المنوب عنه وهو الأمّ على كونها على قيد الحياة، فحجّ النائب عنها حينئذ لا يجزي عن حجّة الإسلام؛ لأنّ حجّة الإسلام لا تسقط عن المنوب عنه الحيّ بالتسبيب بل تسقط بالمباشرة.
والحاصل: لا دليل على ما ذهب إليه صاحب العروة (قده) من كراهة نيابة الرجل الصرورة عن رجل أو امرأة، ومورد هاتين الروايتين عدم إجزاء حجّ النائب عن حجّة الإسلام لكلا النائب والمنوب عنه، بل مقتضى الجمع بين الروايات هو استحباب نيابة الرجل الصرورة أو المرأة الصرورة عن رجل أو امرأة، سواء كان المنوب عنه ميّتاً أو حيّاً متمكّناً ماليّاً لا بدنيّاً، ولا يلزم أن يكون النائب عن المنوب عنه الحيّ صرورة لما تقدّم من أنّ ذكر «الرجل» في الروايات الدالّة على إرسال نائب رجلاً صرورة يحجّ عنه من باب المثال فلا خصوصيّة له، فإنّ المرأة كذلك أيضاً، وأمّا قيد الصرورة فهو خلاف المتسالم عليه.
ويدلّ على استحباب نيابة غير الصرورة عن الميّت صحيحة أبي أيوب، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): امرأة من أهلنا مات أخوها فأوصى بحجّة وقد حجّت المرأة، فقالت: إن كان يصلح حججت أنا عن أخي، وكنت أنا أحقّ بها من غيري، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لا بأس، بأن تحجّ عن أخيها، وإن كان لها مال فلتحج من مالها، فإنّه أعظم لأجرها»[4] ، فإنّ هذه الرواية صرّحت بجواز نيابة غير الصرورة ولو امرأة عن الرجل الميّت الذي لم يحجّ، وإطلاق صحيحة حكم بن حكيم التي بيّنت قاعدة النيابة تدلّ أيضاً على أنّ المرأة يستحبّ لها أن تحجّ عن رجل أو امرأة، سواء كانت المرأة صرورة أو غير صرورة ، كما أنّ الرجل يستحبّ له أن يحجّ عن رجل أو امرأة، سواء كان الرجل صرورة أو غير صرورة.
ويدلّ على استحباب نيابة الصرورة عن الميّت صحيحة معاوية بن عمّار قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ويترك مالاً؟ قال: عليه أن يُحجّ من ماله رجلاً صرورة لا مال له» [5] .
ولا يوجد تعارض بين هاتين الروايتين؛ لأنّ مفادّهما حكمان، الأوّل: جواز نيابة المرأة غير الصرورة عن أخيها الميّت، والثاني: استحباب نيابة الصرورة عن الميّت، وعليه لا يقيّد الحكم الأوّل بالثاني، أي: لا يقيّد الحكم بجواز نيابة المرأة غير الصرورة بالصرورة، فإنّ حمل المطلق على المقيّد يكون فيما إذا كان هناك حكم واحد، وأمّا لو كان في مورد حكمان فيبقى كلّ واحد منهما على ما هو عليه حيث لا تعارض بينهما.