46/04/23
لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره .../فصل في الحجّ الواجب النذر والعهد واليمين /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في الحجّ الواجب النذر والعهد واليمين /لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره ...
أقول: ولكنّ المحقّق الخوئي (قده) تراجع في أواخر حياته عن وثاقة جميع مَن وقع في سلسة أسانيد كتاب كامل الزيارات، وذهب إلى اختصاص التوثيق بخصوص المشايخ المروي عنهم بلا واسطة، فعليه تكون هذه الرواية ضعيفة؛ لأنّ عنبسة بن مصعب لم يرد فيه توثيق سوى وقوعه في أسانيد كامل الزيارات، وقد تراجع عن التوثيقات العامّة فيه، فلا بدّ أن يقول بوجوب الحجّ راكباً مع وجوب سوق بدنة أو هدي في جميع الصور الأربعة.
وربّما يقال: إنّ عنبسة بن مصعب من أصحاب الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام)، وهو يروي عنهما، وقد لُقّب بالعابد، وهذا اللقب مدح له فتكون الرواية معتبرة.
وفيه: قال المحقّق المجلسي (قده) بأنّ وصف عنبسة بن مصعب بالعابد غريب، وإنّما المشتهر لهذا الوصف هو عنبسة بن بِجاد [1] .
وقد يقال: إنّ عنبسة بن مصعب هو نفسه عنبسة بن بجاد، وبما أنّ ابن بجاد ممدوح وقد لقّب بالعابد فالرواية معتبرة.
وفيه: إنّ علماء الرجال من أصحابنا ذكروا ترجمة مستقلّة لكلّ واحد من عنبسة بن بجاد وعنبسة بن مصعب، وقد وصفوا الأوّل بأنّه ثقة عابد، لكنّهم لم يذكروا هذا الوصف للثاني.
وقد يقال: إنّ عنبسة بن معصب وإن كان ناووسيّاً واقفيّاً حيث إنّه أنكر إمامة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ووقف على إمامة الإمام الصادق (عليه السلام) إلّا أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) كان يهتمّ به، ويعتني به، ويُسرّ بلقائه، فالرواية معتبرة.
وفيه: هذا القول في التوثيق غير كاف؛ لأنّ عنبسة بن مصعب هو الذي يروي رواية ذهابه إلى الإمام الصادق (عليه السلام) واعتناء الإمام به، وليست هذه الرواية من شخص آخر حتّى يقال بأنّ هذا الأمر مدح له. ، وعليه فإنّ هذه الرواية غير كافية لتوثيقه.
وقال صاحب الجواهر (قده) بأنّ خبر عنبسة من قسم الموثّق الذي هو حجّة عندنا؛ لأنّه يروي عنه البزنطي، وهو لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة [2] .
وفيه: إنّ الراوي الذي يروي عنه البزنطي هو عنبسة بن بجاد، والبزنطي لا يروي عن عنبسة بن مصعب لوجود فاصل بين البزنطي وبينه.
والحاصل: كلّ ما ذُكر لتوثيق عنبسة بن معصب غير صحيح، وهو ممّن لا توثيق له، وعليه تكون هذه الرواية غير معتبرة، ولا يمكن التمسّك بها لاثبات استحباب سوق البدنة.
وبناء على ذلك لو نذر الحجّ ماشياً ثمّ عجز عن المشي فالقاعدة تقتضي سقوط النذر بعد العجز عنه في جميع الصور، ولكنّ الروايات تدلّ على وجوب الحجّ راكباً، وهي على طائفتين: أحدهما: مقيّدة بوجوب سياق بدنة أو هدي، والأُخرى: مطلقة من دون ذكر سياق بدنة أو هدي، وعليه لا بدّ من حمل المطلق على المقيّد لرفع التناقض بينهما؛ لأنّ مقتضى القاعدة في باب الإطلاق والتقييد يقتضي ذلك، فإنّ المقيّد إذا كان ناظراً وشارحاً للمطلق، أو كان الحكم في المطلق والمقيّد واحداً، فالقاعدة تقتضي حمل المطلق على المقيّد لحلّ التعارض، والمقام يكون كذلك، فإنّ الحكم بسوق البدنة في بعض الروايات إمّا يكون ناظراً للحكم في الروايات الأُخرى التي لم تُذكر فيها سوق البدنة، أو يكون الحكم هنا في المطلق والمقيّد واحداً وهو وجوب الحجّ راكباً، ولذا تُحمل الروايات المطلقة على المقيّدة، فيُحكم بوجوب الحجّ راكباً مع وجوب البدنة.
ولا يمكن الأخذ باستحباب البدنة بناء على ما ذهب إليه صاحب العروة (قده) من باب حمل المقيّد على الاستحباب، ولا بناء على ما ذهب إليه المحقّق الخوئي (قده) تمسّكاً برواية عنبسة بن مصعب، فإنّ هذه الرواية لم تكن موثّقة.
نعم، إذا ثبت أنّ البزنطي هو الراوي عن عنبسة بن مصعب فالرواية تكون معتبرة فنذهب إلى استحباب سوق الهدي مع الحجّ راكباً.
فرع: لو نذر الحجّ ماشياً وهو يعلم من البداية أنّه يتمكّن من المشي بمقدار نصف الأعمال ـ مثلاً ـ ثمّ يعجز عن إتيان باقي الأعمال ماشياً، فإنّ صاحب العروة (قده) ذهب إلى أنّ نذره لا يسقط، ويجب عليه المشي بالمقدار الذي يتمكّن منه، فإذا عجز ركب، واستدلّ على ذلك بوجهين:
الأوّل: قاعدة الميسور.
والثاني: النصّ، منها: صحيحة حفص ورفاعة قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافياً؟ قال: فليمش، فاذا تعب فليركب»[3] ، وكذا مرسل حريز عمّن أخبره، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قال: «إذا حلف الرجل أن لا يركب أو نذر أن لا يركب فإذا بلغ مجهوده ركب، قال: وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يحمل المشاة على بدنة» [4] .
وقد ناقش المحقّق الخوئي (قده) ذلك، فقال: إنّ قاعدة الميسور غير ثابتة، وأدلّتها غير صحيحة ومخدوشة من حيث الكبرى والصغرى، فإنّ هذه القاعدة ليست في الفعل الواحد كنذر الحجّ ماشياً بل هي في أفراد متعدّدة لا في الفرد الواحد، وعليه لا تجري قاعدة الميسور في الفرد الواحد. إذن مقتضى القاعدة سقوط المشي بالمرّة؛ لأنّه يعلم بعدم التمكّن والقدرة على المشي في جميع الأفعال من الأوّل فيسقط نذره بعد انعقاده، ولكن ينتقل إلى الركوب، كما تقتضيه صحيحة الحلبي حيث قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله وعجز عن المشي؟ قال: فليركب وليسق بدنة، فإنّ ذلك يجزي عنه إذا عرف الله منه الجهد» [5] .
وأمّا خبر رفاعة الذي ذكره صاحب الوسائل (قده) تارة عن سماعة وحفص في باب الحجّ حيث قالا: «سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافياً، قال: فليمش، فإذا تعب فليركب» [6] ، وذكر المعلِّق على الوسائل أنّه رفاعة بدل سماعة، فإنّ هذا الخبر ضعيف للفصل بين أحمد بن محمّد بن عيسى الذي هو من الطبقة السابعة ويروي عن حفص وسماعة اللذين من الطبقة الخامسة، فالرواية حينئذ تكون ضعيفة لسقوط الواسطة بينه وبين الرواة، وأُخرى ذكر صاحب الوسائل هذه الصحيحة عن رفاعة وحفص في باب النذر والعهد بسند صحيح عن رفاعة وحفص قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافياً؟ قال: فليمش، فاذا تعب فليركب» [7] ، ولكن كلّ من الخبرين لا يفيده؛ لأنّ موردهما نذر الحفاء، وأمّا خبر حريز فضعيف لإرساله [8] .
أقول: ورد نفس هذا المضمون في صحيحة رفاعة بن موسى، ولم يكن فيه أحمد بن محمّد بن عيسى حيث قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله؟ قال: فليمش، قلت: فإنّه تعب؟ قال: فإذا تعب ركب»[9] ، وهي في نذر المشي لا في نذر الحفاء، إذن صحيحة رفاعة بن موسى هي الدليل على ما نحن فيه.