« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه

46/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً/فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين /كتاب الحجّ

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين /يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً

 

(مسألة28): يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً تمكّن الناذر وعدم تضرّره بهما، فلو كان عاجزاً أو كان مضرّاً ببدنه لم ينعقد. نعم، لا مانع منه إذا كان حرجاً لا يبلغ حدّ الضرر؛ لأنّ رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة. هذا إذا كان حرجياً حين النذر وكان عالماً به، وأمّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطاً للوجوب [1] .

قال صاحب العروة (قده): يُشترط في صحّة نذر الحجّ ماشياً أو حافياً تمكّن الناذر وعدم تضرّره من الإتيان بالمنذور، فلو كان عاجزاً أو كان مضرّاً ببدنه لم يصحّ.

وقال المحقّق الخوئي (قده): يعتبر في متعلّق النذر كونه مقدوراً للناذر، فلو تعلّق بأمر غير مقدور له لا ينعقد؛ لأنّ النذر هو الالتزام بشيء على نفسه، فلو كان الشيء غير مقدور له لا يمكن أن يلتزم به على نفسه، وأمّا لو كان المتعلّق ضرريّاً (ضرراً معتدّاً به) وقلنا بحرمة تحمّل الضرر (المعتدّ به) مطلقاً شرعاً، وكان الضرر الموجود في البين كذلك فلا ينعقد النذر أيضاً؛ لأنّ‌ المتعلّق حينئذ بمنزلة غير المقدور فلا رجحان فيه، والمفروض أنّ النذر لا يحلّل الحرام، وأمّا إذا لم نقل بحرمة الإضرار بالنفس مطلقاً كما هو المختار عندنا فحاله حال الحرج (الذي لا يبلغ حدّ الضرر)[2] .

وذهب المحقّق الخوئي (قده) هنا إلى عدم حرمة الإضرار بالنفس مطلقاً، ومع ذلك فقد أفتى بحرمة تبرّع الأب بإحدى كليتيه لإبنه، وهذا تناقض منه إذا كان مستند هذه الفتوى حرمة الإضرار على النفس للأب.

وبيّن المحقّق الشاهرودي (قده) أنّ عدم انعقاد نذر الحجّ ماشياً أو حافياً إذا كان متعلّقه ضررياً هو لأجل مرجوحيّة المتعلّق بسبب الإضرار المحرّم على نفسه، فإنّ متعلّق النذر حينئذ يكون فاقداً لشرط الصحّة، وهو الرجحان [3] . وعليه، عدم انعقاد النذر هنا هو لأجل زوال الرجحان، وليس لأجل عدم القدرة على المتعلّق كما ذهب إليه المحقّق الخوئي (قده).

إذن لو كان متعلّق النذر غير مقدور أو كان ضرريّاً فلا يصحّ؛ إمّا لأجل عدم القدرة عليه شرعاً كما ذكره المحقّق الخوئي (قده)، أو لأجل زوال شرط الصحّة وهو الرحجان كما عليه المحقّق الشاهرودي (قده).

وأمّا إذا كان المتعلّق ـ نذر الحجّ ماشياً أو حافياً ـ حرجيّاً، ولكن لا يبلغ حدّ الضرر، فإنّ صاحب العروة (قده) قد ذكر هنا صورتين:

الأُولى: إذا كان متعلّق النذر حرجيّاً وهو يعلم به حين النذر، فإنّه لا مانع من صحّته وانعقاده حينئذ؛ لأنّ رفع الحرج والصعوبة من باب الرخصة لا العزيمة، ومقتضى دليل نفي الحرج نفي اللزوم فقط؛ لأنّ لزوم المتعلّق ـ أي: لزوم المشي أو الحفاء في الحجّ ـ هو الذي يؤدّي إلى الحرج، وأمّا محبوبيّة المتعلّق ومطلوبيّته فهي باقية على حالها ولم تنف بدليل الحرج، وعليه لا مانع من صحّة النذر وانعقاده حينئذ.

ولكن المحقّق الخوئي (قده) ناقش ذلك، فقال: إنّ ما ذكره صاحب العروة (قده) مبني على أنّ الأمر ووجوب الوفاء بالنذر (فِ بالنذر) مركّب من الطلب وعدم جواز الترك، وعليه لو جاء جواز الترك نتيجة دليل رفع الحرج كقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحجّ: 78]، فإنّ هذا الدليل ينفي الوجوب، ولكنّ الطلب يبقى على حاله من المحبوبيّة والمطلوبيّة؛ لأنّ ذلك ممّا يقتضيه الامتنان. ولكن هذا المبنى باطل؛ لأنّ الوفاء بالنذ (فِ بالنذر) إنّما هو حكم شرعي بسيط، ولا ينحلّ إلى حكمين من المحبوبيّة والوجوب بحيث إذا ارتفع الوجوب تبقى المحبوبيّة. وبناء على ذلك لو ارتفع الوجوب ـ أي: وجوب الوفاء بالنذر ـ بدليل الحرج يرتفع أصل التشريع، ويكون العمل باطلاً [4] .

الثانية: إذا كان متعلّق النذر حرجيّاً وهو لا يعلم به حين النذر، وإنّما حصل الحرج بعد النذر، فالظاهر أنّ وجوب الوفاء بالنذر هنا يسقط لدليل نفي الحرج؛ لأنّ الناذر التزم بالمتعلّق من دون التفات إلى الحرج والصعوبة الطارئة، فدليل نفي الحرج يشمله، فينتفي هذا النذر الذي يكون متعلّقه حرجيّاً (امتناناً)، فيرتفع وجوب الوفاء بالنذر الذي يؤدّي إلى الحرج.

أقول: توجد هنا صورة ثالثة، وهي حصول الحرج أثناء العمل؛ لأنّ في الصورة الأولى كان تحقّق الحرج حين النذر، وفي الصورة الثانية كان تحقّقه بعد النذر، ولكن إذا نذر الحجّ ماشياً أو حافياً فصار المشي عليه حرجيّاً في الأثناء فإنّه يجب عليه المشي إلى أن يحصل الحرج، ثمّ يركب إذا حصل الحرج، وهذا ما تدلّ علىه صحيحة رفاعة وحفص حيث قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافياً، قال: فليمش، فإذا تعب فليركب» [5] .

وقد نقول: إنّ قاعدة نفي الحرج لا تكون مقدّمة على النذر الذي يعلم الناذر أنّه حرجي؛ لأنّ هذا الحرج جاء من التزام المكلّف على نفسه مع توجّهه إلى أنّ المشي حرج عليه، فلم يأت الحرج من تكليف الشارع حتّى يُنفى.

ولكنّ هذا باطل؛ وذلك لأنّ الحرج هنا جاء من قوله (فِ بالنذر) فجاء من الشارع أيضاً.

 


[3] كتاب الحجّ، الحسيني الشاهرودي، السيّد محمود، تقرير: جناتي، محمّد ابراهيم، ج1، ص417.
logo