< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: شرط جريان البراءة
 شرط جريان البراءة هو الفحص وعدم الظفر بدليل على الأمر المشكوك:
 نعقد البحث في ثلاث جهات:
 أولاً: هل يجب الفحص في الشبهات الحكمية؟
 ثانياً: هل يجب الفحص في الشبهات الموضوعية؟
 ثالثاً: هل يشترط في جريان البراءة عدم استلزامها للضرر على مسلم آخر؟ «وهو كلام الفاضل التوني رحمه الله».
 أما البحث الأوّل: هل يجب الفحص في الشبهات الحكمية بمعنى عدم جريان البراءة العقلية ولا الشرعية إلا بعد الفحص عن الحكم المشكوك وعدم الظفر به؟
 الجواب: ذهب المشهور من المحققين إلى اختصاص البراءة العقلية بما بعد الفحص عن الحكم المشكوك وعدم الظفر به.
 وذهب غير المشهور فقالوا: بجريان البراءة قبل الفحص وبعد الفحص عن حكم الشيء المشكوك.
 ودليل المشهور: بلحاظ البراءة العقلية: ان البيان القابل للوصول ما لم يصل فعلاً يقبح العقاب عليه ، لأن التكليف لم يتنجّز بهذا المقدار إلا أن المكلّف إذا ترك الفحص عن حكم عمل ارتكبه مع عمله أن بيان المولى وأحكام المولى لا تصله إلا بالفحص يكون هذا العبد خارجاً عن زيّ العبودية، ويكون ظالماً للمولى وقد فعل أمراً قبيحاً( [1] ).
 إذن جريان البراءة العقلية لا يجوز إلا بعد الفحص وعدم الظفر بالحكم للأمر المشكوك حكمه حتى لا يخرج عن زيّ العبودية ولا يكون ظالماً للمولى ولا يكون قد فعل أمراً قبيحاً.
 وبعبارة أخرى: إن مولوية المولى تشمل الأحكام ا لمعلومة والأحكام المحتملة عند احتمال صدور بيان لم يصل بأيدينا، فإذا كنا نحتمل البيان القابل للوصول بالفحص يكون حقّ للمولى علينا بالفحص ويوجب عدم جريان البراءة العقلية الا بعد الفحص وعدم الوصول إلى البيان. وهذا أمر وجداني لا يمكن البرهنة عليه.
 دليل المشهور بلحاظ البراءة الشرعية:
 قال المشهور: إنّ البراءة الشرعية وان كان دليل >بعضها< مطلق لما قبل الفحص ولكن يوجد مانع عقلي أو شرعي عن التمسك بهذا الإطلاق، فلابدّ من اختصاصها بما بعد الفحص، وفي بعض أدلة البراءة قصور عن التمسك لما قبل الفحص.
 وتوضيح ذلك:
 1) نقول قد لا يوجد أطلاق في بعض أدلة البراءة لما قبل الفحص ، فان قوله تعالى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } لسانه: إذا أتى التكليف وبيّن فلا براءة ، وإذا لم يأت التكليف ولم يُبيّن فالبراءة تجري.
 ولكن عرفاً أن المراد من الإيتاء والتبيين ليس هو أن يأتي البيان إلى دارنا ودار كلّ مكلّف ونخبر بالحكم، بل يصدق الإيتاء والتبيين بمجرد أن يجعل الحكم في معرض الوصول، كما في هذه الدول التي تشرّع القوانين ، فلا يأتي القانون إلى بيت كل مواطن ، بل يوضع القانون في وسائل الإعلام المقروء والمنظور، وهذا اعم من فرض الوصول فعلاً أو عدم الوصول. فالمواطن أو المكلّف لابدّ له أن يفحص عن القوانين في الوسائل المتّبع فيها وجود القانون ، فان لم يحصل على قانون فيجري البراءة من التكليف.
 2) وهنا أيضاً ننفي إطلاق البراءة الشرعية لما قبل الفحص بان نقول: إن شدّة اهتمام النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) بنشر الأحكام وتبليغها وترويجها، وحث الشريعة على تعلّم الأحكام وكتابتها يكون قرينة على صرف ظهور «رفع مالا يعلمون» عما قبل الفحص، وتخصيصها بما بعد الفحوص.
 3) إن دليل البراءة وإن فرضناه مطلق في نفسه إلا أنه مقيّد بعدم قيام إمارة معتبرة على خلافه، وحينئذٍ إذا تمسكنا بدليل البراءة قبل الفحص يكون من التمسك بالعالم في الشبهة المصداقية.
 4) التمسك بأخبار وجوب التعلّم( [2] )، فإذا شك في حكم ما يجب عليه التعلّم و>الفحص< فان أجرى البراءة قبل التعلم وقبل الفحص يكون معاقباً وخارجاً عن زيّ العبودية فتختصّ البراءة بما بعد الفحص.
 البحث الثاني: هل يجب الفحص في الشبهات الموضوعية؟
 الجواب بلحاظ البراءة العقلية: نعم يجب الفحص فيما إذا عد عدم الفحص تهرّبا من الحكم وتوضيح ذلك.
 قد يشك المكلف في موضوع ما ولكن معرفة ذلك الموضوع تحصل بادنى التفات كما إذا اخرج من انفه بلل لزج يحتمل انه دم كما يحتمل انه مادة لزجة ويمكنه معرفة الحكم بفتح الضياء، فهنا يجب الفحص لان عدم الفحص يكون تهرّباً من الحقيقة ومن حكم المولى، وكذا إذا كان تاجراً ولا يعرف ما صدر منه وما ورد إليه فهو يشك في استطاعته للحج لأنه يشك في الربح الذي يكون قادراً بواسطته على الحج، إلا انه بأدنى التفات ومراجعة لدفتر الصادرات ودفتر الواردات يعرف مقدار الربح وانه قادر على الحج أو لا؟ فهنا عدم الفحص يكون تهرّباً من حكم الله تعالى ، فيجب الفحص بهذا المقدار، ومثل هذا لو وقعت قطرة على يدي لا أعلم أنها دم أو ماء فإغماض العين ومسحها بالثوب أو التراب او بالماء القليل يكون تهرّباً من الواقع في دائرة التكليف وفراراً من التكليف، ولا يجوز هنا جريان البراءة العقلية ، لان التكليف لا يصل إليه هنا إلّا وهو مفتوح العينين وقادر على مراجعة صادراته ووارداته وبفتح الضياء فيجب الفحص عقلا.
 إما المقدار الذي إذا لم يفحص لم يصدق عليه انه متهرّب من أحكام الله تعالى، كما إذا أراد الزواج بامرأة خارجية وهو يعلم عدم جواز الزواج بالمرأة التي لها زوج وهي تدعي عدم زوج لها وشك في أن لها زوجا، فهنا إذا لم يفحص ويتزوجها لا يكون هروباً من حكم الله تعالى ، فلا يجب الفحص عقلاً. فلاحظ.


[1] () وبعبارة أخرى احتمال الحكم الذي صدر ولم يصل ألينا لا يوجب حقّ الطاعة كما قال السيّد الشهيد الصدر: ((وإنما يوجب حق المولى علينا بالفحص ليس إلا)).
[2] () وهي طوائف كثيرة ، منها ما دل على وجوب طلب العلم ومنها ما دلّ على التفقه في الدين ومن لم يتفقه في الدين فهو أعرابي، ومنها «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» ومنها روايات يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له لماذا لم تعمل فإذا قال ما علمت فيقال له: هلاّ تعلمت ثم يؤمر به إلى النار، ومنها آية وجوب النفر على بعض الأمة وبالالتزام يدلّ على إيجاب الفحص عن الباحثين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo