< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة الاحتياط
 الحالة الثانية: دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين وهو يعني أنّ هناك وجوبا واحداً له امتثال واحد وعصيان واحد، وهو متعلّق اما بالأقل أو الأكثر كما إذا علم المكلّف بوجوب الصلاة عليه وترددت الصلاة بين عشرة أمور (أجزاءً أو شرائط) أو تسعة.
 والكلام بين المحققين هنا في منجزية الأكثر وعدمه بعد اتفاقهم على منجزّية الأقل.
 وبعبارة أخرى: الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين هل يرجع إلى الانحلال بمنجزية الأقل والزائد يكون مشكوكاً بالشك البدوي فتجري فيه البراءة أو يكون راجعاً إلى الدوران بين المتباينين ولا انحلال في البين؟
 ثم ان النكتة الأساسية في الدوران بين الأقل والأكثر التي تهمنا هي بلحاظ ما يتسجّل على عهدتنا وفي ذمتنا( [1] )، فهل المسجَّل على عهدتنا هو الأجزاء العشرة في الصلاة أو الأجزاء التسعة؟ وهل المسجَّل على عهدتنا الشرائط الأقل( [2] ) أو الشرائط الأكثر؟ وهل المسجَّل على عهدتنا الأمر المعيّن أو الأمر المخيّر بين هذا وذاك؟
 ففي دوران الأمر بين الأقل والأكثر من الأجزاء: كما إذا تردد أمر الصلاة بين تسعة أجزاء أو عشرة، فهنا أقوال ثلاثة:
 الأول: القول بجريان البراءة عن الزائد مطلقا، وهذا مختار الشيخ الأنصاري في الرسائل.
 الثاني: القول بعدم جريان البراءة مطلقاً، وهو مختار صاحب الكفاية في حاشيته على الكفاية.
 الثالث: القول بجريان البراءة الشرعية دون العقلية، وهو مختار صاحب الكفاية في كفايته.
 والأصح: هو القول الأول: لأن الأكثر من الأجزاء مشكوك، فيكون مشمولاً لأدلة البراءة عند الشك في التكليف لجريان البراءة العقلية «قبح العقاب بلا بيان» والبراءة الشرعية «رفع ما لا يعلمون» وذلك لأنّ التكليف بالمركّب ينحل بنفسه إلى التكليف بكلّ جزء منه فيكون لكل جزء حصّته من التكليف مغايرة لحصّة أخرى من التكليف، وحينئذٍ إذا دار أمر التكليف بين تعلّقه بالأقل أو الأكثر فتعلّقه بالأقل معلوم وحرز وتعلّقه بالأكثر مشكوك، ولم تقم عليه حجّة من الشارع، فالعقاب على تركه بلا بيان وعقاب على شيء لم يعلم وروده من الشارع، ولكن هل هناك مانع من جريان أصالة البراءة وعدم جريان التامين عن هذا الوجوب المشكوك؟
 قد يقال:
 (1) المانع هو وجود العلم الإجمالي المانع من جريان البراءة. وهذا العلم الإجمالي ليس هو العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو وجوب الزائد، لينفى العلم الإجمالي بقولهم إن وجوب الزائد لا يحتمل كونه بديلا عن الأقل فكيف يكون طرفاً مقابلا للأقل في العلم الإجمالي. بل العلم الإجمالي هو العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو وجوب الأكثر المشتمل على الزائد.
 وهذا الأقل المشتمل على الزائد هو أمر مباين مع الأقل، لأن الوجوب ارتباطي، والارتباطية تساوق الوحدة والوحدة تساوق التباين (أي مباينة الأكثر للأقل)، فيكون العلم الإجمالي في الحقيقة هو علم إجمالي بين متباينين، وحينئذٍ لا يمكن اجراء الأصل لنفي وجوب الزائد لكونه جزءً من أحد طرفي العلم الإجمالي.
 فانه يقال: ان العلم الإجمالي المذكور منحلّ بالعلم التفصيلي بالوجوب النفسي للأقل على كل حال (سواء كان هو الواجب مستقلا أو كان الوجوب عارضا عليه مع زيادة) وهذا المعلوم التفصيلي مصداق للجامع المعلوم بالإجمال فينحل به العلم الإجمالي، وتجري البراءة بالنسبة للزائد.
 أقول وتوضيح ذلك: نحن نقبل بأنّ العلم الإجمالي هنا قد صوّر بين المتباينين لأنّ حدّ الواجب إمّا هو الأجزاء التسعة أو هو الأجزاء العشرة وهما بهذين الحدين متباينان، ولكن بما أنّ الحدود لا تدخل في العهدة وإن كانت موجودة في عالم التكوين، وحين عدم دخولها في العهدة تسقط من الحساب ويكون اللحاظ لذات الحكم، فيرجع الدوران بين الأقل والأكثر وبما أنّ الأقل متيقّن على كلّ حال فقد زال العلم الإجمالي وحصل علم تفصيلي بوجوب الأقل، كما لو كان هناك ثوبان أعلم بأنّ أحدهما نجس، ولكن إذا علمنا بأنّ النجس هو الثواب ذو اللون الازرق فقد زال العلم الإجمالي وحصل العلم التفصيلي بالنجس، فلاحظ.


[1] ـ هذا التعبير قد يكون مختصا بالأموال اما العهدة فهو تعبير للواجب غير المالي، فالتعبير بالعهدة اصح ظاهراً.
[2] ـ الشرط ليس محتمل الوجوب في نفسه وإنّما هو مقيّد ومخصّص للواجب، والشرط قد يفرض شرطا مستقلاً عن المشروط كاحتمال اشتراط الطهارة في الصلاة وأخرى يفرض أمراً غير مستق عن الصلاة، بل هو حالة من حالات الصلاة كاحتمال اشتراط التأنّي في الصلاة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo