< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/07/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة الاحتياط
 وقد ذكر المحقّق العراقي تقريباً آخر لتنجيز العلم الإجمالي ووجود مانع ثبوتي عن جريان الأصول المرخّصة في جميع الأطراف فقال ما حاصله:
 إنّ العلم تعلّق بالحكم الذي هو الصلاة مثلاً ولكن دار أمر هذه الصلاة بصلاة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة، وهناك الإجمال لا أثر له، لأنّ أمر المولى لا جمال فيه، وحكم العقل بوجوب الاطاعة هو أمر المولى من دون الخصوصية بكونه جمعة أو ظهراً، فأمر المولى تامّ تفصيلاً لا إجمال فيه فيكون تأثيره منجّزاً كتأثير العلم التفصيلي إذ هو علم تفصيلي( [1] ).
 ولكن يرد على هذا الكلام الذي يرجع إلى أنّ هذا العمل الإجمالي الدائر بين المتباينين هو علم تفصيلي بحسب موضوع التنجيز، ولكن نحن ننقل الكلام إلى العمل التفصيل فنقولك إنّ العلم التفصيلي «الذي يؤثّر أثره في وجوب الإطاعة» معلّق ايضا على عدم ترخيص الشارع في المخالفة بلحاظ تزاحم الأغراض بين فعلها وتركها، غاية الأمر أنّ المعلّق عليه ـ وهو عدم الترخيص ـ حاصل في العلم التفصيلي لتعيّن الغرض في الفعل فلا يقع تزاحم بين فعل الواجب المعلوم تفصيلاً وتركه، بخلاف مورد العلم الإجمالي، فإنّ عدم الترخيص في ترك أطرافه غير حاصل، بل نحن نتكلّم فيه، إذن من الممكن ثبوتاً الترخيص في تمام أطرافه.
 2 ـ ذكر البعض( [2] ) وجود المانع الاثباتي من الترخيص في جميع أطراف العلم الإجمالي، أي ان الترخيص في تمام الاطراف يكون بنظر العرف والعقلاء كأنّه تفويت لذلك الغرض الإلزامي ومناقض معه، وهذا الفهم العرفي يكون قرينة لُبيّة متصلة بالخطاب تمنع عن انعقاد الإطلاق في أدلة الأُصول لشمول أطراف العلم الإجمالي بأجمعها.
 وبعبارة أُخرى: ان أدلة الأُصول العملية مثل «رفع ما لا يعلمون» فيها ضيق لا تثبت التأمين في موردنا عرفاً رغم إطلاقها لما نحن فيهن فهي لا تشمل تمام أطراف العلم الإجمالي، فان التعبير برفع ما لا يعملون أو ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ينساق منه عرفاً الترخيص في قبال الاغراض الإلزامية غير المعلومة (المشكوكة) ولا تشمل الاغراض الإلزامية المعلومة المشتبهة مع الاغراض الترخيصية (التكليف المعلوم إجمالاً).
 وهذا المانع الاثباتي صحيح مانع من جريان الترخيص في كل أطراف العلم الإجمالي لوجود نكتة لفظيّة تمنع من إطلاق «رفع ما لا يعلمون» لما نحن فيه، لأنّه عرفاً يفهم منه عدم الاهتمام بمحتمل الالزام في مقابل محتمل الترخيص وهو الشكّ البدوي ولا يشمل الالزام القطعي في قبال ما اشتبه من ترخيص قطعي او احتمالي، فلاحظ.
 ملحوظة:
 ذكر السيد الشهيد الصدر كما في تقريرات السيد الحائري ما نصّه: «وقد ظهر من تمام ما ذكرناه: إنّ الترخيص في أطراف العلم الإجمالي إنّما ينفي المجذور إثباتي من دون أن يكون هناك محذور ثبوتي، ولذا لو دلّ دليل على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي ـ كما في بعض موارد جوائز السلطان واخذ الربا الذي تاب، وبعض موارد أخرى قد يقف عليه المتتبّع ـ نلتزم بالترخيص فيها وجواز المخالفة القطعيّة إن تمّ عندنا الحديث سنداً ودلالة»( [3] ).
 وتوضيح ذلك: إذا كان عندنا علم إجمالي بوجود حرام عند أموال السلطان، وقد أعطى لزيد جائزة في اليوم الأوّل ثمّ أعطاه جائزة في اليوم الثاني وهكذا، وقد دلّ الدليل على جواز أخذ هذه الجائزة التي أعطاها السلطان في اليوم الأول مع أنّها طرف للعلم الإجمالي بالحرام، وهكذا قام نفس الدليل على جواز أخذ هذه الجائزة في اليوم الثاني مع أنّها أيضاً طرف للعلم الإجمالي بالحرام وهكذا إلى أن انتقلت إلى زيد جميع أموال السلطان، فهنا نلازم بجواز الترخيص في أطراف العلم الإجمالي بأجمعها فتحصل المخالفة القطعية إن تمّ الدليل الدال على جواز الترخيص في أطراف العلم الإجمالي.
 وإنّما نقول هذا لعدم وجود محذور اثباتي، بل دلّ الدليل على جواز الترخيص في أطراف المعلوم بالإجمال.
 وكذا إذا كان انسان يعمل بالربا والحلال، فكلّ مال من أمواله هو طرف للعلم الإجمالي بوجود الحرام فيه، فإذا اشترى من زيد سلعة أو أهدى إلى زيد سلعة، فإنه دلّ الدليل على جواز أخذ ما وصل إلى زيد بالمعاوضة أو الهبة في اليوم الأوّل وهكذا في اليوم الثاني والثالث حتّى تمّت كل أمواله المختلطة في الحرام، فهنا نلتزم بجواز أخذ التي هي طرف للعلم الإجمالي بالحرام ونجّوز المخالفة القطعية إذا تمّ الدليل الدال على جواز المعاوضة معه وأخذ هديته مع أنّ ما أعطاه هو طرف للعلم الإجمالي.
 إذن نحن قد أثبتنا وجود مانع اثباتي من جريان الأصول في تمام أطراف العلم الإجمالي بين المتباينين لوجود نكتة عرفية فيه تدلّ على اختصاصه بالشبهة البدوية، أي إنّه يقول بحسب الفهم العرفي: إنّ الشارع لا يهتمّ بمحتمل الإلزام في مقابل محتمل الترخيص، أمّا إذا كان هناك قطع بالتكليف في قبال ما اشتبه من ترخيص قطعي فلا يشمله «رفع ما لا يعلمون» ولا يقول إنّ الشارع لا يهتمّ بالإلزام القطعي هنا.
 وكذا إدراك العقلاء التضاد بين الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال بين وجوب الظهر يوم الجمعة أو وجوب الجمعة وبين الترخيص في جميع الاطراف.
 إلّا أنّ هذين المانعين غير موجودين في ما إذا أثبت دليل صحيح يدل على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي، فلاحظ.


[1] ـ نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، 305-307.
[2] ـ وهو المحقّق النائيني في فوائد الأصول3:5، وراجع أجود التقريرات2: 240، 241، وهذا القول هو خلاف المشهور القائل بعد مانعية العلم الإجمالي من جريان البراءة في تمام الأطراف إثباتاً، بل هم يتمسّكون بالمانع الثبوتي الذي تقدّم عدم تماميّته، أمّا إثباتاً فقال المشهور: إنّ كل طرف من أطراف العلم الإجمالي يصدق عليه أنّه غير معلوم فيدخل في إطلاق دليل «رفع ما لا يعلمون».
[3] ـ مباحث الأصول الجزء الرابع من القسم الثاني: 56.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo