< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة التخيير
 التطبيقات:
 1ـ قال السيد الخوئي () ما حاصله: إذا حلف على سفر معين أو على تركه، ولم يكن أحد الحكمين بخصوصه مورداً للاستصحاب ولم يمكن الاحتياط لأجل عدم التمكن من الموافقة والمخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال. فالقاعدة هو التخيير بين الفعل والترك وكذا في المرأة المردد وطؤها في يوم معيّن بين الوجوب والحرمة لأجل الحلف المردد تعلّقه بالفعل أو الترك.
 ولذا صحّ لنا أن نقول: إنّ مورد دوران الأمر بين المحذورين من قبيل الشك في أصل التكليف لا المكلف به.
 أقول: نعم لا أثر للعلم الإجمالي هنا بالإلزام، ونتخير بين الفعل والترك لاضطرارنا إلى احدهما لا لجريان أدلة البراءة.
 2ـ وقال السيد الخوئي () أيضاً: إذا أدار الأمر بين وجوب الصلاة على المرأة وحرمتها عليها، لاحتمالها الطهر والحيض مع عدم احراز أحدهما ولو بالاستصحاب( [1] )، بناء على حرمة الصلاة على الحائض ذاتا، بمعنى أن يكون نفس العمل حراما عليها ولو مع عدم قصد القربة وانتسابه إلى المولى، ففي مثل ذلك يمكن المخالفة القطعية بأتيان العمل بغير قصد القربة، فانه على تقدير كونها حائضا فأتت بالمحرّم، وعلى تقدير عدم كونها حائضاً فقد تركت الواجب، ولأجل ذلك كان العلم الإجمالي منجّزا وان لم تجب الموافقة القطعية لتعذرها،... وحيث إن الموافقة القطعية، غير ممكنة، فلا محالة يحكم العقل بالتخيير بين الإتيان بالصلاة برجاء المطلوبية وبين تركها رأسا( [2]
  [3] ).
 أقول: التخيير على رأي السيد الخوئي بجريان البراءة في كلا الطرفين وعلى ما ارتأيناه من باب الاضطرار ولا بدية فعل احد الطرفين.
 3 ـ وقال السيد الخوئي «لو علم إجمالاً بصدور حلفين تعلّق أحدهما بفعل أمر والآخر بترك أمر آخر واشتبه الامران في الخارج، فيدور الأمر في كل منهما بين الوجوب والحرمة، فقد يقال بالتخيير بين الفعل والترك في كل منهما بدعوى أنّ كلّا ًمنهما من موارد دوران الامربين المحذورين، مع استحالة الموافقة القطعية والمخالفة القطعية في كل منهما فيحكم بالتخيير»
 والمراد بالتخيير هنا هو إيجاد الفعلين معا أو تركهما معا، أو إيجاد احدهما وترك الآخر، ولكن السيد الخوئي () يناقش هذا التخيير بهذه السعة ويثبت التخيير بإيجاد احدهما وترك الآخر فقط فيقول «وحيث إن الجمع بين الفعلين والتركين معا مستحيل (أي يفعل الأمرين ويتركهما معا) يسقط العلمان عن التنجيز بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية، ولكن يمكن مخالفتهما القطعية بإيجاد الفعلين أو بتركهما، فلا مانع من تنجيز كلّ منهما بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية، فانها المقدار الممكن على ما تقدم بيانه وعليه فاللازم هو اختيار أحد الفعلين وترك الآخر تحصيلاً للموافقة الاحتمالية وحذراً من المخالفة القطعية»( [4] ).
 4 ـ وقال السيد الخوئي: «إذا علم بتعلّق الحلف بإيجاد فعل في زمان وبتركه في زمان ثانٍ، واشتبه الزمانان، ففي كل زمان يدور الأمر بين الوجوب والحرمة، فقد يقال فيه أيضاً بالتخيير بين الفعل والترك في كلٍّ من الزمانين» ومراده من التخيير هنا هو اختيار المكلَّف الفعل في كلٍّ من الزمانين واختيار المكلّف الترك في كل من الزمانين واختيار الفعل في احدهما والترك في الآخر.
 ولكن السيد الخوئي () يناقش هذا التخيير بهذه السعة ويثبت التخيير باختيار الفعل في احد الزمانين واختيار الترك في الزمان الآخر بناء على تنجيز العلم الإجمالي في الأمور التدريجية كغيرها، لأن اختيار الفعل في أحد الزمانين واختيار الترك في الزمان الآخر فيه فرار من المخالفة القطعية والعلم الإجمالي منجّز بالنسبة لحرمة المخالفة القطعية، وان كانت الموافقة القطعية غير ممكنة( [5] ).
 5 ـ قال المحقق العراقي في نهاية الأفكار: إذا كانت «الواقعة المبتلى بها واحدة كما في المرأة المردّد وطؤها في ساعة معينة بين الوجوب والحرمة لأجل الحلف المردّد تعلّقه بالفعل أو الترك ... فلا شبهة في حكم العقل بالتخيير بينهما بمعنى عدم الحرج في الفعل والترك نظرا إلى اضطرار المكلّف وعدم قدرته على مراعاة العلم الإجمالي بالاحتياط وعدم خلوّه في الواقعة تكويناً من الفعل والترك »( [6] ).
 6ـ قال الشيخ الأنصاري في فرائد الأُصول: «إذا اختلفت الأمّة على قولين بحيث عُلم عدم الثالث فلا ينبغي الاشكال في اجراء أصالة عدم كلّ من الوجوب والحرمة، بمعنى نفي الآثار المتعلقة بكلّ واحد منهما بالخصوص إذا لم يلزم مخالفة علم تفصيلي... »( [7] ). فأنّ التخيير بين الحكمين ظاهراً وأخذَ أحدهما هو المقدار الممكن من الأخذ بقول الشارع في المقام»( [8] ).
 أقول: هذا التخيير الذي ذكره الشيخ الأنصاري هو عبارة عن حكم ظاهري وهو البراءة الشرعية أو العقلية، ولكن نحن نقول بالتخيير أيضاً إلّا أنّه بملاك الاضطرار لا بملاك رفع ما لا يعلمون أو قبح العقاب بلا بيان، لأنّ العلم بالالزام موجود والبيان بالالزام موجود، فلا تجري البراءة الشرعية ولا العقلية.
 7 ـ وقال الشيخ الأنصاري أيضاً: «لو دار الأمر بين الوجوب والحرمة من جهة اشتباه الموضوع... والأولى فرض المثال فيما إذا وجب إكرام العدول وحرم إكرام الفسّاق واشتبه حال زيد من حيث الفسق والعدالة( [9] )، فمن قال بالتخيير قال به هنا أيضاً.
 8 ـ ذكر الشيخ الأنصاري «دوران الأمر بين المحذورين في العبادات الضمنية كما إذا دار الأمر بين شرطية شيء لواجب وما نعيّته عنه، فاختار التخيير هنا... فيتخير المكلف بين الإتيان بما يحتمل كونه شرطا وكونه مانعا وبين تركه»( [10] ). كما إذا تردد شيء بين كونه شرط للصلاة أو مانعا لها مثل ما لو تردد المكلف بين وجوب القصر عليه فالسلام على الركعين شرط لها والقيام للركعتين الأخريين أيضاً مانع لها وبين وجوب ألا تمام عليه فالسلام مانع وكذا القيام للركعتين الأخريين أيضاً شرط فنفى البعد عن الحكم بالتخيير( [11] ).
 ولكن السيد الخوئي أشكل على هذا المثال فقال ما حاصله: لا يتم مثال القصر والتمام لما نحن فيه إذ الأمر بالصلاة إنّما توجه نحو الطبيعة المشكوك تقييدها بالسلام على الركعتين أو بالسلام على أربع فالموافقة القطعية حينئذٍ فيها ممكنة بإتيان فردين من الطبيعة، بأحدهما يسلم على الركعتين وبالثاني يسلّم على الأربع، فالعلم الإجمالي حينئذٍ منجّز لا مكان الموافقة القطعية بفردين فلا ننتهي إلى التخيير، إذ هو فرع عدم إمكان الموافقة القطعية( [12] ).
 وربما يتوهم انه من جهة حرمة القطع للعمل وليس كذلك:
 اما أولاً: فلانّ حرمة قطع العمل ليس لها دليل الا الإجماع، والقدر المتيقن منه حرمة قطع العمل الذي لو أتى به لكان مجزيّا، وليس المقام منه لما ذكرنا من وجوب الموافقة القطعية.
 واما ثانياً: فلان احتمال القطع موجود لو سلّم ولو ترك التسليم، فحرمة القطع على تقدير شمولها للمقام احتمالها موجود على كلا التقديرين.
 ولو فرض ضيق الوقت الا عن صلاة واحدة، فهنا يتخيّر في تطبيق ما يأتي به في الوقت على احد الفردين ويأتي بالفرد الآخر بعد خروج الوقت قضاء (وان كان التأمل يقتضي عدم وجوب القضاء لعدم كونه طرفاً للعلم الإجمالي، لأن إطرافه الصلاة قصرا أو تماماً في الوقت ومع الإتيان بأحدهما لا يحرز موضوع القضاء وهو الفوت، إذ من الممكن أن يكون الواجب هو خصوص ما أتى به» ( [13] ).
 9ـ ذكر الشيخ الأنصاري () مثالا لما نحن فيه وهو «فيما لو تردد الجهر في القراءة بين كونه شرطاً أو مانعا»( [14] ).
 وقد ردّه السيد الخوئي: بإمكان الاحتياط بان يجهر بإحدى القراءتين ويخفت بالثانية وينوى الجزئية بما هو الجزء واقعا( [15] ).
  10ـ ذكر الشيخ الأنصاري مثالاً لما نحن فيه وهو «ما لو كان مشغولا بالنهوض للقيام وشك في انه سجد سجدتين أم قد ترك إحداهما فحينئذٍ حيث أنه يمكن ان يكون شكه بعد تجاوز المحل فيكون عوده لها مبطلا، ويمكن ان لا يكون هذا النهوض محققاً للتجاوز فيكون الرجوع واجباً » وقد اشكل عليه السيد الخوئي فقال: انه يمكنه ان يرفع يده عن هذه الصلاة ويعيد صلاة أُخرى سالمة عن ذلك، واحتمال حرمة القطع قد تقدم الكلام فيه( [16] ).


[1] ـ كما إذا كانت المرأة في أيام الاستظهار، أي ان المرأة ذات العادة العددية ان استمر دمها زائداً على عادتها وكانت أقل من عشرة أيام واحتملت التجاوز عن العشرة يجب عليها أو يستحب لها - على الخلاف - الاستظهار بترك قطنة وتركها هنيئة، فإن خرجت ملوّثة فهي حائض، وإن خرجت نقية فهي طاهر، وهذا حكم عقلي أرشدت إليه الروايات لمعرفة حالها، وكذا ذكروا في النفساء. ففي أيام الاستظهار وهو ما بعد عادتها إلى العشرة لا تعلم أنها حائض أو مستحاضة فان كانت حائضا فالصلاة حرام بناء على الحرمة الذاتية ولا فالصلاة واجبة، وقد أمرت الروايات تبعاً لحكم العقل بالاستبراء، ومعنى ذلك عدم جريان الاستصحاب بالملازمة.
[2] ـ مصباح الأُصول 2: 334 ـ 336.
[3] أقول: أمّا إذا كانت حرمة الصلاة على الحائض تشريعية فلا يكون المورد من دوران الأمر بين المحذورين لأنّها تتمكّن أن تأتي بالصلاة برجاء أن تكون مأمورة بها، وهذا لا حرمة فيه لأنّها لم تنسب الصلاة إلى الشارع حتى تحصل حرمة تشريعية، بل يكون أمرها دائراً بين الوجوب إذا كانت طاهراً وعدم الحرمة في صلاتها إذا جاءت بها برجاء المطلوبية حيث لا حرمة تشريعية هنا، فلاحظ.
[4] ـ مصباح الأُصول: ج 2 : 339.
[5] ـ مصباح الأُصول: ج 2: 339 ـ 340.
[6] ـ نهاية الأفكار 3: 292.
[7] ـ فرائد الأُصول: 2: 178.
[8] ـ المصدر نفسه 2: 183 وراجع عدة الأُصول للشيخ الطوسي: 251.
[9] ـ فرائد الأُصول 2: 193.
[10] ـ مصباح الأُصول 2: 336.
[11] ـ انظر غاية المأمول ج 2: 321 عن فرائد الأُصول 2: 178 ـ 190.
[12] ـ غاية المأمول في علم الأُصول ج 2: 322.
[13] ـ غاية المأمول في علم الأُصول ج 2: 322.
[14] ـ فرائد الأُصول 2: 400.
[15] ـ غاية المأمول 2: 322.
[16] ـ غاية المأمول 2: 323.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo