< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة التخيير
 المقام الثالث: إذا دار الأمر بين المحذورين مع تعدد الواقعة عرضا( [1]
  [2] ) كما إذا علم بصدور حلفين تعلّق احدهما بفعل أمر والآخر بترك أمر آخر واشتبه الأمر في الخارج، أو تعددت الواقعة طولاً كما إذا علم أنه حلف بإيجاد فعل في زمان وبتركه في زمان آخر واشتبه الزمانان( [3] )، فهنا في كلا الفرضين يدور الأمر بين الوجوب والحرمة، فهل يجري التخيير بين الفعل والترك في كلٍّ من الفعلين أو الزمانين؟
 اما في صورة تعدد الواقعة عرضاً: فقد يقال بالتخيير بين الفعل والترك في كلّ منهما لأنهما من موارد دوران الأمر بين المحذورين ففي كل منهما يستحيل الموافقة القطعية والمخالفة القطعية، فيحكم بالتخيير فيجوز الإتيان بكلا الأمرين كما يجوز تركهما ( [4] )معاً.
 أقول: ويجوز فعل أحدهما وترك الآخر.
 نعم بعد الفعلين أو بعد التركين يُعلم إجمالاً أنه قد فعل محرّماً، ولكن العلم الإجمالي بعد العمل لا أثر له( [5] ).
 ولكن هذا الكلام باطل: لأنّ العلم الإجمالي بالإلزام المردد بين الوجوب والحرمة في كل من الأمرين وان لم يمكن الموافقة القطعية والمخالفة القطعية في كل منهما، ولكن الذي يميّز البحث هنا زيادة على ما لو لم تتكرّر الواقعة ولا تقبل الا التنجيز هو أنّه يوجد علمان آخران وهما:
 1ـ إننا نعلم بوجوب أحد الفعلين، وهو يقتضي الإتيان بهما معا لتحصيل الموافقة القطعية.
 2 ـ نحن نعلم: بحرمة احد الفعلين، وهو يقتضي تركهما معا لتحصيل الموافقة القطعية( [6] ).
 وبما ان الجمع بين الفعلين والجمع بين التركين معا مستحيل اذن هذا العلم الإجمالي يسقط عن التنجيز بالنسبة لوجوب الموافقة القطعية الا اننا نتمكن من المخالفة القطعية بان نوجد الفعلين أو نتركهما وهنا يتنجّز التكليف بالنسبة لحرمة المخالفة القطعية، اذن اللازم هو اختيار احد الفعلين وترك الآخر حذرا من المخالفة القطعية وتحصيلاً للاحتمالية بالنسبة للعلم المتولد من العلم الأول.
 وكذا نقول بالنسبة لصورة تعدد الواقعة طولاً فقد يقال «كما ذهب إلى ذلك الميرزا النائيني» بالتخيير بين الفعل والترك في كل من الزمانين لأن الأمر يدور بين الوجوب والحرمة ففي كل واقعة مستقلة دار الأمر فيها بين الوجوب والحرمة ولا يمكن فيها الموافقة القطعية ولا المخالفة القطعية، فالمكلّف مختار في الفعل في كل من الزمانين واختيار الترك في كل من الزمانين واختيار الفعل في احد الزمانين والترك في الآخر.
 نعم لو اختار قراءة الشعر في الليلة الأولى وقراءة الشعر في الليلة الثانية فبعد القراءة للشعر في الليلة الثانية يعلم علما إجماليا انه قد فعل محرماً الا ان العلم الإجمالي المتأخر لا أثر له حينئذٍ، وكذا الكلام في ترك قراءة الشعر في الليلتين.
 ولكن يمكن ان يقال (بناء على تنجيز العم الإجمالي في الأُمور التدريجية كغيرها) فحينئذٍ يقال.
 يتولد لنا علمان إجماليان:
 1 ـ عندنا علم بوجوب احد الفعلين في زمان، يقتضي الإتيان بالفعلين لتحصيل الموافقة القطعية.
 2 ـ عندنا علم بحرمة احد الفعلين في زمان آخر يقتضي ترك الفعلين لتحصيل الموافقة القطعية.
 لكن الجمع بين الفعلين والجمع بين التركين معا مستحيل اذن يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز بالنسبة لوجوب الموافقة القطعية، ولكننا نتمكن من المخالفة القطعية بأن نوجد الفعلين أو نتركهما، وهنا يتنجز التكليف بالنسبة لحرمة المخالفة القطعية، اذن اللازم اختيار احد الفعلين وترك الآخر حذرا من المخالفة القطعية وتحصيلاً للاحتمالية بالنسبة للعلم المتولد من العلم الأول( [7] ).
 اذن لا تخيير بين فعل الأمرين أو تركهما.
 دوران الأمر بين المحذورين في الافراد الطولية أو العرضية:
 لو كان لمورد دوران الامر بين المحذورين افراد طولية أو عرضيّة، كالمرأة المردد الجلوس معها للعشاء( [8] ). في كل ليلة جمعة بين الوجوب والحرمة إذا كان الحلف المردّد تعلّقه بالفعل أو الترك كذلك، فهنا تقدّم أنّ الحكم هو التخيير، ولكن بما أنّ الواقعة متعددة، فهل يكون التخيير استمراريا أو بدوياً؟ بمعنى ملاحظة ذلك الفعل في كل ليلة من ليالي الجمعة واقعة مستقلّة فيحكم بالتخيير فيه فيجوز للمكلف الإتيان به في ليلة جمعة وتركه في ليلة جمعة أخرى، أو يلاحظ المجموع واقعة واحدة فيتخير بين الفعل في الجميع والترك في الجميع ولا يجوز له التفكيك بين الليالي بإيجاد الفعل مرّة وتركه أُخرى؟ وجهان:
 ذهب بعضهم( [9] ) إلى الأول (التخيير الاستمراري) باعتبار أنّ كلّ فرد من أفراد ذلك الفعل له حكم مستقلّ وقد دار الأمر فيه بين المحذورين، فيحكم العقل بالتخيير، لعدم امكان الموافقة القطعية ولا المخالفة لقطعية، ولا يترتب على ذلك سوى أنّ المكلف إذا اختار الفعل في فرد والترك في فرد آخر يعلم اجمالاً بمخالفته التكليف الواقعي في أحدهما، ولا بأس به، لعدم كون التكليف الواقعي منجّزا على الفرض.
 وذهب بعض آخر إلى أن التخيير بدوي، لأن العلم بالإلزام المردّد بين الوجوب والحرمة، وان لم يوجب التنجيز للتكليف المعلوم بالأجمال، الا أنّه مع فرض تعدّد الافراد، يتولد من العلم الإجمالي المذكور علم إجمالي آخر على نحو المنفصلة المانعة الخلوّ (متعلق بكل فردين من الافراد) وهو العلم بوجوب أحدهما وحرمة الآخر، إذ المفروض اشتراكهما في الحكم وجوبا وحرمةً، فان كان أحدهما المعيّن واجبا والافا لآخر حرام يقينا، وهذا العلم الإجمالي وإن لم يمكن موافقته القطعية لاحتمال الوجوب والحرمة في كل منهما الا أنه يمكن مخالفته القطعية بإتيانهما معا. فالعلم الإجمالي ينجّز معلومه بالمقدار الممكن، فتنجيزه من حيث الموافقة القطعية وإن كان ساقطا إلا أنه ثابت من حيث المخالفة القطعيّة، فلا مناص من كون التخيير بدويّا حذرا من المخالفة القطعية( [10] ). وهذا هو الصحيح.
 ثم إن مسألة أصالة التخيير تنقسم إلى أربع مسائل، حيث إن الشكّ: اما ان يكون من جهة عدم الدليل على تعيين أحد المحذورين، أو إجماله، أو تعارضه، أو اشتباه الأُمور الخارجية( [11] ).


[1] ـ كما إذا علم أنّه حلف حلفين، تعلّق أحدهما بفعل والآخر بترك أمر آخر واختلف الأمران المحلوف على فعل أحدهما وترك الآخر، فهل أنّه حلف على قراءة الشعر وترك قراءة القصّة، أو حلف على قراءة القصّة وترك قراءة الشعر؟
[2] وقد يمثّل له بحلفه على فعل من فعلين «المطالعة أو قراءة الشعر»، وحلفه على ترك أحد هذين.
[3] ـ كما إذا علم أنّه حلف على فعل في زمان معيّن وحلف على تركه في زمان واشتبه الزمانان فهل الحلف على فعل قراءة الشعر كان ليلة الخميس والحلف على ترك قراءة القصّة ليلة الجمعة أو العكس؟
[4] ـ غاية المأمول في علم الأُصول ج 2: 323.
[5] ـ راجع غاية المأمول في علم الأُصول ج 2: 323، وهذا الكلام قد أبطله السيد الخوئي بعد ذكره.
[6] ـ هذان العلمان وإن كان مصدرهما العلم الأوّل، إلّا أنّه تكليف قد برز لنا بكيفيّة أخرى، وإذا كان العلم الأوّل غير منجّز فهو بالكيفيّة الثانية يكون منجّزاً وإن لم يكن تكليفاً جديداً.
[7] ـ مصباح الأُصول 2: 339 ـ 340. وراجع غاية المأمول / ج 2 ـ 324.
[8] ـ كصوم كلّ يوم جمعة المردد بين الفعل والترك فهو مردد بين الوجوب والحرمة.
[9] ـ وهو الميرزا النائيني راجع فوائد الأصول3: 453.
[10] ـ مصباح الأُصول 2: 343.
[11] ـ نهاية الأفكار 3: 292.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo