< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة الشرعية
 الثاني: «إن أدلة البراءة (الشرعية) معارَضة بأدلة شرعية وروايات تدلّ على وجوب الاحتياط وهذه الروايات اما رافعة لموضوع أدلة البراءة وإما مكافئة لها، ومع التعارض لا يمكن الاعتماد على أدلة البراءة»( [1] ).
 هذا ولكن نوقشت أدلة الاحتياط بمناقشات استفيد منها عدم وجوب الاحتياط بتعيين الوظيفة العملية في مورد الشك في التكليف. نعم جملة منها يدلّ على الترغيب في الاحتياط والحث عليه. وهذا لا يعين وجوب الاحتياط بحيث يرفع موضوع أدلة البراءة» لأنّ أدلة وجوب الاحتياط عند الشك وفي التكليف اما ان تكون عقلية أو شرعية.
 اما العقلية فهي ما ذكر من وجود علم اجمالي بالتكاليف في مجموع الشبهات فيكون العلم منجِّزاً.
 ولكن يرد عليه: اما هذا العلم الإجمالي منحل بوجود علم اجمالي صغير في خصوص الامارات المعتبرة وهذا العلم الإجمالي لا يقل عدداً عن المعلوم الإجمالي في مجموع الشبهات والفقيه من خلال استنباطه وتتبعه في الأمارات المعتبرة يتواجد لديه علم تفصيلي بعدد من الأحكام لا يقلّ عن العدد الذي كان يعلمه بالعلم الإجمالي في البداية أو بعد حصول العلم الإجمالي الصغير، (وهذا انحلال حقيقي للعلم الأجمالي الأول) فيبقى الشك في تكليف ما غير مقرون بعلم أجمالي فتجري فيه أصالة البراءة الشرعية.
 أما الشرعية: فاستدلوا بالكتاب بقوله تعالى: (1) وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ والاقتحام في الشبهة البدوية هلكة لأنه في معرض الوقوع في ارتكاب ما هو محذور شرعاً وأيّ هلكة أشد منه، فتثبت الحرمة ما لم تدلّ حجّة على عدم كونه مخالفاً لله تعالى.
 ويرد عليه: ان النهي إرشادي لمن أمر بالانفاق في سبيل الله حيث تقول لا ينبغي الأنفاق بدرجة توصلك إلى الإفلاس والتعرض للهلاك فهي مثل قوله تعالى: وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا( [2] )، ولا أقل من هذا الاحتمال فيسقط الاستدلال.
 ولو قلنا بأنّ قرينة السياق لا تمنع من التمسّك بالإطلاق في قوله تعالى وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فإنّها شاملة للاقتحام في الشبهة البدوية فإنّها في معرض الوقوع في الهلكة، فالجواب: إنّ الشبهة البدوية لا يكون الاقتحام فيها هلكة، لأنّ الهلكة إنّما تصدق بعد تنجّز التكليف والعقوبة، وهنا التكليف غير منجّز «أي مشكوك» فلا يصدق الاقتحام فيه أنّه هلكة، فلاحظ.
 2 ـ واستدلوا بآية: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ( [3] )، بناء على ان المراد هو المجاهدة في طاعة الله فيجب بذل غاية المجاهدة، والجهد للوصول إلى طاعة الله فيشمل الاحتياط في الشبهات كلها حتى البدوية.
 ويرد عليه: ان الجهاد المأمور به في الآية قد حذف متعلقة، والمتعلق وهو مصبّ المجاهدة لا يمكن أن يكون هو الله تعالى مباشرة بل لابدّ ان يكون شيئاً من شؤون الله تعالى، فلابدّ أن يكون النظر إلى شيء هو متعلق الجهد، وهنا كما يمكن ان يكون هذا الشيء هو طاعة الله يمكن ان يكون هو نصرة الله كما يمكن ان يكون هو معرفة الله حق معرفته، وهذه الاحتمالات الثلاث لا معين لأحدها ان لم ندع ظهور الآية في المعنى الثالث لأنها واردة في سياق الردّ على العقائد الباطلة، فهي مثل وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ( [4] )، فالجهاد في معرفة الله كأنه جهاد في الله تعالى لعدم التعدد بين الشيء ومعرفته.
 أقول: نعم إنّ آيةوَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا سياقها في الردّ على العقائد الباطلة، حيث ما قبلها أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ *وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ، ولكن أية وجاهدوا في الله حق جهاده التي هي آية«78» من سورة الحج وآية «77» كلاهما في الطاعة إلى المعرفة إذ ذكرت الآيتان الركوع والسجود وفعل الخير وإقامة الصلاة والتمسّك بالله، فسياقها هو الطاعة والعبادة وليس المعرفة، فلاحظ.
 وعلى هذا ستكون هذه الآية دالّة على المجاهدة في طاعة الله فيجب بذل غاية الجهد للوصول إلى طاعة الله فيشمل طاعة الله في الأحكام المعلومة بالتفصيل والمعلومة بالإجمال حتّى الاحتياط في الشبهات البدوية، فيتمّ الاستدلال بها على الاحتياط فيما نحن فيه.
 ولكن نقول: إنّ هذه الآية عامّة تقول بوجوب المجاهدة في طاعة الله في التكاليف المعلومة تفصيلاً والتكاليف المعلومة بالإجمال وفي الشبهات البدوية وفي المستحبات، إلّا أنّ أدلة البراءة أخصّ منها إذ تقول بالبراءة في الشبهات البدوية فنخصّصها بالمجاهدة بغير الشبهات البدوية.
 كما أنّ أدلة المستحبات التي تقول بجواز ترك الفعل المستحب يخصّص وجوب المجاهدة في الطاعة بغير المستحبّ، لأنّ وجوب المجاهدة في المستحبات خلف كونها مستحبة يجوز تركها.


[1] ـ المصدر نفسه 1: 384.
[2] ـ سورة الإسراء : 29.
[3] ـ سورة الحج : 78.
[4] ـ سورة العنكبوت : 69.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo