< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة العقلية البراءة الشرعية
 6) في الشبهات الموضوعية تجري أصالة الحرمة في الدماء والفروج والأموال: قال الكاظمي في تقريره: «فأنّ الحكم بجواز الوطء ـ مثلا ـ قد عُلق على الزوجة وملك اليمين والحكم بجواز التصرف في الأموال على كون المال مما قد أحله الله كما في الخبر( [1] ): لا يحلّ مال الاّ من حيث أحلّه الله، فلا يجوز الوطء أو التصرف في المال مع الشك في كونها زوجة أو ملك يمين، أو الشك في كون المال مما قد أحلّه الله.
 والظاهر ان وجوب الاحتياط في هذه الموارد للارتكازات المتشرعيّة الكاشفة عن اهتمام الشارع به بنحو لا يرضى بالاقدام من دون إحراز السبب المحِلل، فيكون هذا مخصصاً لعموم أدلة أصل البراءة»( [2] )
 نصّ القاعدة: البراءة الشرعية
 الألفاظ الأُخرى للقاعدة:
 البراءة
 أصالة البراءة
 توضيح القاعدة:
 تقدم أنّ المكلّف إذا شك في تكليف شرعي ولم يتيسر له إثباته أو نفيه فلابدّ له من تحديد موقفه العملي تجاه هذا الحكم المشكوك، وقد رأينا أن المشهور ذهب إلى أنّ تحديد الموقف يكون بقاعدة قبح العقاب بلا بيان الذي هو عبارة عن البراءة العقلية.
 ولكن نريد هنا أن نبينّ مفاد قاعدة البراءة الشرعية التي مفادها هو «الاذن من الشارع في ترك التحفظ والاحتياط إتجاه التكليف المشكوك»( [3] ).فيتوافق الحكم الشرعي مع الحكم العقلي المتقدم على مبنى المشهور
 وعلى رأي غير المشهور: القائل بحق الطاعة والاشتغال تكون هذه القاعدة لو - ثبتت - متقدمة على الاشتغال العقلي وهي المتبعة عند الشك في التكليف الشرعي. ولا ضير في مخالفة هذا الحكم العقلي بالاشتغال عند الشك في التكليف الواقعي لكونه من قبيل ما لو شك شخص في براءة ذمته من الدين السابق عليه لاخر، فالقاعدة هنا تقتضي الاشتغال بوجوب دفع ما تبرأ به ذمة المدين، ولكن الدائن لو قال للمدين: إذا شككت في براءة ذمتك من الدين الذي عليك فانت في حلّ من الدين فهو أمر معقول ولا مخالفة فيه لحكم العقل لأنه عبارة عن ابراء من له الحق على من عليه الحق لو كان، فهنا أيضاً كذلك إذ يكون مَنْ له الحق هو الله، فهو يُبرأ من عليه الحق عند الشك فيه. وبعبارة أُخرى: إن البراءة الشرعية عبارة عن: «نفي الحكم الفعلي ظاهراً ونفي المؤاخذة على مخالفة مالا طريق للمكلف إلى العلم به»( [4] ).
 وقد يقال: إن مَنْ آمن بحق الطاعة إتجاه التكاليف المشكوكة يلزمه الأخذ بالبراءة الشرعية لو ثبتت لأن حق الطاعة مقيّد بعدم ثبوت الترخيص في ترك التحفظ، فحينئذٍ تكون البراءة الشرعية رافعه لقيد قاعدة حق الطاعة ونافية لموضوعها ومبدّله للضيق بالسعة( [5] ).
 ثم إنّ مجرى البراءة الشرعية هو مجرى البراءة العقلية وهو الشك في التكليف كما تقدم، فلا نعيد، كما أن الرجوع إلى هذه القاعدة لا يصحّ الا بعد الفحص واليأس من الظفر بالامارة على الحكم الشرعي في مورد الشبهة
 ملاحظة: ذهب معظم الإخباريين إلى وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية. وعن المحدث الاسترابادي وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبية الحكمية أيضاً وقد وافقه المحدث البحراني (مع اجمال النص) في ما حكي عنه.
 مستند القاعدة: واستدل عليها بالكتاب الكريم وبالسنّة النبوية، وبالاستصحاب.
 اما الكتاب: فيستدل لإثبات البراءة الشرعية بعدد من الآيات الكريمة هي:
 1 ـ قوله سبحانه وتعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا( [6] ) وتقريب الاستدلال بالآية الكريمة: أن اسم الموصول فيها إما أن يراد به المال أو الفعل أو التكليف أو الجامع، والأول هو المتيقن، لأنه المناسب لمورد الآية، حيث أمرت بالنفقة( [7] )، وعقّبت ذلك بالكبرى المذكورة، ولكن لا موجب للاقتصار على المتيقن، بل نتمسك بالا طلاق لإثبات الاحتمال الأخير لأن التكليف المنفى هنا ليس بمعنى الحكم «حيث اشتهر في الأصول أن التكليف هو الحكم» بل الكلفة في الآية مباينة مع الحكم، فيكون معنى الآية الكريمة: أن الله لا يكلِّفُ مالاً الا بقدر ما رزق وأعطى، ولا يكلَّف بفعل الا في حدود ما أقدر عليه من الأفعال، ولا يكلَّف بتكليف الا إذا كان قد آتاه وأوصله إلى المكلَّف، فالإيتاء بالنسبة إلى كل من (المال) و (الفعل) و (التكليف) بالنحو المناسب له. فينتج أنّ الله تعالى لا يجعل المكلَّف مسؤولاً إتجاه تكليف غير واصل، وهو المطلوب( [8] ).
 وبعبارة أُخرى: «لا يكلَّف الله نفسا الا بتكليف واصل إلى المكلّف، وفي حالة الشك لا يكون التكليف واصلاً فلا تكليف»( [9] ). فالاستدل بالآية تام على البراءة الشرعية والإشكالات التي أُشكلت على الآية مبنية على أن التكليف المذكور في الآية هو الحكم الشرعي فقالوا: ان المراد بالموصول ان كان هو الفعل أو المال كان الموصول مفعولاً به لفعل (يكلف) بينما لو أريد به التكليف كان مفعولاً مطلقا «لا يكلف الله نفسا الا تكليفا واصلا إليها» ونسبة المفعول به إلى الفعل مباينة مع نسبة المفعول المطلق إلى الفعل فلا يمكن الجمع في كلام واحد بينهما لأنه من استعمال اللفظ في معنيين وهو إن لم يكن غير معقول فلا اشكال أنه مما لا يمكن إثباته بالا طلاق في اسم الموصول، وبما أن أرادة المال متيقن منه على كل حال لكونه مورد الآية فيتعين ان تكون النسبة المذكورة هي نسبة المفعول به إلى فعله.
 أقول: تقدم منّا ان القدر المتيقن لا يمنع من الإطلاق والإطلاق هنا يقتضي استعمال (ما) في أكثر من معنى إذا قلنا ان المراد من التكليف المنفي في الآية هو الحكم الشرعي، وهو لا بأس به وان كان نادراً فتدلّ الآية على المطلوب، فضلاً عما إذا قلنا ان التكليف المنفي في الآية، هو المشقة فيكون معنى لا يحمّل الله نفسا الا ما آتاها، فلا يحملّنا انفاقا أو عملاً أو حكما الا بقدر ما رزق وأقدر عليه وأوصله لنا، فان نسبة الجميع إلى الفعل واحدة.


[1] ـ الخبر هو خبر محمد بن زيد الطبري: كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا () يسأله الاذن في الخمس فكتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، إن الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب وعلى الضيق الهمّ، لا يحلّ مال الا من وجه أحلّه الله، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا وعلى أموالنا، وما نبذ له ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنا» باب 3 من الأنفال / ح2.
[2] ـ راجع المحكم في أصول الفقه 4: 80 ـ 86.
[3] ـ دروس في علم الأصول 1: 373.
[4] ـ نهاية الأفكار 3: 199.
[5] ـ دروس في علم الأصول 1: 373.
[6] ـ سورة الطلاق: 7.
[7] ـ قالت الآية: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا.
[8] ـ راجع نهاية الأفكار 3: 201. ودروس في علم الأصول 1: 374.
[9] ـ فوائد الأصول 3: 331.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo