< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 (2) وما قاله تعالى في سورة «يس» (36) قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ باعتبار أن الآية تدلّ على مساواة النظير للنظير، بل هي استدلال بالقياس لإفحام من ينكر إحياء العظام وهي رميم ولولا أن القياس حجة لما صحّ الاستدل فيها.
 أما المصطلح الأول للقياس: فلا يقول به أحد فيما نعلم الآن [1]
  [2] .
 أمام المصطلح الثاني للقياس فقد يقال في دليله: إذا قويت وجوه الشبه بين الأصل والفرع وتعدّدت، يقوى في النفس احتمال جريان حكم الأصل إلى الفرع حتى يكون ظنّا قويّاً. ولكن مع هذا نحتاج إلى دليل شرعي يدلّ على حجيّة هذا الظنّ، فهل يوجد هذا الدليل الشرعي؟تمسك أهل السنّة بالأدلة الأربعة على حجيّة هذا الظن القياسي، ونحن هنا نشير إلى نماذج مما تمسكوا به لنرى هل يدلّ على حجيّة القياس؟فمن القرآن: (1) ما قاله تعالى في سورة الحشر (59) فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار بناء على تفسير الاعتبار بالعبور والمجاوزة، والقياس عبور ومجاوزة من الأصل إلى الفرع.
 مستند القاعدة:
 الموضوع: حجية القياس:
 ولو صحّ ان يراد من الآية القياس فهو نوع من قياس الأولوية المقطوعة، وأين هذا من قياس المساواة المطلوب إثبات حجيته وهو الذي يبتني على ظنّ المساواة في العلّة.
 ويرد عليه: ان الاعتبار هنا هو الاتّعاظ لغة، وهو الأنسب بالآية الواردة في الذين كفروا من أهل الكتاب وقال ابن حزم في كتابه إبطال القياس: «ومحال أن يقول لنا: فاعتبروا يا أولي الأبصار، ويريد القياس ثم لا يبيّن لنا في القرآن ولا في الحديث: أي شيء نقيس ولا متى نقيس ولا على أي نقيس؟»( [3] ).ويرد عليه: ان الآية لا تدل على مساواة النظير للنظير في أي جهة كانت وليست استدلالاً بالقياس وإنّما جاءت لرفع استغراب المنكرين للبعث، إذ يتخيلون العجز عن إحياء الرميم فأرادت الآية أن تثبت الملازمة بين القدرة على إنشاء العظام وإيجادها لأول مرّة بلا سابق وجود، وبين القدرة على إحيائها من جديد، بل القدرة على الثاني أولى، وإذا ثبتت، الملازمة، والمفروض ان الملزوم (وهو القدرة على إنشائها أول مرة) موجود مسّلم، فلابدّ ان يثبت اللازم (وهو القدرة على إحيائها وهي رميم) وأين هذا من القياس( [4] ).


[1] أقول: إنّنا نفينا القول بالقياس بالمعنى الأوّل عند طبع هذا الكتاب إلّا أنّ الأساس التي قامت عليه العلمانية والحداثة قد يكون هو هذا القياس، فقد جعلوا من أسبقية العقل من النصّ الديني أساساً للعلمانية والحداثة كما يذكر ذلك عادل ظاهر في كتابه «الأسس الفلسفية للعلمانية 25-74»إذ قال: «بما أنّ المعرفة العقلية الكاملة ممكنة فيمكن الاعتماد على العقل في حلّ مشكلات الحياة السياسية والحكومية غيرها».وجوابه: إنّنا نقرّ بأنّ العقل أسبق من النصّ الديني الذي جاء به الإسلام «القران والسنّة»، ولكن الكلام في حجّية كلّ أسبق من الآخر وأصحيّة كل أسبق من غيره.ولو قبلنا أنّ الأسبق حجّة وأصح فهنا نقول أنّ العقل وإن كان أسبق من النصّ الديني إلّا أنّ حالق العقل وهو صاحب النصّ الديني هو الأسبق من العقل فقوله الأصحّ والحجة.على أنّ إمكان المعرفة العقلية الكاملة هو مصادرة لأنّه هو محلّ البحث والدعوى فيحتاج إلى دليل عليه.نعم الإسلام يدعي أنّ المعرفة تتمّ مثلاً في الحجّتين «العقلية والدينية» فالعقل يكون دوره هو إدراك الحقائق الدينية فيقود الإنسان إلى الله تعالى وطاعته بقانون العليّة والمعلولية واستناداً إلى قانون حقّ اطاعة للخالق والمالك والمنعم، ثمّ يأتي دور الدين «أي الرسالة» فيرسم للإنسان كلّ معالم حياته الفردية والاجتماعية، ويرسم له الحلول لمشكلاته حتّى يصل نحو الكمال الذي أراده الله تعالى للإنسانية فقد قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» أي يعرفون (الذاريات:56).ملحوظة:نحن نؤمن بأنّ العقل العملي والنظري حجة ومصدر من مصادر التشريع الإسلامي وهذا تقدم منّا في قاعدة حجيّة العقل (وقد تقدم فيها فائدة العقل النظري والعملي في استنباط الحكم الشرعي)، إلّا أنّ من يقول بالرجوع إلى العقل من أنصار الحداثة والعلمانية لا يريدون الرجوع إلى حكم العقل العملي والنظري، بل يريدون من ذلك الحقائق العلمية «التي ليست من الاستحالة ولا من باب ما ينبغي فعله وما ينبغي تركه الذي هو العقل العملي، ولا من باب الدلالات الالتزامية العرفية التي تحكم على النصّ » بل يريدون الحقائق التي تتّصل بشكل مباشر بالأحكام الدينية فقد جعلوها هي المرجع في فهم الدين والنّص بشكل مطلق، فكلّ ما وافقت عليه هذه الحقائق قبلوه وما خافته رفضوه، وهذه هي عبارة عن الرجوع إلى تلك الفكرة البائدة لتحكيم العقل على النّص الديني بحجة معرفته لملاكات الأحكام، وهي التي قارعة الأئمّة في العصر السابق.وما نقله القرآن عن قصة إبليس حيث تلكّأ عن أمر الله تعالى هو من هذا القبيل قال تعالى: «إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ*فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ*فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ*إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ*قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ*قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ*قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ*وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ» ص اية71-78.فرأى إبليس أنّ عنصر النار الذي خُلق منه هو أفضل من عنصر التراب فلم يقبل حكم الله تعالى، لأنّه اعتقد أنّ عليّة التفضيل هي العنصر بوجودته ورداءته فقد ادعى أنّه عرف ملاك الأفضلية، وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه.فالعقل الذي يقصدونه والذي جعلوه مصدراً في حلّ مشكلات الحياة بدلاً عن الدين ليس هو حكم العقل العملي والنظري، بل هو ادعاؤهم بأنّهم يعرفون ملاكات الأحكام الشرعية بعقولهم «الحقائق العلمية» ولكن قد جاء الجواب عن الإمام الصادق (ع): «إنّ دين الله لا يصاب بالعقول»، ومعنى ذلك أنّ العقل البشري لا يمكنه معرفة علة الحكم الشرعي إذا لم ينصّ عليه الشارع ولم تكن مناسبات وارتكازات عرفية وعقلائية موجبة لمعرفة الملاك، أمّا إذا أشار الشارع إلى ملاك الحكم وعلته، وكانت هناك مناسبات وارتكازات عرفية وعقلائية لمعرفة علّة الحكم الشرعي فنلغي خصوصية المورد «الذي جاء به نصّ ديني» لدى العرف فيحصل في كثير من الموارد ظهور لفظي للنصّ في الاطلاق مثلاً فيعمّم الحكم نتيجة الظهور اللفظي الذي هو حجّة بالقطع لا بالعقل.
[2] إذن ما تدعيه الحداثة العلمانية والحداثة هو تكرّر لمسلك إخضاع حكم الشارع إلى العقل البشري «أي الحقائق العلمية» فما قبلته الحقائق العلمية يقبل وما خالفها يرفض وفو مسلك لتهديم الدين قد يرفع باسم الدين كما في مدّعي القراءة الجديدة للنصّ الديني وتفسيره بما يخالف قصد المتكلّم كما هوى بذلك أصحاب القراءات، وللمزيد راجع مبحثنا في القراءة الجديدة للقرآن والنصّ المجلّد الرابع من بحوث في الفقه المعاصر.
[3] ـ راجع أصول الفقه / للمظفر ج 3 / 191 ـ 192.
[4] ـ راجع أصول الفقه / للمظفر ج 3 / 191 ـ 192.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo