< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الإجماع ـ الاستثناءات ـ قاعدة حجية الشهرة الفتوائية:
 (3) إذا كان الإجماع من قبل غير المسلمين: (وان كانوا معاصرين للأئمة أو أصحاب الأئمة أو بُعيد زمن أصحاب الأئمة)، فان هذا الإجماع لا يكشف عن ارتكاز عام يُستكشف به دلالات السنّة فلا يكون حجة.
 ومثله إجماع الناس المسلمين (غير الفقهاء)، إذ قد يكون اتفاقهم بدافع العادة أو الانفعال النفسي أو الشبهة أو نحو ذلك، وكل هذه الدوافع من خصائص البشر التي لا يشاركهم الشارع فيها لتنزهه عنها، فإذا حكموا بشيء بأحد هذه الدوافع فهو لا يكشف عن ارتكاز عام تُستكشف به دلالات السنة فلا تكون حجة.
 (4) إذا كان الإجماع المدّعى يخالف السنّة ودلالاتها: فانه ليس بحجة كما في الإجماع المدّعى على بيعة أبي بكر خليفة للمسلمين، فانه إذا وقعت البيعة له ـ والمفروض أنه لا سند لها من طريق النصّ القرآني والسنة النبوية ـ فادعوا تصحيحها بالإجماع فقالوا: ان المسلمين من أهل المدينة أو أهل الحلّ والعقد منهم أجمعوا على بيعته، والأمامة من الفروع لا من الأصول.
 يناديهم يوم الغدير نبيّهـمبخمٍّ وأسمع بالرسول منادياًفقال فمن مولاكم ونبيّكم؟فقالوا ولم يبدو هناك التعامياالهك مولانا وانـت نبيّـناولم تلق منّا في الولاية عاصيافقال له: قم يا عليّ فاننيرضيتك من بعدي اماماً وهادياًفمن كنت مولاه فهذا وليّهفكونوا له اتباع صدق موالياًهناك دعا اللهم؟ والي وليهوكن للذي عادى عليّاً معادياًولكن يرد على هذا ان هذا الإجماع (لو حصل) فهو لا فقط لا يكشف عن ارتكاز موجود عند متشرعة المسلمين يكشف عن دلالات السنّة، بل هو مخالف للسنّة الصريحة في استخلاف النبي () عليّاً خليفة للمسلمين بأمر من الله تعالى،، حين نزلت آية يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ بلّغ الرسول خلافة عليّ () للأُمة في حجة الوداع في غدير خم، وأمر المسلمين بمبايعته في ذلك المكان وبايعه أبو بكر وعمر وقالا له: بخٍ بخٍ لك يا علي أصبحت مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنه ونظم في هذه الواقعة شاعر النبي () حسّان بن ثابت قصيدة منها: هذه الأبيات
 وقد ألقى حسان هذا الشعر في الحشد الحافل بمائة ألف أو يزيدون وبمسمع من نطق بالضاد (النبي الأعظم) وأقرّه النبي ( ) على فهمه وقال له لا تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك. وحينئذٍ كيف يكون الإجماع كاشفا عن ارتكاز المتشرعة الكاشف عن دلالات السنة؟!! فلاحظ.
 
 قاعدة: حجيّة الشهرة الفتوائية
 الألفاظ الأُخرى للقاعدة:
 حجيّة الشهرة
 الشهرة في الفتوى
 التوضيح: الشهرة في اللغة بمعنى الوضوح، فالمشهور هو الواضح المعروف في قبال الشاذ الذي يُنكر، ومنه قولهم: شهر سيفه، وسيف شاهر أو مشهور.
 وفي الاصطلاح تطلق الشهرة على معنيين( [1] ).
 الشهرة الروائية: وهي عبارة عن شيوع نقل الخبر من عدّة رواة على وجه لا يبلغ حدّ التواتر ويقابلها الشذوذ والندرة بمعنى قلة الناقل للرواية. وهذه الشهرة من المرجحات عند تعارض الخبرين علي مسلك المشهور.
 2 ـ الشهرة في الفتوى: وهي عبارة عن شيوع الفتوى عند الفقهاء بحكم شرعي، وذلك بان يكثر المفتون على وجه لا تبلغ الشهرة درجة الإجماع الموجب للقطع بقول المعصوم.
 وهذه الشهرة في الفتوى تنقسم إلى قسمين:
 القسم الأول: شهرة في الفتوى يُعلم فيها أن المستند هو خبر خاص موجود بين أيدي المفتين، وتسمى هذه الشهرة الشهرة العملية. وهذه الشهرة تجبر ضعف سند الرواية (كما سيأتي في باب التعادل والتراجيح) على ما هو المشهور وتوجب جبر الخبر غير الظاهر من جهة الدلالة. وفي قبالها إعراض المشهور الموجب لوهن الرواية وإن كانت صحيحة أو موثقة من ناحية السند كما عليه المشهور.
 القسم الثاني: شهرة في الفتوى لا يعلم فيها المستند أيّ شيء هو، فهي شهرة في الفتوى مجردة (سواء كان هناك خبر على طبق الشهرة ولكن لم يستند إليه المشهور، أو لم يعلم استناد المشهور إليه أم لم يكن خبر أصلاً أو كان خبر على خلاف الشهرة) وهذه الشهرة تسمى بالشهرة الفتوائية اصطلاحا، وهي محل الكلام هنا، وهي ان تمتّ حجيتها فهي دليل لبّي استقرائي أو إجماع ناقص.
 وقد اختلفت كلمات الأصوليين في حجية هذه الشهرة الفتوائية على ثلاثة أقوال:
 1 ـ حجية الشهرة في الفتوى مطلقا.
 2 ـ عدم حجيتها مطلقا.
 3 ـ التفصيل بين الشهرة عند المتقدمين والشهرة عند المتأخرين بحجيّة الأول إذا حصل وثوق بصدور الحكم عن الأئمّة (ع) دون الثاني.
 والصحيح هو القول الثالث.
 المستند: ان المسائل الفقهية على أقسام ثلاثة:
 القسم الأول: وهي المسائل الأصليّة المأثورة عن الأئمة () التي ذكرها الأصحاب في كتبهم المعدّة لذلك، وكان بناء الأصحاب على نقل هذه المسائل بألفاظها المأثورة أو القريبة منها، فإذا اشتهر حكم بين هؤلاء الأقدمين يكشف ذلك عن دليل معتبر يوجب الوثوق بصدور الحكم عن الأئمة () وهذا حجّة، عند البعض كالخميني والسيد البروجردي( [2] ).
  ولكن الوثوق بالحكم لا يحصل غالباً لمزاحمة الشهرة لفتاوى غير المشهور، ولهذا فان حساب الاحتمال الذي يوصل إلى الوثوق بالحكم لا ينتج غالباً.
 القسم الثاني: وهي المسائل الفرعية المستنبطة من المسائل الأصليّة، بأعمال الاجتهاد والنظر، والشهرة هنا هي الشهرة المتأخرة عن أصحاب الأئمة، وهذه الشهرة لا دليل على حجيتها، لعدم حصول وثوق بصدور الحكم من المعصوم () بسببها.
 القسم الثالث: وهي المسائل المتصديّة لبيان موضوعات الاحكام وحدودها وقيودها، وهذه الشهرة مبتنية على إعمال النظر والاجتهاد فهي ليست حجة.
 وقد استدل على حجية الشهرة مطلقاً بوجوه:
 منها: ما قيل من «ان الظّن الحاصل من الشهرة أقوى من الظّن الحاصل من خبر الواحد، فالذي يدلّ على حجية خبر الواحد يدلّ على حجية الشهرة بالأولوية»( [3] ).
 وهذا الوجه مبتنٍ على أن يكون ملاك حجيّة الخبر افادته للظن.
 وهذا المبنى غير تام إذ يحتمل ان يكون ملاك حجيّة الخبر كونه غالب المطابقة للواقع باعتبار كونه إخباراً عن حسّ، واحتمال الخطأ في الحس بعيد جداً بخلاف الإخبار عن حدس كما في الفتوى فان احتمال الخطأ في الحدسّ غير بعيد. كما يحتمل دخل خصوصية أُخرى في ملاك حجيّة الخبر، ومجرد هذا الاحتمال كافٍ في منع الأولوية المذكورة لأن الحكم بالأولوية يحتاج إلى القطع بالملاك وبكل ماله دخل في الملاك ومادمنا نحتمل خصوصية في ملاك حجيّة خبر الثقة غير موجودة في الشهرة فلا قطع بالملاك فلا تثبت الأولوية.


[1] ـ بعض قسمّ الشهرة إلى ثلاثة أقسام 1) الروائية، 2) العملية، 3) الفتوائية ونرى ان هذا التقسيم غير فني لأن الشهرة العملية هي شهرة في الفتوى أيضاً مستنده إلى رواية فالصحيح هو التقسيم الثنائي كما ذكرنا ثم تقسيم الشهرة في الفتوى إلى عمليه وغيرها.
[2] ـ راجع أنوار الهداية 1 : 264 ـ 265 وراجع نهاية الأصول: 543.
[3] ـ مصباح الأصول 2: 144.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo