< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: القاعدة: حجيّة الإجماع
 أقول: ذكر النائيني (قده): إنّ حجيّة الاجماع حاصلة من تراكم الظنون من الفتاوى إلى حدّ يوجب القطع بالحكم كما هو الوجه في حصول القطع من الخبر المتواتر [1] .
 وهذا الرأي هو الرأي الذي بينّه السيد الشهيد في نظرية حساب الاحتمالات وتراكهما بحيث يؤدّي الإجماع إلى كون خطأ الجميع هو احتمال لا يحتفظ به العقل البشري فلا يعتدّ به، فيكون ما قام عليه الإجماع أو الخبر المتواتر حجة، وهذا الكلام من النائيني الذي يسبق السيد الشهيد دليل قاطعاً على أن ّنظرية حساب الاحتمالات التي شرحها وفصّلها السيد الشهيد ليست من ابتكاراته، بل جذورها موجودة قبل لكنه هو الذي نقّحها فلاحظ.
 ثمّ إن ّالشيخ النائيني لم يرتض هذا الوجه إذ قال إنّه لا يندرج تحت ضابط كلّي إذ يختلف ذلك باختلاف مراتب الظنون وموارد الأشخاص، فقد يحصل من تراكم الظنون القطع وقد لا يحصل، فلا يصح أن يجعل مدركاً لحجية الإجماع.
 ولكن الصحيح هو حجية هذا الإجماع إذا كان محصّلاً من جميع الفقهاء القدامى الذين جاءوا بعد زمن الرواة الذين هم أصحاب الأئمّة، فإنّ تراكم هذه الظنون من فتواهم [2] إذا ضربناها ببعضها يكون احتمال خطأ الجميع غير معتدّ به عقلاً وعقلائياً وهو معنى حصول القطع بالحكم الشرعي الذي حكم عليه الإجماع المحصّل، أو حصول القطع على وجود دليل معتبر عندهم على الحكم لم يصل إلينا فإنّ عدالتهم تمنع من اقدامنا على الفتوى من غير مستند صحيح [3] .
 وما يقال: من أنّ الفرق بين تواتر الأحبار وحصول الإجماع المحصّل هو إخبار الأوّل عن حسّ والثاني عن حدس إذ نحتمل اشتباه المجمعين في الاستدلال، فإنّه وإن كان صحيحاً إلّا أنّ كثرة المفتين بالحكم واحتمال خطأ كلّ واحد في استدلاله بما هو دليل معتبر يكون بحساب الاحتمال ضعيفاً جدّاً بحيث يكون احتماله لا يحتفظ به العقل البشري فلاحظ.
 أو قل: إذا حصلنا على الإجماع المركّب فإنّا نحن بارتكاز على الحكم من المتشرعة وهو أمر حسّي كاشف عن الحكم الشرعي أو الدليل عليه.
 قد يقال: لماذا أنكرنا ان يكون تلازم بين المجمعين على حكم وبين صحة الحكم على نحو حكم العقل النظري وقلنا بأنّ المجمعين على الحكم يستكشف منهم الحكم الشرعي أو الدليل على الحكم الشرعي بطريق الاستقراء وحساب الاحتمال؟ ألى يمكن أن يكون الدليل على حجيّة الإجماع هو حكم العقل النظري الذي نشأ من الملازمة العقلية وكشف الحكم و الدليل عليه الذي نشأ من الاستقراء؟
 الجواب: إن ّكشف الحكم الشرعي أو الدليل على الحكم الشرعي يكون بالاستقراء وحساب الاحتمال ليس إلّا وذلك: لأنّه إذا كان قد نشأ من حكم العقل النظري فهو لا يختلف بين أن يكون الإجماع من علماء الطراز الأوّل المتضلعين أو يكون من الدرجة الثانية غير المتضلعين، فإنّ الملازمة العقلية لو كانت موجودة لكانت واحدة في الصورتين إلّا أنّنا نرى أنّ الإجماع إذا حصل من العلماء الذين هم من الطراز الأوّل ومن المتضلعين فسوف يكون اليقين بالحكم الشرعي أو اليقين بالدليل على الحكم الشرعي أسرع ممّا إذا كان الإجماع من الطراز الثاني الذين يكون اجتهادهم من الدرجة الثانية بحيث لم يكونوا متضلعين في الاجتهاد، وهذا معناه أنّ اليقين يتأثّر بالقيم الاحتمالية بمستوى المفتين وليس مرتبطاً بقاعدة عقلية قبلية موضوعها كمّ من المفتين، فلاحظ.
 ملاحظتان: 1 ـ قد نناقش بعض الاجماعات المدعاة، وذلك لعدم وجود النكتة المتقدمة في بعض الاجماعات كما إذا كان الإجماع من قبل علمائنا المتأخرين، فان هذا لا يكشف عن وجود ارتكاز عند أصحاب الأئمة يكشف عن تلقّي الحكم من فعل السنّة أو تقريرها أو قولها على إجمالها، فلا يكون هذا الإجماع حجّة.
 2 ـ الإجماع على فهم العلماء فهماً معيناً من رواية معيّنة، كأن يقال: إن استناد العلماء المجمعين على الحكم هو رواية أو روايات متعددةً، فنقول: إن احتمال خطأ واحد في الفهم يكون وارداً الا أن احتمال خطأ الجميع بحساب الاحتمالات منفي عند البعض، فيحصل اليقين بصلاحية المدرك (الرواية) وتماميته لهذا الفهم، وهذا الاطمئنان حجة لصاحبه وإن لم يكن حجة لغيره، وهذا ما يسمى بالإجماع المدركي.
 ولكن هذا الإجماع ليس بحجة وذلك: أ ـ لأن فهم العلماء المجمعين هو شهادة اجتهادية وحدسية على ذلك المعنى، واحتمال الخطأ في الحدس وارد بصورة كبيرة، فلا يحصل من إجماعهم على فهم المعنى اجتهاداً ثقة بصحة ما فهموه بحيث يكون حجة علينا، فكثير من القضايا الحدسية التي اتفقت كلمة الجمهور عليها تبيّن بطلانها وخطؤها بعد ذلك.
 ب ـ نحتمل هنا أن يكون الفاهم للمعنى من الرواية قد تأثر بفهم من سبقه، ولهذا لا يحصل وثوق من فهم المجمعين للمعنى بحيث يكون حجة علينا، بل يمكن أن يرجع فهم جماعة كبيرة إلى فهم شخص واحد قد تأثروا به جميعاً.
 وهذا وإن كانت عدالة الفقهاء تمنعهم من الفتوى من غير دليل صحيح وتبعاً لغيرهم، إلّا أنّه موجود في المتفقهة الذين هم من المجتهدين المقلدين الذي لا يطلق عليهم الاجتهاد حقيقة، ولكن كلامنا هو في الفقيه بالمعنى الحقيقي؟
 ج ـ قد تكون نكتة مشتركة لخطأهم في فهم معنى الرواية كما قد يحصل الفهم بمعونة الاستناد إلى قاعدة، أن الآمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، فتراهم يفهمون من الأمر بإزالة النجاسة عن المسجد بطلان الصلاة المزاحمة للإزالة، ولم يلتفتوا إلى فكرة الترتّب، ولهذا لم يكن وثوق بحجية فهم المجمعين للمعنى من الرواية بحيث يكون إجماعهم على المعنى حجّة علينا.
 ومن هذه النقاط نفهم عدم حجية إجماع العلماء على تنجيس ماء البئر بمجرد إصابته للنجاسة حيث اعتمدوا على هذه الفتوى إلى فهمهم ذلك من روايات النزح، مع أنها لا تدلّ على النجاسة إذا نظرنا إلى الروايات القائلة إن ماله مادة لا يتأثر بالنجاسة. وكذلك لا يتم الإجماع (لو وجد) على بطلان الصلاة في المسجد المتنجس بدون إزالة النجاسة عنه، إذا التفتنا إلى فكرة الترتّب وبطلان قاعدة أن الأمر بالشيء نهي عن ضده الخاص.
 إذن: في هذه الصورة إذا علمنا مدرك الإجماع فإن كان المدرك تاماً عندنا كفى لنا مدركاً للحكم، وأمّا إذا كان المدرك فاسدا عندنا فإن هذا يعني أنّنا قطعنا بخطأ جميع من أفتى استناداً إلى هذا المدرك، وحينئذٍ لا يجري حساب الاحتمال لنفس الخطأ، والنتيجة هو عدم إفادة هذا الإجماع شيئاً.
 وأيضاً لا يكون الإجماع على الحكم مفيداً إذا احتملنا مدركية ذلك الحكم لهم لأنّ هذا الاحتمال يعني احتمال نكتة واحدة لافتائهم، ومع احتمال الخطأ في هذه النكتة لا تحصل كاشفية لهذا الإجماع عن الحكم أو دليله، أي تكون نسبة خطأ الأوّل مع خطأ الثاني هي واحدة ولا تضعف تلك النسبة فلاحظ.
 اذن تحصل لدينا أن الإجماع المحصّل حجة بشروط ومواصفات معينة وليس بحجة إذا لم توجد تلك الشروط والمواصفات.


[1] فوائد الأصول 3: 149-150.
[2] إنّ هذه الفتاوى لم يكن لها دليل واضح واحد حتّى تكون متساوية الاحتمالات وإن تكثّرت.
[3] وإن كان احتمال اشتباه جميع من أفتى يكون ضعيفاً جدّا بضرب احتمال خطأ الأول في خطأ الثاني في خطأ الثالث وهكذا إلى أن يحصل القطع بعم خطأ الجميع إلّا أنّ هذا القطع يحصل أبطأ بكثير من تضاؤل احتمال الاشتباه في باب الحسّ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo