< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الخبر الواحد
  ـ واستدل ثانياً بآية النفر: وهي قوله تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ( [1] ).
 ففي هذه الآية نفي وجوب النفر على المؤمنين كافة إلى الرسول للتفقه في الدين بقوله: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً. أما لأنها جملة خبرية يراد بها الإنشاء لنفي الوجوب فتكون في الحقيقة جملة إنشائية.
 أو أنها جملة خبرية يراد بها الاخبار عن عدم وقوع نفر المؤمنين كافة، أما لاستحالته عادة أو لتعذّره الذي يكون لازمه عدم الوجوب، فتكون دالة بالدلالة الالتزامية على عدم جعل مثل هذا الوجوب من الشارع المقدّس.
 ولكن الشارع عندما ينفي وجوب شيء اخباراً أو إنشاءً إنّما يكون في مقام رفع توهم الوجوب لذلك الشيء أو اعتقاد الوجوب. وهنا اعتقاد وجوب النفر على المؤمنين أمر متوقع عند العقلاء لأن التعلم للدين الجديد واجب عقلي على كل أحد وتحصيل اليقين بالدين الجديد منحصر بمشافهة الرسول () وهذا أمر عقلي أيضاً. ولكنه ليس أمراً عمليّاً وفيه مشقة عظيمة لا توصف بل هو مستحيل عادة.
 فأراد الله تعالى أن يرفع عنهم هذه الكلفة برفع وجوب النفر رحمة بالمؤمنين، وهذا لا يستوجب رفع أصل وجوب التفقه، بل الضرورات تقدّر بقدرها، والتخفيف عنهم يحصل برفع الوجوب على كل واحد واحد، ولابدّ من تشريع طريقة أخرى للتعلم غير طريقة التعلّم اليقيني من نفس لسان الرسول () وهذه الآية بيّنت هذه الطريقة بقوله: فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ... فالفاء شاهد على أن هذا العلاج متفرّع على نفي وجوب النفر على الجميع.
 والطريقة الأخرى هي: أن ينفر قسم من كل قوم ليتفقهوا ويرجعوا إلى قومهم فينذرونهم أو قل فيبلغونهم الأحكام.
 اذن الآية تقرير لأمر عقلي (وجوب المعرفة والتعلّم) إذا تعذّرت المعرفة اليقينية بنفر كل واحد إلى الرسول () وهذه الطائفة المتعلمة تعلّم الباقين من قومهم ليحذروا من العقاب، وهي مطلقة من ناحية حصول العلم من انذارهم أولاً.
 اذن لابدّ أن نستفيد أن نقل المتفقهين للأحكام قد جعله الله حجة على الآخرين والا كانت هذه الطريقة (الواجبة) لغواً بعد أن نفى الوجوب على الجميع، ولما بقيت طريقة لتعلّم الأحكام تكون معذّرة للمكلّف وتكون حجة له أو عليه.
 وهذا الاستدلال يتمّ حتى لو كانت طريقة «فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين... » تدل على الرخصة في هذه الطريقة ومشروعيتها وان لم تفد الوجوب الكفائي، لأن نفس تشريعها يستلزم تشريع حجيّة نقل الأحكام من المتفقه( [2] ).
 كما أنّ الاستدلال يتمّ بدون أن يكون الحذر واجباً عند إنذار المتفقهين، بل الأمر بالعكس فان نفس جعل حجيّة قول النافرين المستفاد من الآية يكون دليلاً على وجوب الحذر.
 وقد اعترض السيد الشهيد على هذا الاستدلال بقوله إن الآية أجنبية عن حجيّة خبر الثقة لأن الظاهر أن الآية غير ناظرة إلى مسألة الأخبار وحجيتها بل تنظر إلى مسألة أخرى هي لزوم وجود طائفة بين الأمة تتحمّل مسؤولية الجهاد العقائدي والفكري في سبيل الله عن طريق التفقّه في الدين وحمله إلى الاطراف والأجيال وهذه أجنبية عن مسألة حجية خبر الواحد الثقة.
 أقول: في بداية الدعوة الإسلامية لا أهم من الحلال والحرام فإنه معنى التفقه في الدين فان من لم يعرف الاحكام لا يعرف الدين وهي أساس الدين. أو نقول: إن الآية في صدد بيان أن قسماً من الناس تفقه في الدين يجب عليه إنذار قومه، بينما مسألة الجهاد العقائدي والفكري ليس فيه إنذار بل هي مسألة يصل إليها الإنسان بنفسه، اذن الآية مختصة بإنذار الاحكام ليس الا، فلاحظ.
 


[1] ـ سورة التوبة: 122.
[2] ـ أصول المظفر 3 : 75 ـ 78.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo