< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الخبر الواحد
 ما استدل به على حجيّة خبر الثقة
 وقد استدل لذلك بالكتاب الكريم والسنة الشريفة والسيرة.
 أما الكتاب 1ـ فقد استدل بآية إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ( [1] ).
 وقد يقال: أن الاستدلال بهذه الآية وأمثالها من الكتاب يكون بالظهور الذي هو ظنّي ولا يصح الاستدلال بالظن على حجيّة خبر الثقة الظني.
 والجواب: لقد ثبت بالدليل القطعي ـ كما تقدم ـ حجيّة ظواهر الكتاب وحينئذ يكون الاستدلال بالآيات القرآنية منتهيا إلى العلم فلا يكون استدلالاً بالظن على حجيّة الظن.
 وقد استدل بالآية على حجية خبر الثقة( [2] ) من جهة مفهوم الوصف ومن جهة مفهوم الشرط.
 أما مفهوم الوصف: فان الآية أناطت وجوب التبيّن بعنوان خبر الفاسق، وهذا يدلّ بقانون احترازية القيود على انتفاء شخص الحكم بانتفاء الوصف، وهذا مساوق في المقام مع انتفاء سنخ الحكم بوجوب التبيّن عن خبر العادل( [3] ) (لعدم وجود جعل آخر) وهو مساوق مع حجيّة خبر العادل، إذ لو كان هناك جعل آخر للخبر فأن كان بعنوان الخبر مطلقاً لزم منه لغوية جعل وجوب التبيّن على خبر الفاسق بخصوصه، وإن كان بعنوان خبر العادل بما هو عادل فهو غير محتمل لان العدالة لا تؤثر في وجوب التبيّن إن لم تكن مؤثرة في عدم وجوب التبيّن [4]
  [5] .
 وأما مفهوم الشرط: فقد أمرت الآية بالتثبت إذا جاء بالخبر الفاسق لئلا يصيبوا قوماً بسفاهتهم وعدم حكمتهم بالأخذ بخبر الفاسق، لأن الفاسق يتوقع الا يصدّق خبره، ومفهومها أن العادل إذا جاء بالخبر فلا يجب التحذّر والتثبت من إصابة قوم بجهالة ولازم ذلك حجيّة قوله( [6] ).
 أقول تقدم أن الجملة الشرطية لا تدل على أكثر من انتفاء شخص الحكم عند انتفاء الشرط الا أنه هنا يستفاد عدم ثبوت الحكم عند انتفاء الشرط (الجائي بالخبر إذا كان غير فاسق) لعدم وجود جعل آخر، (كما تقدم) وهذا يساوق المفهوم فيكون الجائي بالخبر إذا كان هو العادل فلا يجب التثبت، فلاحظ.
 إذن ثبت حجية خبر الثقة بهذه الآية القرانية بهذا البيان العرفي الواضح، ونرفض أي مناقشة غير عرفية لايقبلها الارتكاز العرفي، لأنّ الكتاب الكريم قد توجّهت أياته ومفاهيمه ومعانيه للعرف الذي لا يقبل مناقشات أهل الاختصاص التي ليست عرفية ولا مقبولة عنده.
 وقد نقول: في الاستفادة من الآية أنها نهي عن أخذ خبر الفاسق لما فيه من السفاهة والندم، وهذا يشير إلى وجود اعتماد عند الناس على الأخبار وقد تعارف الأخذ بها بلا تثبت، والاّ إذا كان الناس لا يعتمدون الاخبار فلا معنى للنهي عن الأخذ بخبر الفاسق، وحينئذ تكون الآية مخرجة خبر الفاسق عن العادة المألوفة للاعتماد على الاخبار. وهذا يرجع إلى وجود سيرة من العمل بالأخبار فنهي عن خبر الفاسق فقط.


[1] ـ سورة الحجرات: 6.
[2] ـ الآية دلت على عدم حجية خبر الفاسق الا أن المراد من الفاسق هنا هو الفاسق الخبري (لا الفاسق الشرعي) أي المراد من الفاسق هو غير الثقة بقرينة التعليل.
[3] ـ إن الوصف ليس له مفهوم أي ليس مفهوم الوصف حجة الا أن مفهوم الوصف هنا يستفاد منه عدم ثبوت طبيعي الحكم إذا زال الوصف فيكون حجة فلاحظ.
[4] فإذا لم يجب التبيّن عند مجيء خبر العادل فمعناه وجوب العمل على وفقه لأنّه لا يحتمل وجوب التبّين عند مجيء خبر العادل ولا يعمل به أيضاً، فإنّ هذا باطل بالضرورة، لأنّه يستلزم أن يكون خبر العادل أسوء من خبر الفاسق.
[5] وبعبارة أخرى: إنّ مجيء الفاسق بالخبر يوجب التبّين ومعناه هو الإرشاد إلى التوقّف وعدم العمل وعدم الحجية ، لأنّ المراد من التبيّن ليس هو وجوب التبيّن وجوباً نفسياً فنتجسّس على خبر الفاسق إذ لم يحتمل أحد من الفقهاء ذلك، بل المراد من التبين الإرشاد إلى ملزوم التبيّن وهو عدم حجية خبر الفاسق بلحاظ الخوف من نتائج العمل بخبر الفاسق وإصابة القوم بجهالة والندم بعد ذلك.
[6] ـ أصول المظفر 3: 74.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo