< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/02/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الظواهر
 الألفاظ الأخرى للقاعدة: أصالة الظهور
 توضيح القاعدة: نتكلم في هذه القاعدة بعد فرض عدم الحجية الذاتية للظهور، فإن هناك من ذهب إلى حجية الظهور الذاتية «كالقطع فإنه حجة ذاتاً» بحجّة أن العقل العملي يحكم بانّ العبد الذي طبق تمام أعماله نفياً وإثباتاً وفق الطريقة التي اتخذها المولى في مقام إيصال الحكم إلى العبد يعدّ عبداً مخلصاً لمولاه، وقوانين اللغة طريقة اتخذها المولى في مقام إيصال أحكامه، وهذا هو عبارة عن حقّ المولى على عباده الذي يجب العمل به.
 نعم يوجد فرق بين القطع والظهور: وهو أنّ حجيّة القطع غير قابلة للردع عنها لأن القاطع لا يحتمل خطأ قطعه. ولكن حجيّة الظهور قابلة للردع عنها، إذ يمكن للمولى أن يوجب الاحتياط عند دلالة الظهور على الإباحة لأن احتمال مخالفة الظهور للواقع وارد، ولكن عند عدم ورود نهي وردع عن الظهور فهو حجّة ذاتاً، أما إذا جاء الردع عنه فقد انتهت حجيّة الظهور الذاتية.
 أقول: هذه الدعوى لا يمكن البرهنة عليها. لأنها تدّعي أنّ حقّ المولى يقتضي العمل بظواهر كلام المولى، وهذا راجع لمدركات العقل العملي، ومدركات العقل العملي لا يمكن البرهنة عليها فتكون هذه الدعوى عهدتها على مدعيها.
 فإذا تجاوزنا هذه الدعوى فنتكلم في الحجيّة التعبدية، للظهور.
 قد يقال: حتى إذا لم نتجاوز هذه الدعوى وأردنا شواهد على صحتها فيمكن أن تكون الأدلة الآتية شاهدة على هذه الدعوى والاّ فتكون بنفسها دليلاً على حجيّة الظهور. فنقول لا يمكن قبول هذه الدعوى لأنها عبارة عن حكم العقل العملي الذي لا يقبل التخصيص والنهي فكيف يكون حكماً عقلياً وينهى عنه؟! فلابد من تجاوز هذه الدعوى لأثبات حجيّة الظواهر،وقبل ذلك لابدّ من بيان معنى الظهور ثمّ الاستدلال على حجيته التعبدية، فنقول:
 إن مدلول الدليل الشرعي قد يكون مردداً بين أمرين أو أمور كلها متكافئة في نسبتها إليه، وهذا هو المجمل وقد تكون مدلوله متعيناً في أمر محدد ولا يحتمل مدلولاً آخر بدلاً عنه. وهذا هو النصّ، وقد يكون قابلاً لاحد الأمرين ولكن واحداً منها هو الظاهر عرفاً والمنسبق إلى ذهن الإنسان العرفي، وهذا هو الدليل الظاهر.
 أما المجمل فيكون حجة في اثبات الجامع بين المحتملات إذا كان له على أجماله أثر قابل للتنجيز.
 وأمّا النصّ فلاشك في لزوم العمل به ولا يحتاج إلى التعبد بحجيّة الجانب الدلالي منه، إذا كان نصّاً في المدلول التصوري والمدلول التصديقي معاً.
 وأما الظاهر فظهوره حجّة»( [1] ) أي إن الأصل والقاعدة أن يحمل الكلام على الظاهر فيه، فلا يعتنى باحتمال إرادة خلاف الظاهر أو احتمال الغفلة أو الخطأ أو الهزل أو ارادة الاهمال والاجمال( [2] ).
 المستند: وقد استدل على حجيّة الظواهر بأمور:
 1 ـ السيرة المتشرعية: فقد وقع العمل من قبل المتشرعة من أصحاب الأئمة () بظهور إخبار الثقات حيث إن فقهاء عصر الأئمة ورواتهم كانوا يعملون بالظواهر جزماً، إذ لو كان بناؤهم على العمل بالإخبار على الاطمئنان أو الاحتياط أو أي شيء آخر كالأخذ بالقرعة أو بخلاف الظاهر لكان ذلك حدثاً فريداً في الفقه ولوصل إلينا، ولا نحتمل أن هذا الحدث الغريب يقع ويكون مبنى فقهاء الطائفة عليه ثم لا يشار إليه ولا يصل الينا منه عين ولا أثر، بل يصل الينا العكس (من العمل بظواهر الكلام) فإن كلّ من كتب في علم الأُصول بنى على حجيّة الظهور. ولا يتوهم أن العامل بالظواهر كان يحصل له الاطمئنان غالباً من الظهورات ولذا لم يشكّل ظاهرة فريدة ملفتة للنظر، إذ من الواضح أن أكثر مراتب الظهور لا يحصل منها اطمئنان لاحتمال التقدير، واحتمال الاعتماد على التقيّة من كلام الأئمة، واحتمال الاعتماد على القرائن المنفصلة، وغيرها فكل هذه الاحتمالات لم تكن تساعد على حصول الاطمئنان من ظاهر الأخبار جزماً.
 اذن السيرة المتشرعية منعقدة على العمل بالظهورات في زمن المعصوم وهو كاشف كشفاً إنيّاً عن موقف المعصوم مباشرة، فلا يحتاج إلى اثبات الامضاء أو السكوت بعدم الردع كما تقدم ذلك في سيرة المتشرعة حيث قلنا إن نفس ثبوت سيرة المتشرعة على أمر بما هم متشرعة يستكشف منه عدم وجود ردع شرعي ولا حاجة إلى إثباته.
 2 ـ السيرة العقلائية [3] : ثم إن العقلاء لا يتقيدون في مقام الإفادة والمحاورة بالتنصيص والصراحة في مقام التعبير جزماً بل يعملون بالظهور على وفق طبعهم العقلائي، ويتضح تقريب هذا الأمر بأمرين:


[1] ـ دروس في علم الأُصول/الحلقة الثالثة/القسم الأول180.
[2] ـ أصول الفقه 1 :30 ـ 31.
[3] إنّ السيرة المتشرعية إذا كانت تطبيقاً للسيرة العقلائية مع الغفلة عن احتمال عدم الامضاء، فتكون السيرة العقلائية هي الأساس الأوّل في عمل المتشرعة، ثمّ بعد ذلك كان عملهم وسيرتهم عن وعي والتفات برضا الشارع ولو بعد ردعهم في المرحلة الأولى وهو السيرة العقلائية، إذن هذه السيرة العقلائية تحتاج إلى إثبات عدم الردع، أمّا بعد ذلك فصارت سيرة متشرعية لا تحتاج إلى إثبات عدم الردع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo