< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/02/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: السيرة العقلائية
 مناطات السيرة العقلائية:
 إن المناط في سير العقلاء ـ خصوصاً في مثل الرجوع إلى أهل الخبرة والعمل بالامارات وأصل الصحة وقاعدة اليد ـ هو أحد أمور:
 الأول: أن يكون ذلك لأجل انسداد باب العلم في الموارد التي يرى الجاهل نفسه ملزَماً بتحصيل الواقع لما فيه من مصالح ومفاسد يجب استيفاؤها أو الاحتراز عنها، ولا يمكن له العمل بالاحتياط لكونه مستلزماً للاختلال أو العسر أو الحرج. فيحكم عقلاً بالرجوع إلى أهل الخبرة وعلماء الفن لكونه أقرب الطرق.
 الثاني: أن يكون ذلك لأجل مصلحة تسهيل الأمر. فقاعدة اليد يصار إليها لأن قانون من أين لك هذا فيه صعوبة وحرج شديدين.
 الثالث: أن يكون ذلك لأجل إلغاء احتمال الخلاف والغلط في موارد السِيَر، ووجه ذلك الإلغاء هو ندرة المخالفة وقلّتها بحيث لا يعتني بها العقلاء، بل يعملون بها غافلين عن احتمال المخالفة، فهي عندهم علم عرفي يوجب الطمأنينة. وهذا الوجه هو الأساس لأكثر السِيَر الدارجة عندهم من العمل بالإمارات واصل الصحة وقاعدة اليد( [1] ).
 مستند القاعدة: إنّ دليل السيرة العقلائية يعتمد على ركنين:
 أحدهما: قيام السيرة المعاصرة للمعصومين من العقلاء على شيء.
 ثانيهما: سكوت المعصوم الذي يدلّ على الإمضاء [2] .
 والسرّ في احتياجنا إلى المعاصرة هو أن سكوت المعصوم لا يدلّ على الإمضاء الا إذا كان المعصوم مواجهاً للسلوك الاجتماعي ـ المقصود اثبات شرعيته ـ ومتواجداً بين العقلاء حتى يكون سكوته وعدم ردعه كاشفاً عن إمضائه وموافقته لهم على ذلك السلوك( [3] ).
 وأما السرّ في احتياجنا إلى إمضاء المعصوم، فهو أن هذا البناء ليس من الحجج القطعية في مقام كشفه عن الواقع، لجواز تخطئه الشارع لهم في هذا السلوك( [4] ).
 وبعد توفر هذين الشرطين تكون السيرة كاشفة عن رأي المعصوم فتدخل في السنّة الشريفة التي هي حجة بلا كلام. وبهذا نعرف أن روح السيرة العقلائية هو استدلال بالسنّة الا أنها تُستكشف بالدليل القطعي المتمثل بسيرة العقلاء.
 طرق اثبات معاصرة السيرة للمعصومين
 وهذا هو الركن الأول لحجيّة السيرة العقلائية: وله طرق متعددة:
 الطريق الأول: اثبات معاصرة السيرة ووجودها في زمن المعصوم () بالنقل التاريخي العام أو في نطاق الروايات والأحاديث الفقهيّة لأنها تعكس ضمناً جوانب عن حياة الناس والرواة وقتئذ، مثل ما ينقله الشيخ الطوسي من استقرار بناء أصحاب الأئمة في حياتهم على الاعتماد على أخبار الثقات في مقام أخذ معالم دينهم جيلاً بعد جيل. كما يمكن الاستفادة أيضاً من فتاوى الجمهور في نطاق المعاملات باعتبارها منتزعة أحياناً من الوضع العام المرتكز عقلائياً.
 وكذا السيرة القائمة على جواز المعاملة بالنقد الأجنبي في زمن المعصوم حيث سألت الأخبار الوارد في باب الزكاة عن ثبوت الزكاة في النقد الأجنبي
 وهذا الطريق أن فرض فيه النقل واستفاضته بنحو قطعي أو توافرت القرائن على قطعيته من دون اقترانه بما يكسر النقل التاريخي من عدم معقوليته فلا إشكال فيه [5] ، وإن فرض النقل فيه بخبر الثقة فهو يجدي إذا ثبتت حجية خبر الثقة بدليل آخر غير السيرة العقلائية.
 الطريق الثاني: إن المسألة التي يراد إثبات السيرة فيها إذا كانت من المسائل الداخلة في ابتلاء الناس، وكان السلوك الذي يراد إثبات السيرة عليه لا يكون خلافه من الواضحات عند الناس مع عدم تكثر السؤال والجواب عن هذه السيرة على مستوى الروايات والأدلة الشرعية ففي مثل ذلك يُستكشف أن ذلك السلوك كان ثابتاً في زمن المعصوم () وإلّا لزم أحد أمرين: أما أن يكثر السؤال عنه، أو يكون خلافه من الواضحات عند الناس عادة، وكلاهما خلف.
 مثلاً إذا فرض انعقاد السيرة على العمل بخبر الثقة، فليس عدمه من الواضحات بحسب الطبع العقلائي، مع كون المسألة محل ابتلاء، ولم ترد في الأدلة ما يمنع من ذلك أي لم يكثر السؤال عن حجية خبر الثقة وجواز العمل به، بل ورد ما يؤكد العمل بخبر الواحد الثقة [6] ، كان هذا دليلاً على أن هذا السلوك كان متّبعاً في تلك الأزمنة.


[1] ـ تهذيب الأُصول3 : 172.
[2] وهذا الركن الثاني قد يعبّر عنه بأنّ السيرة إذا كانت معاصرة للمعصوم وسكت عنها فهو يستلزم جعل الشارع الحكم على طبق تلك السيرة أي نستكشف من ذلك جعل الشارع لما يناسب تلك السيرة.
[3] ـ دروس في علم الأُصول 2 : 263.
[4] ـ الأُصول العامة للفقه المقارن192.
[5] أمّا إذا اقترن النقل التاريخي لو كان كثيراً من الناحية الكمّية بما يخدشه ولا يصدّقه فلا يثبت ولا تثبت المعاصرة رغم وجود النقل الكمّي على أمر يدّعى عرّفيته وارتكازيته، فلو نقل لنا التاريخ بصورة كثيرة استخراج الفرد للنفط وتملّكه إيّاه في زمان النبيّ (ص) فلا نصدّقه، وذلك لأنّ معرفة الناس بالنفط واستخراجه من أعماق الأرض كانت متأخرة عن ذلك التاريخ بكثير، فلا يكون هذا النقل معقولاً، ونحن نعلم أنّ حجية النقل إنّما تكون بصورة صحة السند أو كون النقل كثيراً، والمعقولية للخبر، فإذا لم يكن معقولاً فلا يكون حجة.
[6] فإن قوله: أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ منه معالم ديني؟ إنّما هو سؤال عن المصداق، وأمّا العمل بخبر الثقة فهو مفروغ عنه، وكذا قوله خذ معالم دينك من أبي بصير فإنّه الثقة المأمون، فهو تطبيق الكبرى وهو العمل بخبر الثقة على أبي بصير.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo