< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/02/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة الأصل فيما لم يعلم اعتباره بالخصوص عدم الحجيّة
 3ـ ثم قال: إن النتيجة المرجوّة في المقام هي: (انه تارة يكون الحكم الظاهري إلزامياً والواقعي ترخيصياً كما لو أوجب المولى الاحتياط في قسم من الشبهات بأي لسان كان. وأخرى يفرض العكس، وفي كليهما لا محذور.
 أما في القسم الأول:فلأن مرجعه إلى أن المولى حينما تشتبه على عبده أحكامه الإلزامية ولا يوجد طريق لرفع هذا الاشتباه له، أو لا مصلحة في ذلك [1]
  [3] ، فلا محالة يحفظ أغراضه الإلزامية الواقعية بتوسعة دائرة المحركية لها فيجعل حكما ظاهريا إلزاميا روحه عبارة عن إيجاب الاحتياط نتيجة شدة اهتمامه بأغراضه الواقعية الإلزامية وعدم رضاه بفواته حتى في حالات الشك والاشتباه بالمباحات الواقعية من دون ان يلزم من ذلك اجتماع الضدين في مورد المباح الواقعي ولا المثلين في مورد الحرمة الواقعية، لما قلنا في المقدمة الأولى من أنه لا توسعة في غرضية الغرض بمبادئه، بل متعلقة (الغرض) هو الأمر الواقعي، وليست هذه الخطابات إلا توسعة في المحركية لذلك الغرض المنصبّ على متعلقه الواقعي.
 كما أن تقديم الغرض الإلزامي لأهميته لا يعني زوال الأغراض الواقعية الترخيصية أو غيرها المخالفة مع الغرض الإلزامي الذي رجحه المولى ذاتاً، وإنّما يعني زوال حفظها التشريعي بتوسيع دائرة محركيتها ظاهراً لعدم أهميتها في قبال الأغراض الإلزامية المرجَّحة كما تقدم في المقدمة الثانية، فلا منافاة بين هذه التوسعة في المحركية والأغراض الواقعية في مورد المخالفة.
 وأما في القسم الثاني: فلعين ما تقدم في القسم الأول، بإضافة نكتة أن الأحكام الترخيصية الواقعية في هذا القسم «الإباحة الواقعية» لابد وأن تكون عن مقتضٍ للترخيص، وأن يكون العبد مطلق العنان من قبل مولاه ولا يكفي مجرد عدم المقتضى للإلزام، فان الحكم الترخيصي الناشئ عن عدم المقتضي للإلزام لا يمكنه أن يزاحم مقتضي الإلزام، فدليل جعل الحكم الظاهري الترخيصي بنفسه يدلّ على وجود أغراض ترخيصية اقتضائية من هذا القبيل، ومثاله ما لو اقتضى لوجب إكرام العالم وملاك آخر لجري المكلّف على سجيّته في إكرام الجاهل ووقع الاشتباه بينهما، فهنا يجعل المولى الحكم الظاهري وفق الأهم منهما الذي يريد حفظه في هذه الحالة.
 وكذلك الحال فيما إذا جُعل حكم ظاهري إلزامي في مورد حكم واقعي إلزامي مخالف.
 وقد ظهر من مجموع ما تقدم معنى قولنا: ان الغرض إذا كان بدرجة من الأهمية فيستدعي من المولى حفظه عند الاشتباه بتوسيع دائرة محركيته فان درجة الأهمية هذه يراد بها ما إذا كان حفظه التشريعي أهم من حفظ الغرض الآخر.
 ومن هنا نعرف بأن هناك فعليتين للغرض الواقعي:
 فعليّة بقطع النظر عن التزاحم الحفظي، وفي هذه الفعلية يكون الغرض الواقعي بمبادئه من الحب والبغض والإرادة فضلاً عن الملاك محفوظاً في متعلقه الواقعي.
 وفعليّة أخرى بلحاظ التزاحم الحفظي، وتعني فعلية المحركية لأحد الغرضين في موارد الاشتباه والتزاحم الناشئ منه التي لا تكون إلا لأهم الغرضين الفعليين بالفعلية الأولى. وغاية ما يدلّ عليه دليل القائل ببطلان التصويب هو اشتراك العالم والجاهل في الأحكام الواقعية الفعلية بالمعنى الأول، أي اشتراكهما في المصالح الواقعية والحب والإرادة فضلاً عن الجعل والاعتبار) ( [4] ).
 وأمّا جعل اشتراك العالم والجاهل في التحريك والبعث الحاصل في الحكم الظاهري فلم يدلّ عليه دليل، وحينئذٍ سيكون الجاهل بالحكم الواقعي قد اتّسعت محركيته باتباع الإمارات لاحتمال أنّها تطابق الواقع، أمّا العالم بالحكم الواقعي فلا تكون الإمارات محركة له.
 أقول: ومن هنا نفهم أن الغرض واحد وهو الحكم الواقعي، فلا يوجد غرض آخر بحيث يلزم من الغرض الآخر المخالف مع الأول تضاد أو الموافق مع الأول تماثل، أو يلزم الإلقاء في المفسدة أو تفويت المصلحة لأن الأمر الظاهري ليس غرضه إلا المحافظة على الأوامر الواقعية مع أنها أوامر حقيقية. ويكون الأمر الظاهري أمراً للجاهل بالواقع لتحريكه للمحافظة على الواقع أما الحكم الواقعي فهو حكم للكل (العالم والجاهل)، فلا تأت مشكلة التصويب هنا إذا قلنا أن الحكم الظاهري فعلي بلحاظ التزاحم الحفظي. فلاحظ.


[1] أقول: لعل المثال لهذا القسم هو ما إذا اشتبهت سمكة ميتة في عشرة سمكات مذكاة فالميتة لا يجوز أكلها والمذكاة يجوز أكلها ولكن حصل الاشتباه. فإذا كان الغرض الإلزامي راجحاً فسوف يوسّع المولى دائرة المحركيّة من السمكة غير المذكاة إلى جميع الأسماك العشرة فيجعل حكماً إلزامياً بالاحتياط لأجل اهتمامه بأغراضه الإلزامية الواقعية، وهنا لا يلزم اجتماع الضدين في السمكة المباحة واقعاً، ولا يلزم اجتماع المثلين في السمكة المحرّمة واقعاً، لأنّ الغرض لم يتوسّع، ولم يحصل غرضان، أحدهما للأمر الواقعي والآخر للأمر الظاهري، بل الغرض واحد وهو غرض الأمر الواقعي، وخطاب الأمر الظاهري بالاحتياط ليس له إلّا غرض واحد وهو غرض الأمر الواقعي ولكن جعل الأمر الظاهري محركية زائدة على محركية الأمر الواقعي.
[2] فجعل الاحتياط وتقديم الأهم إنّما هو بحسب المحركية فقط، وهذا الأمر لا يوجب زوال المهم «وهو الترخيص الاقتضائي في أكل السمكات التسع المذكاة» وإنّما زالت محركية الأمر بالمهم.
[3] وأيضاً لا يحصل نقض الغرض الباطل القبيح، لأنّ نقض الغرض القبيح إنّما هو في غير صورة التزاحم، بل يكون نقض الغرض بملاك المزاحمة لغرض أهم بلا محذور، بل لابد منه، ولا تحصل هنا مشكلة الإيقاع في ترك مصلحة الإباحة الواقعية لأنّ هذه المشكلة لا تحصل من الحكيم في صورة غير التزاحم، فلابد من ترك المصلحة هنا للمحافظة على الأهم من الأحكام الواقعية.
[4] () راجع بحوث في علم الأصول 4 : 201-205

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo