< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/01/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع:القاعدة: الأصل فيما لم يعلم اعتباره بالخصوص عدم الحجيّة
 الألفاظ الأخرى للقاعدة:
 الأصل في الظن عدم الحجية.
 الأصل عدم الحجية عند الشك فيها.
 الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعاً ولا يجوز التعبد به واقعاً عدم حجيته.
 الأصل يقتضي حرمة التعبد بكل إمارة لم يعلم التعبد بها من قبل الشارع.
 حرمة التعبد بالظن الذي لم يدل دليل على التعبد به.
 عدم حجية ما يشك في حجيته من الإمارات.
 توضيح القاعدة:
 أقول تقدم الكلام عن حجية القطع بالحكم الشرعي مستفاداً من الكتاب أو السنة أو مستفادً من العقل العملي أو النظري، والآن نتكلّم عن الظنّ المتمثّل بالإمارات والأدلة الظنّية فهل يحتاج الظنّ إلى جعل الحجية او إلى مقدمات توجب انسداد باب العلم، فإنّ الظنّ قد نهي عنه بآيات قرانيّة، فحجيته تحتاج إلى جعل أو انسداد باب العلم فيكون حجة بصورة مطلقة، وهل هناك مانع من جعل حجية الظن على الحكم الشرعي (جعل الحجية للإمارات).
 إذن البحث عن الظن تكون مراحله ثلاثة:
 1ـ ان الظن الذي يحصل للمكلف ليست حجيته ذاتية (كالعلم)، بل هو بحاجة إلى عناية جعل لحجيته أو تطرأ حالة استثنائية (كالانسداد لباب العلم) فيكون الظن حجة، وهذا بحث ثبوتي.
 فغير القطع لا يكون حجة، وإن كان يظهر من بعض المحققين [1] الخلاف والاكتفاء بالظن بالفراغ، ولعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل [2] .
 وهذا باطل وذلك:
 أ ـ لأنّ هذا الكلام يستلزم الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي، ولا يلتزم به أحد.
 ب ـ إنّ الضرر الأخروي ولو بنحو الاحتمال يلزم دفعه، نعم الضرر الدنيوي وقع الخلاف في لزوم دفعه، ولذلك لم يخالف أحد في لزوم الفحص في موارد الشبهات الحكمية، وليس هناك إلّا احتمال العقاب، إذن الظن ليس حجة ثبوتاً، ولا يكون حجة لسقوط التكليف الثابت، فلاحظ.
 2ـ كما ان الظن ليس ممتنع الحجية (خلافاً لابن قبة ومن تابعه ممن أدعى المحال أو القبح من جعل الحجية للظن) بل يمكن التعبد بالإمارة غير العلمية وجعلها حجة وهذا بحث ثبوتي أيضاً.
 ثمّ بعد ذلك يبحث عن وقوع التعبد بالإمارات (الظنية) على الحكم الشرعي.
 3ـ ثم بعد هذين البحثين الثبوتيين يبحث بحثاً إثباتياً حول تأسيس الأصل عند الشك في حجية الظن:
 أما المرحلة الأولى: فان الظن ليس حجة في تنجيز الحكم المضنون وليس حجة في التأمين عن التكليف التي قد اشتغلت به الذمة يقيناً في مقام الفراغ عنه، لان الظن باعتبار عدم كشفه فهو ليس بياناً ووصولاً للتكليف فلا ينجّز الحكم المضنون ما لم يجعل له الحجية، ولا يحقق التأمين عن التكليف ما لم تُجعل له الحجية أيضاً. فلو ظننت بأني مدين لزيد بألف دينار فلا يتنجّز عليّ الدين، ولو ظننت بوفائه الألف دينار بعد القطع بالدين، فهذا الظن لا يحقق التأمين عن التكليف بسداد الدين.
 أما المرحلة الثانية: وهو إمكان التعبد بالإمارة (في مقابل ابن قبة القائل بالامتناع) فان المراد من الإمكان هنا هو الإمكان العقلي (الاحتمال العقلي)( [3] ) الذي وقع في كلام ابن سينا من قوله (كلُّ ما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يذُدك عنه قائم البرهان)( [4] ).
 وقد ذهب الشيخ الأنصاري إلى إمكان التعبّد بالإمارة ودليله: «إنّ بناء العقلاء إنّما هو على الحكم بإمكان الشيء ما لم يجدوا ما يوجب استحالته» [5] ، ومراد الشيخ من الإمكان هنا هو عند قيام دليل ظنّي معتبر على حكم، إذا اقتضى ظهور كلام المولى حجية ظنّ وشككنا في إمكان ذلك، فإنّ العقلاء لا يعتنون باحتمال الاستحالة في رفع ليد عن العمل بالظهور، وحينئذ يقال: ما لم يثبت استحالة قيام دليل ظنّي معتبر على حكم، يكون ظهور كلام المولى حجة فيه.
 وبعبارة أخرى: إذا جاء ظهور أو إمارة تقول بالضمان في عارية الذهب، وشككنا في هذه الإمارة من باب أنّ المستعير أمين لا يضمن، أي شككنا في أنّ الضمان للأمين هنا هل فيه مصلحة ويكون ممكناً أم أنّه أمر مستحيل ولا مصلحة في تضمين الأمين؟ فهنا لا يشك أحد في لزوم الأخذ بظاهر الكلام وعدم الاعتناء باحتمال الاستحالة، لأنّه لا يعمل بالدليل ما لم يثبت الإمكان، فلاحظ.
 ومنه يعلم بطلان ما أورده صاحب الكفاية على الشيخ الأنصاري من أنّه لا دليل على أنّ بناء العقلاء هو ترتيب آثار الإمكان للحجية عند الشك فيها، ولا يرد ما ذكره من عدم الدليل على حجية بناء العقلاء شرعاً ولا ما أورده من أنّ البحث عن حجية الظنّ مع وقوعه في بعض الموارد لا ثمرة فيه، فإنّ جميع هذه الإيرادات الثلاث إنّما تكون لو أريد من بناء العقلاء على الإمكان مطلقاً، وهو ليس بمراد كما قلنا، إذ المراد من كلام الشيخ هو بناء العقلاء عند قيام دليل ظاهر ظنّي أو إمارة ظنّية قام الدليل المعتبر عليها، فهنا يكون بناء العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال الاستحالة، لأنّه لا يعمل بالدليل ما لم يثبت الإمكان، فلاحظ.


[1] وهو صاحب الحاشية، وقال السيد الخوئي معقّباً عليه: إنّه عند عدم التمكن من الامتثال القطعي فيكفي الامتثال الظنّي، وهو يكون في فرض الانسداد، وإلّا فهو بديهي البطلان.
[2] دراسات في علم الأصول 3: 103.
[3] () هناك من ذهب أن المراد بالإمكان هو الوقوعي، أي الذي لا يلزم من فرض وقوعه أو وقوعه محال، كما ذهب إليه السيد الخوئي (قده) إذ قال : هل يلزم من وقوع التعبد بالظن محال مطلقا كاجتماع الضدين او النقيضين، أو يلزم محال بالقياس إلى خصوص الحكيم كتحليل الحرام أو بالعكس او لا يلزم هذا المحال؟ فالإمكان هو إمكان وقوعي في قبال الاستحالة الوقوعية، وهناك من قال: «إنّ المراد بالإمكان هو الإمكان الذاتي في قبال الاستحالة الوقوعية». ويرد عليهما إنّ الكلام هنا قبل الوقوع، والوقوع يبحث عنه بعد إثبات الاحتمال العقلي لإمكان التعبد بالإمارات، وكذا فإنّ التعبّد بالإمارات ليس مما يحكم العقل باستحالته بمجرّد لحاظه وتصوّر كاجتماع الضدين، وهناك من قال أن المراد به الإمكان التشريعي، وهذا باطل أيضاً فإنّ الإمكان والاستحالة هو دائماً من الأصول الواقعية التي يدركها العقل، وليس الإمكان على قسمين (تكويني وتشريعي)، بل الإمكان دائماً تكوينيّ إلّا أنّ معروضه قد يكون تكوينيّاً مرة وتشريعيّاً أخرى. راجع فوائد الأصول 3 : 88. ونهاية الدراية 4 : 118. والكفاية 275 276.
[4] () راجع أنوار الهداية1 : 189 190.
[5] فرائد الأصول3: 88.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo