< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/01/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع:

قاعدة: حجية الدليل العقلي
 
 4ـ ان اختلاف العقلاء في الحسن والقبح (مدركات العقل العملي) ينشأ كثيراً من الأخلاقيات التي لا واقعية لها وتكون وليدة القانون أو البيئة أو العادات وما شابه ذلك كما في حجاب المرأة ورفعه مما لا حسن ولا قبح فيه ما لم يُفرض أمر من قبل المولى الحقيقي فيرجع إلى حسن الامتثال وقبح المعصية. وعلينا أن نفصّل بين:
 أولاً: الأخلاقيات التي لها واقع مستقل، مثل باب العلاقات والاستلزامات الواقعية بين الأحكام (باب الوجوب والإمكان والاستحالة) بالنسبة لأحكام العقل النظرية، فإنّ لها واقع مستقل عن الأعراف والعادات والقوانين و«الأوامر من قبل المولى» وكذا الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، أو حكم العقل بوجوب مطابقة حكم الله لما حكم به العقل، وكذا إذا أدرك العقل ملاك وعلّة الحكم الشرعي «كما إذا دلّ على ذلك نفس الشارع».
 وكذا بالنسبة لحكم العقل العملي كقبح الظلم فإنّه حكم عقلي سواء كان هناك مجتمع أم لم يوجد، وجد عرف أو لا، وجدت عادات أم لا، وجد قانون أم لا، فإنّها قضية لها واقع مستقل عن كلّ هذه الأمور، وكذا قبح ضرب اليتيم للتشفي من أبيه، وكذا حكم العقل بقبح تكليف العاجز أو قبح ترخيص المولى في المعصية.
 فإنّ هذه كلّها أحكام عقلية لها واقع مستقلّ عن الأعراف والعادات والتقاليد والقوانين وأمر الشارع مثلاً.
 وثانياً: الأخلاقيات التي لا واقع لها عدا القوانين والعادات، كما في السفور والحجاب، حيث إنّها لا واقعية لها ولا حسن ولا قبح، بل هي وليدة الأعراف والتقاليد أو أوامر الشارع أو القوانين.
 فالأحكام العقلية «الأخلاقيات التي لها واقع» والتي يحسن الإتيان بها أو يقبح الإتيان بها وتكون مستقلة عن العرف والعادة والقانون وكذا الأحكام العقلية التي يجب أن يعمل بها، هي التي تكون حجة على الحكم الشرعي دون الأحكام العقلية «الأخلاقيات» التي لا واقع لها إلّا البيئة والعادة والقانون, أما إذا خلطنا بينهما فهو يؤدي إلى تشكيك الإخباري.
 5ـ أن في مسألة تزاحم الحُسن والقبح في المصاديق لابدّ من تكاسر الحسن والقبح فيها ويثبت الأقوى فقط،فنحن لا نرى إلا حسنا فقط أو قبحا فقط فيكون المورد القائم واضحاً بعد الكسر والانكسار.
 د ـ وقد يقال بوجود نهي عن الشارع في إتباع الدليل العقلي القطعي بعد حصول اليقين منه، أو وجود نهي عن التوجه إلى ميدان الاستدلالات العقلية، وصرف الذهن عن هذا المجال إلى الأدلة النقلية (كما في الروايات الناهية عن العمل بالرأي).
 والجواب:
 1ـ ان النهي عن إتباع الدليل العقلي القطعي بعد حصول اليقين منه غير معقول (كما تقدم) وأما النهي عن التوجه إلى ميدان الاستدلالات العقلية فلا دليل عليه سوى دعوى استفادته من الروايات الناهية عن العمل بالرأي، بدعوى صدقها على العمل بالأدلة العقلية، وقد قلنا سابقاً بأن ألسِنة الروايات وتاريخ صدورها وما رافقها يدل على أن المراد بالرأي هو ما كان مطروحاً من الاعتماد على الأقيسة والاستحسانات الظنية، والاستقلال عن الأئمة في مجال الاستنباط بالرجوع إلى القرآن وقول الرسول () مباشرة، أو إلى العقل من دون مراجعة الإمام في الوقوف على المخصّص أو المقيّد أو المفصّل أو المبيّن كما هو ديدن علماء أهل السنة.
 2ـ لو سلّمنا ان إطلاق الرأي في الروايات على القطع الحاصل من الدليل العقلي فيعارضه النصوص الآمرة باتباع العلم والقضاء به، وبراءة ذمة العامل به من دون تقييد العلم الحاصل من دليل شرعي، فيتعارضان ويتساقطان لأن النسبة عموم من وجه [1] وحينئذٍ لا دليل على النهي المذكور.


[1] وبيان التعارض بنحو العموم من وجه هو أنّ النهي عن التوجّه إلى الاستدلالات العقلية يشمل الاستدلالات العقلية الظنّية والاستدلالات العقلية القطعية، والنصوص الآمرة باتّباع العلم والقطع تشمل العلم القطعي العقلي والعلم القطعي الشرعي فيتعارضان في العلم القطعي العقلي، فالنهي عن الاستدلال به يجعله غير حجة مثلاً، والأمر باتباعه يجعله حجة، فيتعارضان ويتساقطان، وحينئذ لا يبقى دليل على النهي عن الأدلة العقلية القطعية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo