< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

32/11/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: قيام الإمارات والأصول مقام القطع الموضوعي والطريقي
 النقطة الثانية: قيام الإمارات مقام القطع الموضوعي المأخوذ على وجه الطريقية:
 كما إذا قال: ان قطعت بكون زيد مريضاً فزره، وكما في الروايات: يشير الإمام() إلى الشمس ويقول: «على هذه فاشهد أو دع» أي إذا قطعت بان الحقّ لفلان فاشهد له.
 وهذه النقطة لا يفرّق فيها بين كون قيام الإمارة القائم مقام القطع الموضوعي الطريقي المأخوذ بنحو تمام الموضوع أو جزءه أو قيده.
 وقد اختلف الأصوليون في هذه النقطة فذهب الشيخ الأنصاري والمحقق النائيني( [1] ) إلى قيامها مقامه، واختار المحقق الخراساني والسيد الإمام الخميني والشهيد الصدر عدم قيامها مقامه ( [2] ).وقد ذكر السيد الشهيد الصدر (قدس سره) في حلقات الأصول: «أن المشهور هو قيام الإمارات المعتبرة شرعاً مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية فقال: (وأما القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية أي بوصفه منجّزاً أو معذِّراً، فالمشهور قيام الإمارات المعتبرة مقامه لأنها تكتسب من دليل الحجية صفة المنجزيّة والمعذّرية فتكون فرداً من الموضوع، ويعتبر دليل الحجيّة في هذه الحالة وارداً على دليل ذلك الحكم الشرعي المترتب على القطع، لأنه يحقق مصداقاً حقيقياً لموضوعه» ( [3] ).وتوضيح ما قاله السيد الشهيد (قدس سره): إنّ القطع بمرض زيد مثلاً وان أُخذ في موضوع الحكم (الزيارة) إلا أنه أخذ بما هو طريق لإحراز المرض ومنجِّز للواقع وعلى هذا فإذا كان دليل حجية الإمارات قد جعل الحجية للإمارة (كالبينة على مرض زيد) فقد صيّر دليل حجية الإمارات الذي يُلغي احتمال الخلاف في الإمارة، الإمارةَ منجِّزة للواقع، وتصير البينة بذلك الدليل فرداً حقيقياً للموضوع، لأن الموضوع هو كل منجِّز للواقع، والإمارة فرد منه قد حققت فرداً حقيقياً من الموضوع، وهذا هو معنى الورود.
 أقول: ولكن:
 1ـ بما أن حجية الإمارات الثابتة في السيرة العقلائية المقرّة من قبل الشارع المقدّس قد جُعلت للمحافظة على الأحكام الواقعية، فقد جُعلت حجة في التنجيز والتعذير بإلغاء احتمال الخلاف ليس إلا، بخلاف القطع الموضوعي (وان كان طريقيّاً)، حيث ان القطع الموضوعي قد أُخذت فيه صفة الكاشفية التامة التي لا يشوبها شك، وأنها دخيلة في الموضوع، وهذه الحالة لا تكون الإمارات موجِدة لها حتى و ان أُلغي احتمال الخلاف من أجل الحجيّة، وحينئذٍ فلا تقوم مقامها من هذه الناحية من نفس دليل الحجيّة.
 نعم لو ثبت أن (القطع الموضوعي على نحو الطريقية) قد أخذ بنحو المثال للمنجزيّة والمعذريّة فهنا سوف تقوم الإمارات مقامه، لأنها هي أيضاً مثال للمنجزيّة والمعذريّة، إلا أن هذا لم يثبت، بل الثابت هو كون القطع الموضوعي قد أخذت فيه صفة الكاشفية التامة ليترتب عليها الحكم، وحينئذٍ لا تقوم الإمارات مقامها كما هو واضح، لأنّها لا تفيد الكشف التام، بل هو كشف غير تام فلاحظ.
 2ـ على أن الورود الذي ذكر في دليل قيام الإمارة مقام القطع الموضوعي بنحو الطريقية (أو الحكومة) إنّما يصح إذا كان هناك نظر إلى دليل المورود والمحكوم، وهنا نقول: ان دليل حجية الإمارات ليس له نظر إلى أحكام القطع الموضوعي حتى يكون وارداً أو حاكماً عليه، نعم دليل الإمارة ناظر إلى تنجيز الأحكام الواقعية المشكوكة.
 والخلاصة: ان الشارع إذا أخذ في الموضوع القطع (الكشف التام) ليترتب عليه الحكم، فان الإمارة التي ليست قطعاً (وإن صارت منجَّزة ومعذِّرة بإلغاء احتمال الخلاف نظراً إلى دليل حجيتها، إلا أنها تبقى لا تفيد الكشف التام الذي أُخذ في موضوع الحكم.
 أقول: هناك اقتراح للقول بأنّ الإمارة تقوم مقام القطع الموضوعي على نحو الطريقية وهي أن نتبنّى المنهج الإخباري الذي قال به الإخباريون المصرّحون بأنّ الأخبار على قسمين: قسم متواتر، وقسم محفوف بالقرائن وإنّ كلّا منهما يفيد العلم ويوجب العمل مع عدم المعارض [4] .
 فعلى هذا إذن ستكون الإمارة قائمة مقام العلم لأنّها تفيد علماً حقيقة.
 أقول: هذا كلام باطل لأنّ الرواية لا تفيد علماً أصلاً إلّا في حالات نادرة، على أنّ العلم الحاصل من الإمارة على فرضه ولو في صورة نادرة هو علم طريقي لتحصيل الواقع وللمحافظة على الواقع ولا يقوم مقام القطع الموضوعي الذي هو دليل الحكم فلاحظ.
 إلّا أن يقال كما قال السيد الخوئي (قده): «إنّ دليل حجية الإمارة يتكلّف جعل الطريقية للإمارة، وبما أنّ الإمارة ظنّ والظنّ ليس طريقاً تامّاً فحينئذٍ يكون دليل حجية الإمارة قد تمّم كشف الظنّ الناقص، ومعنى تتميم كشف الظنّ الناقص هو جعله قطعاً تعبدياً، فتترتب على حجية الإمارة أحكام القطع ومنها التنجيز والتعذير ومنها الكشف عن الواقع التام إلّا أنّه بالتعبد لا بالوجدان» [5] .
 وعلى هذا فلو قام دليل على أنّ ظنّ الإمام يكون إمارة للمأموم فهنا سيكون ظنّ الإمام بمنزلة القطع للمأموم في ترتيب آثار الواقع على ظنّ الإمام.
 ولولا قيام الإمارة مقام القطع الموضوعي على نحو الطريقية والكاشفية:
 1ـ لا يجوز للمجتهد أن يفتي لأنّ المجتهد يحصّل الحكم بالإمارات، وليس الإمارات علماً لولا تنزيلها منزلة العم تعبداً.
 2ـ إنّ موضوع الاستصحاب قد أُخذ فيه على نحو الموضوعية عدمُ نقض اليقين بالشكّ وقد وجدت عويصة وهي إن الحكم قد يثبت بالإمارة ويشكّ في بقائه ويراد استصحابه، فلولا أن نقول: بأنّ الإمارة يقين تعبّدي لم يجر الاستصحاب لذلك الحكم، وهنا عندما قلنا إنّ الإمارة يقين تعبدي زالت هذه المشكلة فإنّ اليقين التعبدي لا ينقض بالشك ويجري الاستصحاب لكل حكم يثبت بالإمارة وشكّ في بقائه.


[1] () فوائد الأصول 1 : 33 و3 : 21.
[2] () راجع الكفاية 263 و264 وأنوار الهداية 1 : 106.
[3] () راجع دروس في علم الأصول، الحلقة الثالثة، القسم الأول 56: وذكر في دروس في علم الأصول الحلقة الثانية 57 (فعلى هذا يكون دليل الحجيّة حاكماً على دليل الحكم الشرعي المترتب على القطع لأنه يوجد فرداً جعلّياً وتعبديّاً لموضوعه فيسري إليه حكمه فنفس أدلة اعتبار الإمارات تكفي في قيامها مقام القطع الموضوعي الطريقي.
[4] الحر العاملي في الفوائد الطوسية:454.
[5] غاية المأمول من علم الأصول 2: 50 51.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo