< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

32/11/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع:

قاعدة: قيام الإمارات والأصول مقام القطع الموضوعي والطريقي
 والثانية: كونه متعلقاً بالغير وكاشفاً عنه، وحينئذٍ قد يكون القطع مأخوذاً في الموضوع بلحاظ الجهة الأولى ويسمى بالقطع الموضوعي الصفتي، وقد يكون مأخوذاً في الموضوع بملاحظة الجهة الثانية ويسمى بالقطع الموضوعي الطريقي( [1] ), وهذا القطع الموضوعي الطريقي قد يكون جزء الموضوع بمعنى أن يكون القطع طريقاً وكاشفاً ومطابقاً للواقع لأنّ القطع جهة انكشاف للواقع، وقد يؤخذ على نحو تمام الموضوع سواء طابق الواقع ام لأنّ هذا ممكن وواقع مثل الفتوى التي لا بدّ أن تكون عن علم ولكنّه قد لا تطابق الواقع إذ في القطع جهة انكشاف المعلوم وظهوره من حيث كونه انكشافا وظهوراً، إذن تبيّن أن القطع الموضوعي يكون على أربعة أقسام:
 1ـ قطع موضوعي صفتي على نحو تمام الموضوع.
 2ـ قطع موضوعي صفتي على نحو جزء الموضوع.
 3ـ قطع موضوعي طريقي على نحو جزء الموضوع فيما إذا انكشف الواقع.
 4ـ قطع موضوعي طريقي على نحو تمام الموضوع سواء طابق الواقع أم لا، لأنّ المنظور فيه هو انكشاف المعلوم وظهوره من ناحية كونه انكشافاً وظهوراً.
 فالدليل إذا كان قطعيّاً فهو يفي بما يقتضيه القطع الطريقي من منجزيّة ومعذريّة، لأنه يوجد القطع في نفس المكلف بالحكم الشرعي، كما أنه يفي بما يترتب على القطع الموضوعي من أحكام شرعية مطلقاً، لأن هذه الأحكام قد تحقق موضوعها وجداناً.
 وأما الدليل غير القطعي (أي الإمارة) فهو يفي بما يقتضيه القطع الطريقي من منجزيّة ومعذريّة فالإمارة حجة شرعاً، إذا دلت على ثبوت التكليف كانت منجّزة له، وإذا دلت على نفي التكليف كانت معذِّرة عنه، وهذا معناه قيام الإمارة مقام القطع الطريقي، وإذا خالف المكلّف الإمارة يكون متجريّاً (إن كانت الإمارة غير مطابقة للواقع وانكشف ذلك) تجري عليه أحكام التجريّ وآثاره, أمّا إذا كانت الإمارة مطابقة للواقع فيعدّ عاصياً.
 ولكن هل تفي الإمارة ـ بدليل حجتيهاـ بالقيام مقام القطع الموضوعي؟
 فقد وقع فيه الكلام والبحث بين الأصوليين، فلو قال المولى: (كلما قطعت بأنه خمر فأرقه) وقامت الإمارة الحجة شرعاً على أن هذا خمرٌ، ولم يحصل القطع بذلك، فهل (يترتب وجوب الإراقة على هذه الإمارة كما يترتب على القطع أم لا)( [2]
 ونفس البحث وقع في قيام الأصول العملية مقام القطع.
 والمشهور أن الإمارات تقوم مقام القطع الطريقي والقطع الموضوعي المأخوذ على نحو الطريقية دون المأخوذ على نحو الصفتية. وأما الأصول العملية ففيها تفصيل كما سيأتي( [3] ).
 مستند القاعدة:
 الكلام في مستند القاعدة يقع في مقامين: ( [4] )
 المقام الأول: قيام الإمارات مقام القطع: والبحث يتم في ثلاث نقاط:
 النقطة الأولى: قيام الإمارات مقام القطع الطريقي المحض.
 ذكر السيد الخوئي (قدس سره) فقال: «لا إشكال في قيام الإمارات مقام القطع الطريقي بنفس أدلة اعتبارها وحجيتها فتترتب عليها الآثار المترتبة عليه من التنجيز عند المطابقة والتعذير عند المخالفة»( [5] ). فان المتيقن من دليل حجية الإمارات والغاية منه هو قيام الإمارة مقام القطع الطريقي المحض، لأن دليل حجية الإمارة إما يكون بتنزيل الظن الخبري مثلاً منزلة العلم، أو يكون بتوسيع البيان الوارد من الشارع لما يشمل البيان الواقعي والظاهري (الوجداني والتعبدي) فعند قيام الإمارة يتحقق فرد من البيان الشرعي حقيقة، وحينئذٍ يرتفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، أو يكون الخطاب الظاهري (الإمارة) مبرزة لاهتمام المولى بالأحكام الواقعية [6] .
 وخلاصة كل ما تقدم هو: أنّ دليل حجية الإمارة دالّ على ترتيب آثار الواقع على الإمارة وإلغاء احتمال الخلاف، فالشارع لم يجعل في دليل الإمارة إلّا الطريقية الظاهرية لدليل الإمارة كطريق القطع لو انكشف خطاء القطع إذ لا يترتب عليه أثر أصلاً.
 ولكن الإمام الخميني (قدس سره) قد أشكل على قيام الإمارات مقام القطع الطريقي المحض فقال: «ان قيام الإمارات مقام القطع الطريقي المحض لا معنى له، لأن الإمارات المتداولة على ألِسنة أصحابنا المحققين كلها من الإمارات العقلائية التي يعمل بها العقلاء في معاملاتهم وسياساتهم وجميع أمورهم بحيث لو ردع الشارع عن العمل بها لاختل نظام المجتمع، وما هذا حاله لا معنى لجعل الحجية له وجعله كاشفاً محرزاً للواقع بعد كونه كذلك عند كافة العقلاء. بل لا دليل على حجيتها بحيث يمكن الركون إليه إلا بناء العقلاء وإنّما الشارع عمل بها كأنه أحد العقلاء، وليس وجه بناء العقلاء بالعمل بها تنزيل المؤدى منزلة الواقع، ولا تنزيل الظن منزلة القطع، ولا إعطاء جهة الكاشفية والطريقية، أو تتميم الكشف لها، بل لهم طرق معتبرة يعملون بها في معاملاتهم وسياساتهم من غير تنزيل واحد مقام الآخر، ومن ذلك يعلم أن عمل العقلاء بالطرق المتداولة مثل الظواهر وخبر الثقة وأصالة الصحة في فعل الغير ليس من باب قيامها مقام العلم، بل من باب العمل بها مستقلاً.
 نعم القطع طريق عقلي مقدّم على الطرق العقلائية، والعقلاء إنّما يعملون بها عند فقد القطع، وذلك لا يلزم أن يكون عملهم بها من باب قيامها مقامه حتى يكون الطريق منحصراً بالقطع عندهم ويكون العمل بغيره بعناية التنزيل والقيام مقامَه»( [7] ).
 أقول: ان ما ذكره الإمام الخميني من أن العقلاء يعملون بالإمارات عند فقد القطع بالواقع صحيح، إلا أن الشارع المقدس عندما أقرَّ بعض الطرق العقلائية (ونهى عن بعضها الآخر وهي كثيرة) ( [8] ) فذلك يعني أنه اعتبر الإمارات طريقاً للواقع عند فقد الواقع فهي منجّزة ومعذِّرة، كما أن العِلم كذلك، وهذا هو معنى قيام الإمارات مقام القطع الطريقي المحض إذ لا يريدون من ذلك إلا ترتيب أثر القطع الطريقي على ما قامت عليه الإمارة، وإلا فلا يمكن أن تكون الإمارة علماً وقطعاً بالواقع حتى مع إلغاء احتمال الخلاف فيها.


[1] () مصباح الأصول 2 : 32-33.
[2] () راجع دروس في علم الأصول 2: 35-36.
[3] () مصباح الأصول 2: 35-36.
[4] () البحث هنا يختص بنفس دليل اعتبار الإمارة، فهل هذا الدليل يجعل الإمارة قائمة مقام القطع الطريقي المحض أو الموضوعي الطريقي أو الموضوعي الصفتي.أما إذا دلّ دليل على ذلك فلا إشكال في قيام الإمارة مقام القطع، لأنّ الشارع بيده موضوعات أحكامه فلا يحقّ لأحد الاعتراض عليه.
[5] () المصدر نفسه 2: 35.
[6] () وقد استبعدنا القول القائل بأنّ دليل حجية الإمارة هو جعل وتنزيل المؤدّى منزلة الواقع، وهذا هو تصويب المعتزلة القائلين بأنّ لله أحكاماً واقعية ما لم تقم إمارة على خلافها فيغيّر الحكم الواقعي ويجعل على طبق الإمارة القائمة، على أنّ مؤدّى الإمارة ليس حكماً واقعياً، بل هو حكم ظاهري عند عدم حصولنا على الحكم الواقعي وليس هناك دليل من أدلة حجية الامارات يدل على جعل المؤدّ، وقوله (عليه السلام): «العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان» وسائل الشيعة27: 138/ ليس المراد منه جعل المؤدّى أصلاً، وإنّما معناه: إن الشكّ الذي يأتي من روايتهما يجب الغاءه لأنّه عني، فرتّب آثار القطع عليه ظاهراً لا واقعاً.
[7] () راجع أنوار الهداية 1: 105-107.
[8] () منها النهي عن بيع الغرر لصورة ما إذا عرفنا مقدار المبيع بعد البيع الجزافي، والنهي عن بيع الموزون أو المكيل مع جنسه متفاضلاً وكان أحدهما رديئاً والآخر جيداً، أو نسيئة، والنهي عن الزواج والطلاق إلا بألفاظ معينة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo