< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

32/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: كفاية العلم الإجمالي في الامتثال
 الألفاظ الأخرى للقاعدة:
 سقوط التكليف بالامتثال الإجمالي.
  سقوط التكليف بالعلم الإجمالي والموافقة على سبيل الأجمال والاحتياط.
 الاكتفاء بالامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي [1]
  [2] .توضيح القاعدة:بعد الانتهاء من منجزّية العلم الإجمالي بحث الأصوليون في أنه: هل يُكتفى بالعلم الإجمالي في مقام الفراغ عن عهدة التكليف الثابت في الذمة أو لا يكتفى به بل لابد من تحصيل العلم التفصيلي بالامتثال؟والمقصود بالامتثال الإجمالي: هو أن يحتاط المكلف ويأتي بكل ما يحتمل امتثال التكليف به ودخله في مرحلة الامتثال، فيصلي مثلاً مرتين في ثوبين مشتبهين في نجاسة أحدهما مع إمكان معرفة الثوب الطاهر بشخصه والصلاة فيه، اما إذا كان الامتثال التفصيلي غير ممكن أصلاً فحينئذٍ يجوز بل يجب الامتثال الإجمالي وذلك لعدم وجود قدرة على الامتثال التفصيلي ووجود قدرة على الامتثال الإجمالي.
 مستند القاعدة:
 ان التكليف الذي يوافقه المكلف إجمالاً إما أن يكون توصلّياً أو تعبديّاً، وكل منهما إما أن يحتاج في مقام العلم بالفراغ إلى تكرار العمل أو لا يحتاج إلى التكرار.فان كان التكليف توصليّاً فلا إشكال في الاكتفاء بالعلم الإجمالي بالامتثال مطلقاً سواء كان يلزم منه التكرار أم لا، لأن العلم الإجمالي بحصول الواجب يوجب العلم بحصول الغرض لأن مقتضى كونه توصليّاً أن يكون وجود الواجب مطلقاً علّة تامة لحصول الغرض، فإذا علم بحصول الغرض فيعلم بسقوط الأمر ( [3]
  [5] ).وذلك كما إذا احتاط في تطهير المتنجس بالغسل مرتين لشكّه في أنه هل يطهر بالغسل مرة واحدة أو يعتبر فيه التعدد، وكما إذا شك المكلف في أن الطلاق هل يجوز أن يكون بالجملة الفعلية كبقية الصيغ بأن يقول (طلقتُك) أو أنه لابدّ أن يكون بالجملة الاسمية بأن يقول (أنت طالق) أو (زوجتي طالق) فلا مانع من أن يجمع بين الصيغتين ويحتاط بالتكرار ( [6] ). ومن جزئيات المسألة صحة الطلاق عند جماعة يعلم بوجود عدلين فيها ولا عرفان تفصيلاً ( [7] ).وان كان التكليف تعبدياً: فلا إشكال في أجزاء الامتثال الإجمالي مع تعذّر لامتثال التفصيلي، لأن التكليف لا يسقط إذا لم يمكن امتثاله تفصيلاً، فيصار إلى الامتثال الإجمالي.إنّما الكلام في أجزاء الامتثال الإجمالي في التعبدي مع إمكان الامتثال التفصيلي( [8] )؟ووجه الإشكال للمنع هو أحد إشكالات ثلاثة: الأول: ان يدعى وجود شرط في العبادات متوقف على الامتثال التفصيلي، بحيث لو لم يحصل الامتثال التفصيلي لم يتحقق ذلك الشرط فيبطل العمل لفقدان شرط العبادة. وهذا هو الذي ذكره المحقق النائيني فقال ما حاصله: ان العبادة يجب عقلاً إتيانها بعنوان حسن متقرِّباً إلى الله تعالى، لأن هذا هو معنى العبودية لله، وهو أمر مفروغ عنه في باب العبادات، وأما إذا جئنا بالامتثال الإجمالي للعبادة مع التمكن من التفصيلي لا يحكم العقل بحسن الامتثال. أقول: 1ـ لم يذكر المحقق النائيني ـ في فوائد أصوله ـ دليلاً على هذا الشرط في العبادات سوى معنى العبودية والمفروغية عن هذا الشرط. 2ـ نحن ندعي أن الانقياد لله في الامتثال الإجمالي وحسنه العقلي عند العرف كالانقياد لله في الامتثال التفصيلي لو لم يكن أقوى منه، إذ كل امتثال من أجل الله تعالى يكون بملاك الطاعة والانقياد والتعظيم، والعقل يحكم بحسنه جزماً.أقول: لقد ذكر السيد الخوئي (قده) في تقريرات بعض تلامذته إقامة البرهان على دعوى الميرزا فقال: «إنّ الميرزا النائيني ذهب إلى عدم الاحتياط في المقام مع التمكن من المعرفة تفصيلاً لأنّه زعم أنّ التحرك عن إرادة المولى مقدّم في مقام الامتثال على التحرك عن احتمال الإرادة، وزعم أنّ العقل قاض بذلك مع أنّ وجوب الإطاعة للواجبات عقلّي لا شرعي، وحينئذٍ فإذا شُكّ في كيفية الاطاعة عقلا ينبغي أن يؤتى بكلّ ما يمكن اعتباره في الاطاعة التي هي حكم عقلي يستقل بهاالعقل، وحينئذٍ ففي المقام يحتمل دخل معرفة الواجب تفصيلاً في الامتثال والاطاعة عقلاً، فلا بدّ من الاتيان به تفصيلا ولا يكفي الاتيان به رجاء أصلاً».ثمّ ناقش هذا الدليل فقال بـ: «منع كون التحرّك عن الإرادة مقدّم على التحرّك عن احتمالها، بل هما سواء وذلك من جهة أنّ الإطاعة وإن كانت الثاني: أن يقال ان الواجبات العبادية مقيّدة بشرط التمييز. وهذا الشرط متوقف على إتيان العبادة بعنوان تفصيلي مع التمكن منه. وهذا هو بحث فقهي يؤول إلى وجود شرط شرعي في العبادات يقول بان الاحتياط لا يمكنه إتيان العبادة بقصد الوجه متميزاً عن غيرها، وان أياً منهما واجب وأيهما غير واجب.ويرد عليه: أنه لا دليل على هذا الشرط الشرعي إلا الإجماع المدّعي، والإجماع كما ترى في هذا الشرط غير المعنون إلا في كلمات المتأخرين، والمعتبر في العبادة أن يكون الداعي إليها العلم بإرادة الآمر لا غير وأما معرفة كون البعث إلزامياً أو غير إلزامي فلا دخل لها في العبادة عند العقل والعقلاء والشرع.قال المحقق الحلي في محكي المدارك عن بعض تحقيقاته: (والذي يظهر لي أن نيّة الوجوب والندب ليست شرطاً في صحة الطهارة، وإنّما يفتقر الوجوب إلى نيّة القربة، وهو اختيار الشيخ أبي جعفر الطوسي في النهاية، وان الإخلال بنيّة الوجوب ليس مؤثراً في بطلانه، ولا إضافتها مضرة ولو كانت غير مطابقة لحال الوضوء في وجوبه أو ندبه) وقد استجوده في المدارك ( [9] ).وان قيل ان نفس احتمال اعتبار هذا الشرط كافٍ في إتيان العبادة بالعنوان التفصيلي مع التمكن، فيرد عليه ان هذا الاحتمال للشرط يكوم مجرى لاصالة البراءة الشرعية، ولو كان شرطاً عقلياً محتملاً (كما قيل) فيكفي أن يكون مجرى للبراءة العقلية (قبح العقاب بلا بيان). الثالث: أن يقال ان العقل يحكم بقبح الامتثال الإجمالي مع إمكان التفصيلي، لأن الامتثال الإجمالي يحتوي على تكرار العمل مع إمكان الامتثال التفصيلي، وتكرار العمل هنا يكون لعباً بأمر المولى وهو قبيح وحرام شرعاً وهذا ينافي التقرب لله تعالى.
 ويرد عليه: 1ـ ان هذا الوجه يختص بالامتثال الإجمالي الذي فيه تكرار للعمل ولا يشمل الامتثال الإجمالي الذي ليس فيه تكرار للعمل. 2ـ النقض بالواجبات التوصلية، فان الامتثال الإجمالي إذا كان لعباً بأمر المولى ومحرماً فسوف لا يقع مصداقاً للواجب ولا يكون مجزياً عن الأمر ولو كان توصليا، لان الواجب يتقيّد بغير الحرام قطعاً، وأجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج إلى دليل خاص. ولكن هذا لا يلتزم به أحد مما يكشف عن بطلان هذا الوجه.ثمّ ناقش هذا الدليل فقال بـ: «منع كون التحرّك عن الإرادة مقدّم على التحرّك عن احتمالها، بل هما سواء» وسيأتي بيانه غداً


[1] أقول: يمكن أن يجري هذا الكلام في الاحتياط مع احتمال التكليف، كما لو احتمل وجوب صلاة العيد فأتى بها من دون فحص يُستكشف به الحال مع التمكن من الفحص واستكشاف الحال.
[2] فقد يقال بعدم المشروعية للاحتياط، والصحيح هو المشروعية، ولعل وجهه يتضح من بيان قاعدتنا وبطلان الوجوه التي ذكرت لعدم إمكان الامتثال الجمالي فلاحظ.
[3] () حقائق الأصول 1: 55. وفوائد الأصول 3 : 66.
[4] أقول: وبعبارة أخرى: إنّ المقصود من الواجبات التوصليّة هو صرف حصولها في الخارج وكذا الأمر بالنسبة إلى الأمور الوضعية كالشرطية « نحو شرطية التوجه إلى القبلة في الصلاة، وشرطية رضا المالك بالنقل والانتقال».نعم، قد يستشكل في الأمور الوضعية الموقوفة على إنشاء صيغة من جهة أنّ قصد الإنشاء يُفقد حيث لا يُعلم به تفصيلاً، واعتبار قصد الإنشاء ممّا لا بدّ منه في وقوع العقد صحيحاً.
[5] والجواب: إنّ الإنشاء سهل المؤونة، وقصد الإنشاء موجود في نفس المنشئ حتّى وإن كان أحد الإنشائين.
[6] () التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 67.
[7] () حاشية الرسائل للمولى رحمة الله 14.
[8] () ان الامتثال الإجمالي مرة يكون مستلزماً للتكرار كما إذا ترددت القبلة بين جهتين فيصلي إليهما مع التمكن من تحصيل العلم بالقبلة، ومرة لا يكون مستلزماً للتكرار كما إذا تردد أمر عبادة بين لأقل والأكثر فأُتي بها بكل ما يحتمل أن يكون جزءً لها.
[9] () بحر الفرائد للإشتياني حاشية رسائل الشيخ الأنصاري.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo