< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/10/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التجري.

 ثمّ إنّ السيد الشهيد الصدر (قدس سره) في كتابه الفتاوى الواضح بإنّ مصدر الفتوى هو اثنان قال: (وهي كما ذكرنا في مستهل الحديث عبارة عن الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة بامتدادها المتمثل في سنة الأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) باعتبارهم أحد الثقلين الذين أمر النبي ( ص ) بالتمسك بهما... وأما ما يسمى بالدليل العقلي الذي اختلف المجتهدون والمحدثون في أنه هل يسوغ العمل به أو لا فنحن وان كنا نؤمن بأنه يسوغ العمل به ولكنا لم نجد حكما واحدا يتوقف إثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى بل كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة)[1] , فإن كان مراده كل دليل عقلي حتّى التجرّي الذي ثبتت حرمته وقبحه وعقابه بالدليل العقلي، فلا بدّ أن يحكم الشرع بحرمته، فقد استدل هو (قدس سره) في تقريرات بحثه على عدم وجود دليل شرعي على حرمة التجري رغم وجود الدليل العقلي على حرمته، إلّا أن يدعي أنّ الفتاوى التي ذكرها في كتابه من الأدلّة العقلية على حرمة شيء فيها دليل شرعي أمّا التجرّي فلم يذكره.

ثمرة التجرّي:

 ذكر المحقّق العراقي إنّ ثمرة القول بقبح التجرّي تظهر في العبادات فيما إذا تنجّز على المكلّف حرمة عبادة ما كصلاة الجمعة أو صوم يوم العيد بالحرمة الذاتية مثلاً ومع ذلك جاء بها المكلّف برجاء صحتّها وعدم حرمتها ثم انكشف عدم حرمتها، فبناء على قبح التجرّي لا يقع الفعل صحيحاً بل باطلاً، لعدم إمكان التقرّب بالقبيح، وإن لم يكن محرّماً شرعاً، وأمّا بناء على عدم قبح التجرّي فتقع صلاته صحيحة ومجزية على مبنى الشيخ الأنصاري الذي لا يرى في التجرّي قبحاً فعليّاً.

 ولكن ناقش الشهيد الصدر هذه الثمرة فقال: (إنّ الفعل العبادي يقع باطلاً على كلّ تقدير لأنّ المقصود من التقرّب والإتيان بالفعل من أجل المولى أن يفعله بداعي المولى... ومع فرض تنجّز الحرمة عليه كيف يتأتّى للمكلف أن يأتي بالفعل بداعي المولى, فهذه الثمرة غير كافية)[2] .

الملاحظة الثانية:

 بحث علماء الأصول: ان القطع بالتكليف كما يستدعي الموافقة العملية، فهل يستدعي الموافقة الالتزامية (التي هي عمل اختياري قلبي بمعنى عقد القلب وخضوع الجنان للحكم الشرعي) أم لا؟

الجواب: ما المراد من الموافقة الالتزامية؟

 فإن أريد بها تصديق النبيّ (ص) بما جاء به والإذعان بما أمر به فهذا لا يختصّ بالأحكام الالزامية، بل لا يخصّ مطلق الأحكام إذ يجب تصديق النبيّ (ص) حتّى في إخباراته الخارجة عن الأحكام.

 وإن كان المراد بها عقد القلب على وجوب العمل الواجب وحرمة المجرّم بمعنى أنّ دليل الواجب دالّ على لزوم عملين: أحدهما خارجيّ والآخر جانحي فبموافقتهما يحصل على ثوابين وبمخالفتهما يحصل على عقابين وبامتثال أحدهما وعصيان الآخر ثواب للممتثل وعقاب للمتمرد فهذا لا دليل عليه أصلاً، وذلك: (لشهادة الوجدان - الحاكم في باب الإطاعة والعصيان - بذلك، واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لأمر سيده إلا المثوبة، دون العقوبة ولو لم يكن مسلّماً وملتزماً به ومعتقداً ومنقاداً له. وإن كان ذلك يوجب تنقيصه وانحطاط درجته لدى سيده لعدم اتصافه بما يليق أن يتصف به العبد من الاعتقاد بأحكام مولاه والانقياد لها وهذا غير استحقاق العقوبة على مخالفته لأمره أو نهيه التزاماً مع موافقته عملاً) ([3] ).

 وأمثلة عدم وجود الموافقة الالتزامية ووجود المخالفة الالتزامية مثل عدم عقد القلب على احترام السادة بأجمعهم تكريماً لرسول الله (ص) وعدم عقد القلب على وجوب السعي أو الوقوف بعرفات أو المبيت بالمزدلفة مع احترامه للسادة ومجيئه بالسعي ويقف بعرفات ويبيت بالمزدلفة, ومثل عدم عقد القلب على وجوب النحر يوم العاشر مع مجيئه به.

التطبيقات:

 1ـ قال الشيخ الأنصاري (قدس سره) (لا إشكال في وجوب متابعة القطع والعمل عليه مادام موجوداً) وقد علل ذلك بقوله: (لأنه بنفسه طريق إلى الواقع وليست طريقيته قابلة لجعل الشارع إثباتاً ونفياً) ([4] ) فالقطع الحاصل لكل مكلف بحكم شرعي حجة عليه (ومنجّز للحكم عند الإصابة بحيث يستحق العقاب عليه، ومعذِّر عند الخطأ بحيث يكون مؤمِّناً عنه).

 2 ـ قال الشيخ الأنصاري أيضاً: (الحقّ أن الكفار مكلفون بالفروع ومعاقبون عليها، إلا أن أكثرهم - إلا ما قلّ وندر - جهّال قاصرون لا مقصرون. أما عوامهم فظاهر، لعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم، بل هم قاطعون بصحة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب نظير عوام المسلمين... والقاطع معذور في متابعة قطعه ولا يكون عاصياً وآثماً، ولا تصح عقوبته في متابعته. وأما غير عوامهم فالغالب فيهم أنه بواسطة التلقينات منهم أوّل الطفولية والنشوء في محيط الكفر صاروا جازمين ومعتقدين بمذاهبهم الباطلة، بحيث كل ما ورد على خلافها ردّوها بعقولهم المجبولة على خلاف الحق من بدء نشؤهم) ([5] ).

أقول: إن كان مراده الحرمة الشرعية فهو قد انتهى في بحثه الأصولي إلى عدم الحرمة الشرعية، بل لا يمكن النهي الشرعي مع وجود النهي الفعلي.

 3ـ قال السيد الخوئي: (نسب إلى بعضهم الحكم بفسق من ترك تعلم مسائل الشك والسهو في الصلاة: وهذه الفتيا يحتمل استنادها إلى أحد أمور: منها: أن ترك تعلم المسائل المذكورة مع العلم بالابتلاء بها أو احتماله من أظهر مصاديق التجري على المولى سبحانه، لكشفه عن أنه غير معتنٍ بأحكام الله وتكاليفه ولا مبالٍ بأوامره ونواهيه، والتجري مضافاً إلى أنه موجب لاستحقاق العقاب عليه من المحرمات في الشريعة) ([6] ).

 4 ـ ذكر الشيخ الأنصاري (قدس سره) في مسألة الاكتساب بما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة: ان الحكم بحرمة الإتيان بشرط الحرام توصلاً إليه قد يمنع إلا من حيث صدق التجري([7] ).

[1] الفتاوى الواضحة: 15.

[2] بحوث في علم الأصول 4: 67.

[3] () كفاية الأصول 308.

[4] () راجع أصول المظفر، ج 3: 21.

[5] () المكاسب الحرمة للإمام الخميني1 : 133.

[6] () التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 : 301.

[7] () المكاسب المحرمة 1: 138.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo