< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/10/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التجري.

أمّا البحث الفقهي: فهو هل يكون هذا القبح العقلائي أو العقلي ملازماً للقبح الشرعي فيكون التجري حراماً شرعاً؟

 بعد أن ثبت كون الفعل المتجرى به قبيحاً عقلا (من البحث الكلامي) و( البحث الأصولي), فهل يُحكم بحرمته شرعاً أم لا؟

 الصحيح هو عدم الحرمة شرعاً للفعل المتجرى به, لعدم الدليل عليها من الشارع المقدس, فلو قيل لنا: توجد قاعدة تدلّ على ثبوت الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع, وهي قاعدة (كلّما حكم به العقل حكم به الشرع), فلماذا لم تطبّق هذه القاعدة هنا بعد أن حكم العقل بقبح الفعل المتجرى به؟

والجواب: قال السيد الخوئي (قدس سره): (إنّ هذه القاعدة تصحّ في إدراك العقل لمصلحة في فعل أو مفسدة فيه وهذه المصلحة والمفسدة المدركة بالعقل علمنا أنّها في مرتبة عِلَل الأحكام الشرعية (كقبح الكذب, وقبح أكل مال الغير وغصبه) فهنا يقال: (كل ما حكم به العقل من مصلحة تكون في عِلَل الأحكام الشرعية حكم به الشرع بالوجوب, وكذا كلّ ما حكم به العقل من مفسدة تكون في عِلَل الأحكام الشرعية حكم الشرع بالحرمة, لأنّ المصلحة الواقعية لا تنفك عن حكم شرعي آمر بها, فيحكم الشرع بالملازمة بين حكم العقل والشرع).

أمّا إذا كان عندنا فعل حكم العقل بحسنه (في مرحلة الامتثال) أو حكم العقل بقبحه (في مرحلة الامتثال), بمعنى أنّ العقل أدرك حسن الفعل في مرحلة الامتثال أو قبح الفعل في مرحلة الامتثال, فهنا لا ملازمة بين هذا الحكم العقلي وحكم الشرع, لأنّ هذه المدركات هي في مرتبة معلولات الأحكام الشرعية[1] .

أقول: هنا لو أدرك العقل المصلحة الواقعية للحكم وأدرك عدم المانع فيها فقال السيد الخوئي: لابدّ حينئذ من الالتزام بالحكم الشرعي, فيكون الانتقال إلى الحكم الشرعي انتقال من العلة إلى المعلول أي من المصلحة إلى معلولها وهو الحكم[2] .

أقول: هل أنّ العقل يدرك مصالح الأحكام الواقعية؟

الجواب: قد يقال: إنّه قاصر عن إدراكها, ولو أدركها فإنّه لا يدرك عدم اقترانها بالمانع, وعلى هذا فلا يمكن أن نقول: إذا أدرك العقل المصلحة للفعل فلابدّ أن يحكم الشارع بالوجوب, أو إذا أدرك العقل مفسدة الفعل فلابدّ أن يحكم الشارع بالحرمة لأنّ العقل والعقلاء يشخّصون مصالح نظامهم ولا يدركون المصالح الواقعية بحيث يدركون عدم اقترانها بالمانع, والشارع خارج عن دائرة نظام البشر, فأيّ ملزم لأن يكون الشارع تابعا لهم[3] ؟!

ثم قال السيّد الخوئي(قدس سره):

(بل لا يمكن أن يحكم الشارع هنا, لأنّ حكمه سيكون لغواً, وذلك لأنّ الحكم الأولي العقلي إن كان كافياً فلا حاجة إلى الحكم الثاني الشرعي, وإن لم يكن الحكم الأولي العقلي كافيا فلا ينفع الحكم الثاني الشرعي لأنّه لا يزيد على الحكم الأوّل)[4] .

أقول: نحن ندعي عدم وجود دليل على أن يحكم الشارع على وفق حكم العقل البشري بحسن فعل أو قبح فعل بحيث يتبع الشارع حكم العقل بالحسن والقبح في مرحلة الامتثال بالضرورة, لأنّ هذا غير ممتنع وذلك:

 لأن الشارع إذا كان يهتم بحفظ ملاك معيّن بأكثر ممّا يقتضيه الحسن والقبح العقليين من الحفظ للحكم, وكان يحصل ذلك الاهتمام بجعل من الشارع فيمكن أن نستكشف حكماً شرعياً في مورد الحكم العقلي من غير فرق بين أن يكون حكم العقل في مرتبة عِلَل الأحكام أو في سلسلة معلولات الأحكام.

 إذن في مسألة التجري يمكن للشارع أن يجعل خطابا تحريمياً له لكي يحفظ لأحكامه الواقعية التي يهتمّ بها بمرتبة أخرى غير حكم العقل, فإنّ المكلّف إذا علم بحرمة التجري عليه عقلاً وشرعً فقد يرتدع ولا يقدم على الحرام فإن تحرك المكلّف للارتداع مختلف فقد يكون خطاب المولى له درجات فيرتدع المكلف عن الدرجة العالية الموجبة للعلم بالتكليف ولا يرتدع إذا كان الحطاب مضنون التكليف, فهنا أيضاً كذلك إذ يرتدع إذا ثبت التحريم عقلاً وشرعاً ولا يرتدع إذا ثبت بأحدهما , ولكن المهم إنّه لا يوجد دليل شرعي على تحريم التجري[5] .

[1] غاية المأمول 2: 28.

[2] غاية المأمول 2: 29.

[3] بحوث في علم الأصول 4: 58.

[4] غاية المأمول2: 29.

[5] بحوث في علم الأصول 4: 58 و62.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo