< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/06/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حمل المطلق على المقيد

تنبيه: منشأ الشمولية والبدلية:

إن قلت: الأمر بإيجاد المتعلق يكفي أن يكون فيه الإطلاق بمرة واحدة على نحو البدلية لا الشمولية وعليه ففي مثل قولك يجب عليك الصدق أو اصدق يكون أمرا بإيجاد المتعلق ولكن على نحو الشمولية لا البدلية أي يجب الصدق في جميع الحالات, وعليه فتكون القاعدة منخرمة بذلك.

قلت: إن أصدق كصلي يكتفا به مرة واحدة ولكن حين عدم صدقه يكون هناك عنوان ثالث وهو الكذب (إن لم يكن هنا فرد ثالث وهو السكوت) يحاسب عليه بخلاف الصلاة فإنه إن لم يصلي لا يوجد عنوان ثالث يحاسب عليه.

قاعدة: حمل المطلق على المقيد

الألفاظ الأخرى للقاعدة:

 تقديم المقيد على المطلق

 الجمع بين المطلق والمقيد

 التقييد

توضيح القاعدة:

وهذا البحث وان كان يناسب باب التعارض إلا أن التعرض له هنا بصورة إجمالية يناسب بحث المطلق والمقيد أيضاً، فنقول: إذا ورد مطلق ومقيد متنافيان، (لا غير المتنافيين كقوله أكرم العالم وأكرم العالم العادل) وسواء كانا متوافقين أو متخالفين فإما أن يكون متصلاً أو منفصلاً وتوضيح ذلك:

أولاً: المطلق والمقيد المتصل: وهذا له أقسام:

 أ ـ أن يكون المقيد جزءاً لنفس جملة المطلق كما إذا قال: أعتق رقبة مؤمنة، وهنا لا إشكال في عدم انعقاد الإطلاق ذاتاً لورود الإطلاق مقيداً من أول الأمر, فهذا خارج عن محل الكلام.

 ب ـ أن يكون المقيد جملة مستقلة عن جملة المطلق ولكنه بلسان التقييد كما إذا قال: أعتق رقبة، ثم قال: ولتكن تلك الرقبة مؤمنة أو قال إياك أن تعتقها كافرة، فهنا أيضاً لا يثبت الإطلاق لأن ظاهر دليل التقييد هو الشرطية بالمؤمنة أو المانعية عن الكافرة، وهذه الجملة الثانية (الشرطية والمانعة) حاكمة على دليل المشروط, فهذا يكون داخلا في محل الكلام لوجود التعارض بين الإطلاق والتقييد.

إن قيل: إن هذا ليس من باب المطلق والمقيد, بل هو من باب الواجب في الواجب إذ يكون الأمر الأول (اعتق رقبة) مبين لواجب ذي مصلحة, والأمر الثاني (ولتكن تلك الرقبة مؤمنة) مبينا لواجب ذي مصلحة أخرى, كما فيمن نذر أن يصلي الظهر في المسجد, فصلاة الظهر واجبة بحد ذاتها وإيقاعها في السجد واجب آخر, لكن لو صلى في غير المسجد وجب عليه الصلاة في المسجد.

قلت: ظهور الدليلين المذكورين في التقييد أقوى من كونهما من الواجب في الواجب, لانسلاخ الأمر الثاني (ولتكن تلك الرقبة مؤمنة) عن المولوية وانعقاد ظهوره في الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية كصلي ولتكن صلاتك بفاتحة الكتاب أو بطهور أو في جلد غير مأكول اللحم.

 ح ـ أن يكون دليل المقيد جملة مستقلة ناهية مثل أعتق رقبة، ولا تعتق رقبة كافرة, فهنا لا إشكال في التقييد وعدم انعقاد الإطلاق, لأن المقيد يكون قرينة على المطلق فيفهم أن المراد عتق الرقبة المؤمنة (غير الكافرة)، وكذا لو قال: في الغنم زكاة وليس في المعلوفة زكاة, فيفهم منه أن الزكاة في الغنم السائمة (غير المعلوفة) فهو داخل في محل الكلام.

 د ـ أن يكون دليل المقيد جملة مستقلة آمره مثل اعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة مع استظهار وحدة الحكم في القضيتين، فهنا أيضا لا إشكال في لزوم تقييد المطلق لأن الحكم الواحد إما مطلق أو مقيّد.

كيف يمكن إحراز وحدة الحكم؟ قال المشهور بإحراز وحدة الحكم من خارج الدليلين والخطابين, وذهب السيد الخوئي والميرزا النائيني بإحراز الحكم من نفس لسان الدليلين لا من خارجهما, لأن ما عداه يكون خلاف الظهور, فإن التكليف واحد مستفاد من الإطلاق والتقييد (أي من نفس الدليلين) حيث يكون التقييد مبينا للإرادة الجدية من المطلق, فالإطلاق ليس المراد الجدي, والمقيد أحرز من أن يكون لبيان الفرد الأرجح, أما إذا احتملنا وجود تكليفين في المقام الأول للمطلق والثاني للمقيد كما في مثل قوله إذا ظاهرة فاعتق رقبة ثم قال: إذا ظاهرة فاعتق رقبة مؤمنة فهو خلاف الظاهر أولا وغير ممكن إثباتا, فإن المظاهر إن أعتق أولا الرقبة المؤمنة فهل يجب عليه أن يعتق مطلق الرقبة ثانية؟ فإنه لا يجب عليه ذلك إذ أن المؤمنة جامعة لمطلق الرقبة ولخصوص المؤمنة, ولو فرض عدم الإيمان في المطلقة كان على المولى البيان مع أن الأمر بعتق الرقبة مطلقا, نعم لو جاء في المطلق واعتق الرقبة الكافرة كان عليه أن يعتق رقبة مؤمنة أخرى, وهذا يدخل في الوجوب التخييري بين الأقل والأكثر وهو غير بحث المطلق والمقيد المتعارضان اللذان هي محل البحث.

نعم, لو أحرزنا تعدد التكليف كما في مثل قوله: إن ظاهرت فاعتق رقبة وإن أفطرت في شهر رمضان فاعتق رقبة مؤمنة فلا ريب في ظهور التكليف في التعدد لوجود الملاك في كلّ تكليف, وأحد الملاكين لا يكفي في تحصيل الملاك الآخر.

 وحمل المطلق على المقيد في هذه الموارد الثلاثة المتقدمة إنما هو للتنافي بين الوجوب التعييني لخصوص المقيد (اعتق رقبة مؤمنة) ووجوب المطلق المقتضي للترخيص في تطبيقه على غير تلك الحصة (الرقبة الكافرة) فإن طبق المطلق على الفرد الآخر (الكافرة) تعارض الدليلان إذ الأول يعين المؤمنة والثاني يخير بين المؤمنة والكافرة, فحصل التنافي بين الوجوب التعييني والوجوب الترخيصي في الحصة الأخرى, ولذلك حمل العلماء المطلق على المقيد.

ثانيا: المطلق والمقيد المنفصل:

 وهنا قد يكون بين المطلق والمقيد المنفصلين تنافٍ وتعارض:

 1ـ كما إذا كان المقيد المنفصل ناظراً إلى المطلق وشارحاً للمراد منه، فحينئذٍ يكون حال التقييد حال أدلة الشرطية والمانعية فيحصل تعارض بين دليل المطلق ودليل المقيد، إذ لا يعقل إطلاق المشروح مع العمل بالدليل الشارح, وهذا نفس الدليل الذي ذكرناه في الدليل المتصل.

 2ـ وكذا إذا كان المطلق والمقيد بنحو السلب والإيجاب كما في أكرم العالم ولا تكرم الفاسق فيحصل التنافي.

 وقد لا يكون بينهما تنافٍ وتعارض كما إذا ورد لا يجب إكرام العالم ثم قال: لا يجب إكرام الفقيه وكذا إذا قال أكرم العالم ثم قال أكرم العالم العادل، (إذا لم نقل بمفهوم الوصف) وأما لو قيل بمفهوم الوصف فيقع التنافي بينهما.

 ففي جميع هذه الموارد الخمسة يحمل المطلق على المقيد, ولا يحمل المقيد على الاستحباب.

دليل القاعدة:

 إذا تحقق التنافي بين المطلق والمقيد (بان لا يجتمع التكليف في المطلق مع التكليف في المقيد مع فرض المحافظة على ظهورهما معاً) كما لو قال الطبيب اشرب لبناً ثم يقول اشرب لبناً حلواً فظاهر الثاني يعين شرب اللبن الحلو وظاهر الأول جواز شرب اللبن غير الحلو حسب إطلاقه.

 فهنا إما أن نتصرف في ظهور المطلق بحمله على المقيد, أو نتصرف في المقيد على نحو لا ينافي الإطلاق بأن نحمله على الاستحباب أو على كونه أحد الأفراد فيبقى المطلق على إطلاقه. هذا ولكن القاعدة هنا تقتضي تقييد المطلق فلماذا؟

لماذا يقيد المطلق ولا يُتصرف في ظهور المقيد؟

 نقول: إذا بنينا على أن من مقدمات الحكمة عدم بيان القيد ولو منفصلاً، فهنا يتقدم المقيد ولو كان منفصلاً على المطلق ويسقط الإطلاق تخصصاً لا تخصيصاً نتيجة عدم تمام مقدمات الحكمة فلا يتم الإطلاق.

 وإذا بنينا على ما هو المشهور من أن من مقدمات الحكمة عدم القيد المتصل فقط فهنا ظهور الإطلاق تام ولكن تمامية هذا الإطلاق منوط بعدم القرينة على الخلاف، وبما أن المقيد هو اخص من المطلق فهو قرينة أو (محتمل القرينة) على خلاف الإطلاق عرفاً، فالإطلاق السابق لا يكون حجة لأنه لم يكن مراداً و جدّياً بقرينة المقيد. فيخصص الإطلاق بالمقيد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo