< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الاطلاق يستفاد من مقدمات الحكمة

أقسام الانصراف.

الثالث: قد ينشأ انصراف اللفظ المطلق إلى بعض مصاديق معناه لمناسبات عرفية وعقلائية فإنها قد توجب تقييد اللفظ المطلق كما إذا قال المولى (الماء مطهّر) فانه ينصرف إلى الماء الطاهر, لمركوزية عدم مطهرية النجس، فإن فاقد الشيء لا يعطيه, وكما في قول المولى أدفع الخمس إلى العالم فانه ينصرف إلى العادل لمركوزية عدم ائتمان غير العادل على حق السادات وحق الإمام (عجل الله فرجه) في مصرفهما، فلا يتحقق الإطلاق في هذه الصورة أيضاً.

 وقد يعبر عن هذا الانصراف بمتابعة غرض الشارع, وهذا الانصراف يولد ظهورا في اللفظ بأن المراد منه بعض معناه, وإلا فإن تمسكنا بإطلاق اللفظ فيلزم نقض غرض الشارع إذ لو كان الإطلاق في هذه الصورة حجة ومتبعاً فهو يعني أن المولى يريد إشاعة النجاسة لا النظافة وهو خلاف غرض الشارع وكذا في مسألة الخمس.

ذكر الشهيد الصدر إن الإطلاق ينقسم الى حكمي مقامي: وهما مختلفان اختلافاً جوهرياً وأساسياً وذلك:

 لأن التقييد المحتمل (المراد نفيه بالإطلاق الحكمي) على فرض ثبوته يكون قيداً في المراد من اللفظ وموجباً لضيق دائرة مدلول اللفظ كما إذا قال المولى (أكرم الفقير) واحتملنا أنه أراد الفقير العادل فان هذا الاحتمال إذا ثبت تضيقت الإرادة فيتضيق مدلول أكرم الفقير اللفظي، لذا فالإطلاق الحكمي هو ظهور حال كل متكلم ذكر كلاماً أنه في مقام بيان تمام موضوع الحكم المدلول بكلامه، فالإطلاق الحكمي هو نفي احتمال التقييد, وهذا ظهور عام ليس بحاجة إلى عناية خاصة.

 أما الإطلاق المقامي: فالتقييد المحتمل في مورد الإطلاق المقامي لا يكون قيداً في الكلام، بل هو مراد آخر زائد على المراد الأول «أي زائد على إرادة الإطلاق» المدلول عليه باللفظ، فهو صورة أخرى غير الصورة المدلول عليها باللفظ، كما إذا قال المولى ألا أعلمكم وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقالوا نعم، فذكر أنه غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين، فان هذا المراد يُستظهر منه عدم جزئية المضمضة والاستنشاق، لأن الوضوء الذي معه مضمضة واستنشاق هو صورة أخرى ومراد زائد على المراد الأول« غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين »، ولهذا فان الإطلاق المقامي يبتني على قرينة زائدة ومقام بيان خاص غير الكلام الذي تكلم به المتكلم، وهذه القرينة قد تكون لفظية (صريحة أو ظاهرة) كما في قوله إن وضوء رسول الله هو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين، فان هذا التحديد اللفظي بنفسه صريح أو ظاهر في أن وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تكون المضمضة والاستنشاق جزءً منه، وقد تكون القرينة غير لفظية بل ما يناسب شأن الشارع المقدس وذلك كما إذا فرضنا أن جزء الواجب ـ الذي يحتمل كونه قيداً ـ هو مما يُغفل عنه عادة فلو لم يتعرض له الشارع بنفسه لم يلتفت إليه عامة الناس, لأنه لا يخطر على الأذهان العاديّة، فهنا إذا سكت المولى عن هذا الجزء فينتفي احتمال دخل هذا الجزء في الواجب، كما إذا أمر المولى بالصلاة والصوم والحج وكان في مجموع خطاباته لم يذكر قصد الوجه «لوجه الله تعالى» والتمييز «كونها واجبة أو مستحبة» في أداء هذه الواجبات أو لم يذكر النيّة بالمعنى الذي عليه بعض الخواص من أخطار معنى الصلاة عند التكبير، فان عدم ذكر هذه في مجموع خطابات الشارع مع أن عامة الناس لا يلتفتون إليها يكون إطلاقاً مقامياً لعدم اعتبارها في العبادات([1] ).

أقول: لم يتضح لنا الفرق بين الإطلاقين, فإن نفي احتمال إرادة إكرام العادل (من قوله أكرم الفقير) بالإطلاق لكون المولى في مقام البيان ولم يقيد الإكرام بالعادل كما ذكره في الإطلاق الحكمي يمكن أن يتمسك به في المثال الثاني الذي ذكره للإطلاق المقامي من دون حاجة الى ضم الإطلاق المقامي إليه, فإن احتمال كون شيء جزء الواجب كالمضمضة ينفى بالإطلاق اللفظي, فيقال: إن المولى في مقام البيان ولو كان المضمضة والاستنشاق جزء الواجب لبينه فهنا أيضا يتمسك بالإطلاق اللفظي لنفي الاحتمال, فإنه قد تمت مقدمات الحكمة للإطلاق اللفظي من دون حاجة إلى قرينة أخرى ككونه في مقام التحديد مثلاً, وكذا يقال في الصلاة والصوم والحج و..., وكذا يقال في الصلاة والنية فإن المولى في مقام البيان ويمكنه تقييد الصلاة بقصد الوجه والتمييز أو تقييد النية بالداعي مثلا ولم يفعل فيتمسك بالإطلاق اللفظي ولا حاجة إلى ضم صور أخرى, فلا فرق بين الإطلاق اللفظي والمقامي, ولذا لم يذكره أكثر الأصوليين.

الإطلاق الشمولي والبدلي:

 لا إشكال في أن:

 1ـ الإطلاق قد يكون شمولياً كما في «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»[2] (أي كل بيع).

 2ـ وقد يكون الإطلاق بدلياً كما في اعتق رقبة (أي أيّ رقبة علي البدل).

 3ـ قد يكون الإطلاق في حكم واحد بلحاظ موضوعه شمولياً وبلحاظ متعلقه بدلياً كما في يجب إكرام العالم, فبلحاظ أفراد العالم يكون الحكم شمولياً ولكن بلحاظ أقسام الإكرام يكون الحكم بدلياً فيكفي إكرام واحد من أي نوع كان فلا يلزم تحقق كل أنواع الإكرام.

 4ـ وقد يكون الإطلاق في مورد بلحاظ المتعلق شمولياً كما في لا تكذب (أي يحرم عليك الكذب).

 وهنا قد يتساءل عن منشأ الشمولية والبدلية مع أن الدال على الإطلاق في تمام الموارد هو مقدمات الحكمة فلماذا تختلف نتيجة مقدمات الحكمة مع أن مقدمات الحكمة في الجميع واحدة؟

[1] () راجع بحوث في علم الأصول3: 432.

[2] البقرة: 275.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo