< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/06/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الاطلاق يستفاد من مقدمات الحكمة

 إن الإطلاق ليس وضعيّاً كألفاظ العموم, بل هو مستفاد من مقدمات الحكمة

 لا إشكال في أن الإطلاق في أسماء الأعلام بالنسبة إلى أحوالها يستفاد من مقدمات الحكمة. كما لا إشكال في أن الإطلاق في الجمل وما شابهها يكون بمقدمات الحكمة أيضاً. ولكن وقع الخلاف في إطلاق أسماء الأجناس «الذي دخلت عليه الألف واللام, أو كان من دون الألف واللام أو من دون تنوين التنكير» وما شابهها، فقد نسب إلى مشهور القدماء أنها موضوعة لمعانيها بما هي شائعة ومرسلة على نحو يكون الإرسال (الإطلاق) مأخوذاً في الموضوع له اللفظ فيكون العموم فيها وضعي, وليس من مقدمات الحكمة، ولكن سلطان العلماء ([1] ) ذكر أن أسماء الأجناس وما شابهها موضوعة لنفس المعاني بما هي، أما الإطلاق والشيوع فهو يستفاد من دالٍّ أخر وهو نفس تجرد اللفظ من القيد إذا كانت مقدمات الحكمة متوفرة فيه، وقد تابع سلطان العلماء جميع من تأخر عنه.

والصحيح ما ذهب إليه سلطان العلماء لأن لازم القول الأول باطل وهو أن يكون استعمال اللفظ في المقيد مجازاً بينما نرى نحن بوجداننا عدم المجازية إذ التقييد قد دل عليه بتعدد الدال والمدلول فلا مجازية في البين فقولك عنب أو عنب أسود كلاهما استعمالان حقيقيان وليس استعمال الثاني مجازا بالوجدان، وإذا بطل لازم القول الأول كان القول الأول باطلاً أيضاً، ولا حاجة إلى الاستدلال على صحة ما ذهب إليه سلطان العلماء بعد أن أطبق العلماء من بعده على الأخذ برأيه وبطلان لازم القول المخالف.

 ولكن إذا صح ما قاله سلطان العلماء: من أن الألفاظ موضوعة لذات المعاني لا للمعاني بما هي مطلقة فلابد في إثبات الإطلاق للفظ وتسرية الحكم إلى تمام الأفراد أو المصاديق من قرينة تجعل الكلام في نفسه ظاهراً في إرادة الإطلاق.

 وهذه القرينة هي قرينة عامة تحصل إذا توافرت جملة مقدمات تسمى مقدمات الحكمة وهي على التحقيق مقدمتان لا ثالث لهما:

الأولى: أن يكون المتكلم في مقام البيان, لا في مقام التشريع فقط أو في مقام الإهمال، فإنه لو كان في مقام التشريع أو الإهمال فلا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق, وذلك لأنه لو كان في مقام التشريع «بأن كان في مقام بيان الحكم (لا للعمل به فعلاً) أي لمجرد تشريع» فيجوز له أن لا يبين تمام مراده مع أن الحكم في الواقع مقيّد بقيد لم يذكره في بيانه انتظاراً لمجيء وقت العمل، وحينئذٍ لا يحرز أن المتكلم في صدد بيان جميع مراده حتى يقال إن اللفظ المطلق يراد منه الشيوع. وكذا لو كان المتكلم في مقام الإهمال فلا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق ولا في غيره, لأنه يريد إيهامنا بكلامه.

 وكذا لو كان المتكلم في بيان حكم أليف لا يثبت الحكم الثاني أو قل حكم باء, كما لو كان في بيان كون الفريسة التي صادها كلب الصيد ليست بميتة, بل هي مذكاة ولم يكن في مقام بيان طهارة مواضع الإمساك حينما يقول: «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ»[2] فلا ينعقد للكلام ظهور في طهارة مواضع إمساك كلب الصيد للفريسة لأنه لم يكن بهذا الصدد عند قوله فكلوا مما أمسكن فهو ليس في مقام البيان من هذه الناحية.

نعم لو شك في أن المتكلم هل هو في مقام البيان أو الإهمال، فان الأصل العقلائي القائل أن المتكلم ملتفت غير غافل، وجاد غير هازل, يقول أيضاً: أن المتكلم في مقام البيان والتفهيم لا الإهمال والإبهام, كما لو شك في ان العمومات القرآنية هل هي في مقام التشريع أو العمل, فالأصل العقلائي يقتضي كون عمومات القرآن في مقام العمل لا التشريع.

الثانية: أن لا ينصب المتكلم قرينة على التقييد لا متصلة ولا منفصلة مع قدرته على التقييد, حيث إنه مع القرينة المتصلة على التقييد لا ينعقد ظهور للكلام إلا في المقيّد، ومع القرينة المنفصلة على التقييد، فانه وإن انعقد ظهور للكلام في الإطلاق إلا أنه قد سقطت حجيته لقيام القرينة المنفصلة المقدّمة على ظهور الإطلاق والحاكمة عليه فيكون ظهور الإطلاق ظهوراً بدويّاً, أما مع عدم قدرته على التقييد لمانع عقلي أو غيره كالتقية فلا يستفاد الإطلاق والشيوع من اللفظ لعدم تمامية المقدمة الثانية من مقدمات الحكمة.

[1] () في حاشيته على معالم الأصول.

[2] المائدة: 4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo