< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 تقدم الفرق بين مسألة العام المتعقب بضمير خاص و مسألة تعقب العمومات بالاستثناء, وقلنا أنهما تختلفان من حيث الموضوع فالكلام في الأولى في كيفية التخصيص بعد فرض تحقق التخصيص قطعاً, وفي الثانية الشك في إرادة المتكلم لا كيفية الإرادة.

أقول: قد يوجد مثال واحد يكون موضوعاً للمسألة الأولى وللمسألة الثانية معاً وهو إذا قلنا أكرم العلماء وأضفهم وقلدهم إلا الفاسقين فقد يقال: إنه مثال للمسألة الأولى وهي العام المتعقب بضمير خاص راجع إلى العام في حكم آخر ويراد من الضمير الخاص ولكن يشك أنه كيف أريد، فأن العلماء عام له حكم وهو وجوب الإكرام وكذا أضفهم فان الضمير راجع إلى العام وله حكم آخر «التضييف» وكذا قلدهم فهو ضمير راجع إلى العام وله حكم أخر ولكن المراد من ضمير (قلدهم) هو خصوص العلماء العدول، فهل هذا القيد يقف عند حكم التقليد أو يعم حكم الإضافة والإكرام كما قاله إليه السيد الخوئي, أو يكون العام الأول والثاني مجملاً لاحتفاف الكلام بما يحتمل أن يكون قرينة على التخصيص؟

 وهو أيضاً موضوع لمسألة تعقّب العمومات بالاستثناء فان العام الأول له حكم «الاكرام» والعام الثاني له حكم «التضييف» والعام الثالث له حكم «التقليد» وجاء الاستثناء بعد العمومات الثلاثة فهل هو راجع إلى الجملة الأخيرة أو إلى جميع الجمل أو يكون رجوعه إلى الأخيرة قطعاً وتكون الجمل السابقة على الأخيرة مجملة لاحتفافها بما يصلح أن يكون قرينة على التخصيص؟

 وبعبارة أخرى: كما يمكن أن يكون المراد من العموم الثالث «قلدهم» واضحاً ولاشك فيه «فهو يريد تقليد العلماء العدول, ولكن الشك في أنه كيف أريد من العام الخاص هل استعمله مجازا او بالعام والتخصيص كاشف عن المراد؟ فتكون من مسالة تعقب العام بالضمير الخاص, كذلك يمكن أن يكون العام الثالث لا يراد منه العموم جداً ولكن نشك في تخصيص العام الأول والثاني بهذا المخصِص للعام الثالث فتكون من مسالة تعقب العام بالاستثناء.

 وعلى هذا فان المسألتين وان اختلفتا في الموضوع والأمثلة إلا أنه وجدنا مثالاً واحداً مشتركا للمسألتين, فيكون بين المسألتين عموم من وجه في هذا المثال وان اختلفت جهة البحث، ففي مسألة تعقب العام بضمير خاص يكون البحث لا في المراد من الضمير حيث إن المراد من الضمير معلوم قطعاً، بل يكون البحث في كيف أراد, بينما يكون البحث في مسألة تعقب العمومات بالاستثناء هو الشك في مراده تخصيص ما قبل الجملة الأخيرة مع القطع بتخصيص الجملة الأخيرة بالاستثناء.

قاعدة: أصالة الإطلاق

الألفاظ الأخرى للقاعدة:

 قاعدة الحكمة

 قرينة الحكمة

 مقدمات الحكمة

توضيح القاعدة:

1ـ تعريف المطلق: الظاهر أنه ليس للأصوليين اصطلاح خاص في لفظ المطلق (كالمقيّد) بل هما مستعملان بما لهما من المعنى في اللغة فان المطلق مأخوذ من الإطلاق وهو الإرسال والشيوع ويقابله التقييد مقابل العدم والملكة (إثباتاً) فالملكة هي التقييد والإطلاق عدمها فإذا نُسب الإطلاق إلى اللفظ (كما هو المقصود في المقام) فإنما يراد ذلك بحسب ما له من دلالة على المعنى فيكون الإطلاق وصفاً للفظ «اللفظ المطلق» باعتبار المعنى، بمعنى أن عدم نصب القرينة على القيد ـ نحو«أكرم العالم» حيث لم يقيده بشيء ـ إنّما ينتج الإطلاق ويكشف عنه في مورد يكون المتكلم قادراً على ذكر القيد (أي لا يكون ممنوعاً عنه لتقية أو عجز أو ضيق أو غير ذلك) وإلا فلا ينشأ من مجرد عدم ذكر القيد إرادة الإطلاق, فعدم ذكر القيد مع القدرة عليه وعدم وجود المانع عن ذكره يسمى اطلاقا.

 وهذا هو ما يسمى بمقدمات الحكمة أو قرينة الحكمة أو قاعدة الحكمة، فان الصياغة الفنية لها هي أن الظهور الحالي السياقي للمتكلم أنه بصدد بيان تمام مراده بكلامه، وهذا الظهور الحالي يدل بالالتزام على ان هذا المتكلم قد قصد المطلق (لا المقيّد) لأنه ان كان قد قصد المقيد فهو لم يبين تمام مراده بكلامه لأنه جاء بلفظ يدلّ على الماهية المطلقة ولم يأتِ بلفظ يدل على التقييد، فيكون قد بين بعض مراده لإتمام مراده، وهذا خُلف الظهور الحالي السياقي، وحينئذٍ يكون الظهور الحالي السياقي أنه أراد المطلق وقصده.

 فالمطلق هو الطبيعة الواقعة موضوعاً للحكم إذا كانت هي تمام الموضوع حيث كان الملحوظ للموضوع هو نفس حيثية الطبيعة دون أن يؤخذ معها حيثية أخرى «كالعالم العادل أو الأعلم وما شابهه». أما إذا انظم إلى الطبيعة التي هي موضوع الحكم حيثية أخرى بحيث كان كل منهما دخيلاً في موضوع الحكم سميت الطبيعة مقيدة «كان يقول أكرم العالم العادل»، كما إذا رأى المولى أن تمام غرضه يحصل بعتق الرقبة دون حيثية أخرى معها عند إفطار نهار رمضان عمدا فتجعل طبيعة الرقبة موضوعاً للعتق وتسمى الرقبة مطلقة، أما إذا رأى المولى ان موضوع العتق هو الرقبة المؤمنة بحيث يكون لحيثية الإيمان دخل في الحكم فيجعل موضوع العتق الرقبة المؤمنة، وتسمى الرقبة هنا مقيّدة.

 وبهذا يفهم أن المطلق لا يثبت حكمه على الأفراد بل يثبت حكمه على الطبيعة لا الأفراد وإما سراية الحكم إلى كل فرد من أفراد الطبيعة فيحصل بحكم العقل بانحلال الطبيعة بعدد الأفراد في مرحلة التطبيق بخلاف العام حيث يكون الأفراد ولو إجمالاً متصورة و مدلولة للكلام.

تنبيه: ان التقابل بين الإطلاق والتقييد المتقدم هو تقابل في مرحلة الإثبات وهو تقابل الملكة وعدمها فالتقييد هو الملكة والإطلاق عدمها، أما التقابل بينهما في مرحلة الثبوت (أي في مرحلة عالم اللحاظ) ففيه أقوال ثلاث:

القول الأول: ما ذهب السيد الخوئي (قدس سره) من أن التقابل بينهما هو تقابل التضاد بناء على أن الإطلاق عبارة عن لحاظ عدم دخل القيد «أي يلحظ عدم العدالة» كما أن التقييد عبارة عن لحاظ دخل القيد «لحاظ العدالة» فهما أمران وجوديان لا يجتمعان وهو معنى التضاد.

القول الثاني: ما ذهب إليه المحقق النائيني (قدس سره) من أن التقابل بينهما هو تقابل العدم والملكة، فالإطلاق عدم القيد في مورد قابل للتقييد.

القول الثالث: التقابل بين الإطلاق والتقييد هو تقابل بين السلب والإيجاب، إذ يكفي في الإطلاق عدم التقييد, فيكون سلبا ولتقييد هو أيجاب التقييد.

والقول الأول باطل لفساد المبنى لأن الإطلاق (كما سيأتي) ليس هو لحاظ عدم القيد، بل هو عدم لحاظ القيد.

والقول الثاني أيضاً باطل: لأنه خلط بين مقام الإثبات والثبوت, ففي مقام الإثبات لا يتم الإطلاق إلا أن يكون المورد قابلاً للتقييد، لأنه مع عدم أمكان المورد للتقييد لا تتم مقدمات الحكمة، بينما كلامنا هنا في مقام الثبوت، والإطلاق الثبوتي لا يشترط فيه أن تكون الماهية قابلة للتقييد لأن سعة الماهية وانطباقها على تمام أفرادها أمر ذاتي لها ما لم يثبت إضافة القيد في مقام اللحاظ ولهذا يتعين القول الثالث.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo