< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/05/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية العام المخصص في الباقي

2- الشبهة المصداقية: وهذا البحث ينقسم إلى أربعة أقسام:

 لأن المخصِص المجمل المصداقي إما أن يكون متصلاً بالعام أو منفصلاً عنه وعلى كلا التقديرين إما أن يكون الإجمال بين الأقل والأكثر أو بين المتباينين. وإليك الأقسام الأربعة:

 1ـ2ـ إذا كان المخصِص مجملا مصداقاً وكان متصلاً دائراً أمره بين المتباينين أو الأقل والأكثر فالعام يسقط عن الظهور لأن المخصِص المتصل يوجب تضييق ظهور العام ذاتاً (لا أنّه يضيق حجيته فقط) فينعقد ظهور العام من أول الأمر في غير مقدار التخصيص فلو قال: أكرم كل فقير إلا الفاسقين منهم و تردد الفاسقين بين الثلاثة أو الأربعة أي الأقل والأكثر فلا ينعقد ظهور للعام في الرابع، لأن المخصص المتصل يوجب تضييق ظهور العام ذاتاً فهو يضيق ظهوره فظلا عن حجيته, فيكون معنى العام وجوب إكرام الفقير العادل، ومادام الرابع لم يعلم عدالته فلا يجب إكرامه وهذا ما يسمى بالتمسك بالعام في مورد الشبهة المصداقية لنفس العام وهو غير جائز.

نعم, يمكن هنا إثبات حكم مشروط على الرابع فيقال: إن هذا الفقير الرابع وهو زيد يجب إكرامه إن كان عادلاً بالقضية الشرطية لو كان لهذا الحكم أثر عملي عند المجتهد.

 وكذا لو علمنا أن أحد الفقيرين فاسق والأخر عالم، فالدوران هنا بين المتباينين فلا يمكن أيضاً التمسك بالعام في الفردين لأنه خلف ثبوت التخصيص، ولا يمكن التمسك بالعام في أحدهما بعينه لأنه ترجيح من دون مرجح. نعم, التمسك بالعام في أحدهما (إجمالاً) غير المعين صحيح لو كان له أثر عملي عند المجتهد لوجوب الإكرام لأحدهما غير المعيّن.

 3ـ إذا كان المخصِص مجملاً مصداقاً وكان منفصلاً ودائراً بين المتباينين فكذلك لا يمكن التمسك بالعام في الفردين معاً لأنه خلاف ثبوت التخصيص الذي جَعل العام غير حجة فيهما, نحو أكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفاسق, واشتبه الفاسق بين زيد وخالد في الخارج, نعم هو حجة في غير مورد الخاص، ولا يجوز التمسك في أحدهما بعينه لأنه ترجيح بلا مرجح. نعم يصح التمسك بالعام في أحدهما إجمالاً (غير المعين) لو كان له أثر عملي عند المجتهد.

 4ـ إذا كان المخصِص منفصلاً دائراً بين الأقل والأكثر، وهذا هو القسم الذي وقع فيه الخلاف بين الأعلام فذهب بعض إلى إمكان التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص لأن مقتضى التمسك بالعام موجود والمانع مفقود وتوضيح ذلك:

أما وجود المقتضي: فلأن المخصِص منفصل فلا ينثلم عموم العام المنعقد في السابق الشامل لكل فرد من أفراده وحتى الفقير المشكوك فسقه (في قوله أكرم كل فقير).

وأما فقدان المانع: فلأن المانع المتوهم هو المخصِص في قوله (لا يجب إكرام الفاسقين من الفقراء) إلا أن المخصِص هذا لا يمكن التمسك به في الفقير المشكوك فسقه، لأنه لا يحرز انطباق الخاص على هذا الفقير المشكوك فكيف يمكن التمسك به؟

 إذن في مورد الإجمال (الفقير الذي يشك في فسقه) لا يكون الخاص حجة فيه، أما العام فهو ظاهر وفعلي في كل فقير حتى الفقير الذي هو مشكوك فسقه، وإذا كان العام ظاهراً في الفقير المشكوك فهو حجة لا محالة فيتمسك فيه لإكرام الفرد المشكوك.

 وبعبارة أخرى: إنّ العام «أكرم كل فقير» إنما يتوجه إلى المكلف بعد إحراز الكبرى «أكرم كل فقير» والصغرى «إحراز كون الفقراء هم مائة مثلاً», أمّا إذا قال: لا تكرم الفاسقين من الفقراء, فهنا يعلم بخصوص الكبرى أمّا الصغرى فهي غير معلومة للشبهة المصداقية ومعه لا يتوجه تكليف إليه, والكبرى وحدها لا تجدي ما لم يحرز انطباقها على الفرد المشكوك فلا يدخل مشكوك الفسق في الخاص, ولكنه داخل تحت العام فيتمسك بالعام فيه.

ولذا ذهب مشهور العلماء من المتقدمين إلى ذلك فأفتوا في مثال (على اليد ما أخذت حتى تؤدي،«عام» واليد الأمينة لا تضمن «خاص») بالضمان في اليد المشكوكة الأمانة, فإنها شبهة مصداقية, فلو تلفت في يد زيد سيارة وادعى كون يده أمانة وأدعى صاحبها عدم كونها أمينة فحكموا الفقهاء بتضمين هذا الشخص المشكوك كون يده أمينة أخذاً بعموم على اليد ما أخذت.

لكن في باب الضمان عدة فروع فقد يدعي من بيده السيارة كونها أمانة ويدعي المالك أنّه غصبها فقالوا فيه بالضمان, وقد يدعي من بيده السيارة كونها عارية غير مضمونة ويدعي المالك بأنّها إجارة فأفتوا بالضمان أيضاً, وقد يدعي من بيده السيارة كونها هبة والمالك يدعي أنّها قرضاً فحكموا أيضاً بالضمان, ولم يصرح الفقهاء في جميع هذه الفروع بكون مستند فتواهم هو قاعدة اليد, نعم استنتج المتأخرون استنادهم إلى ذلك.

ولذا قال الميرزا النائيني ما حاصله: إنه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وأمّا دليل القوم فهو شيء آخر وهو كون موضوع الضمان مركب من إحراز الاستيلاء على مال الغير والشك في رضا المالك بهذا الاستيلاء, والاستيلاء متحقق في المقام لكن يشك في رضا المالك فنجري استصحاب عدم الرضا لكونها صفة مسبوقة بالعدم فيجري فيها استصحاب العدم وكل موضوع مركب إذا أحرز بعضه بالوجدان وبعضه بالاستصحاب ترتب حكمه كما فيما نحن فيه[1] .

وأورد عليه السيد الخوئي بأنّ كون موضوع الضمان مركب من الاستيلاء وكون العين في غير يد صاحبها من دون رضاه غير صحيح دائماً, لأنّ المشهور أفتوا بالضمان حتى لو كان تصرفه برضا المالك فيكون استيلاء مع الرضا لا بدونه كما لو ادعى من عنده العين كونها عارية وادعى المالك كونها إجارة فلا يجري استصحاب عدم الرضا لكونه موجود قطعاً على كلى الدعويين لاتفاقهما على كون التصرف مقروناً بالرضا وكذا حكموا بالضمان فيما لو ادعى كونها هبة وادعى المالك كونها قرضاً, نعم ما ذكره يكون صحيحاً على بعض الفروض, ولذا فما ذكره الميرزا النائيني لا يصلح أن يكون مستندا للمشهور دائماً, بل المستند هو استصحاب العدم الأزلي فيشك في كون تسلط المدعي على العين هل هو بنحو المجانية أو لا فيستصحب عدمها[2] .

[1] راجع أجود التقريرات 1: 462.

[2] محاضرات‌في‌الأصول 5: 189.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo