< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: أصالة العموم.

 تتضح هذه القاعدة ببيان أمور:

الأول: تعريف العموم

 قال صاحب (الكفاية) ما مضمونه: إنّ العموم عبارة عن استيعاب المفهوم لما ينطبق عليه من الأفراد([1] ), فكلّ عالم معناه استيعاب كلّ بما ينطبق عليه من أفراد العالم.

يرد عليه:

أولاً: إنّ الاستيعاب المذكور في التعريف:

 1ـ قد يكون للمدلول اللفظي كما في (أكرم كل عالم) بناءً على وضع كلمة (كل) لغة للاستيعاب.

 2ـ قد يكون تحليليّاً عقلياً لا مدلولا للفظ وهو عبارة عن تطبيق العنوان على معنونه خارجاً، كما في قولنا: (أكرم العالم)، فلفظ (العالم) لا يدلّ لغة على أكثر من طبيعي (العالم)، ولكن بلحاظ الخارج يطبّق العالم على كل مورد يتحقق فيه (العالم) خارجاً.

 والبحث في العموم بالمعنى الأوّل إي الاستيعاب اللفظي لا الثاني أي الاستيعاب العقلي فإنّه يدخل تحت عنوان الإطلاق, فتعريفه غير مانع للأغيار([2] ).

ثانياً: إنّ هذا التعريف لا يشمل العمومات التي هي بصيغ الجمع أو ما في معناه، فإن قال إنسان: (أكرم العلماء)، فإنّ لفظ (العلماء) يشمل الشيخ الطوسي والشيخ المفيد والسيد المرتضى وهكذا، ولكنّه لا يصلح أن ينطبق العلماء على كل واحد منهم لوحده فلا يقال للشيخ الطوسي العلماء مع أنّ المفهوم مستوعب له.

 وقال المحقق البروجردي رحمه الله: «الأجود أن يقال: إنّ العموم عبارة عن كون اللفظ بحيث يشمل مفهومه لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه مفهوم الواحد، فلفظة (العلماء) تتصف بالعموم من جهة كونها بحيث يشمل مفهومها لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه مفهوم واحدها، أعني (العالم)»([3] ), فهذا التعريف أزال الإشكال الثاني بقوله ما يصلح أن ينطبق عليه مفهوم الواحد فلا يشمل مفهوم الجمع كالعلماء, لكن يرد عليه أنّ الإشكال الأوّل باق على حاله حيث إنّ التعريف يشمل العام بالوضع وبالإطلاق معاً, فإنّ الإطلاق استيعاب تحليلي عقلي.

أقول: وقد عبّر الشهيد الصدر بتعبير أخصر يؤدي معنى ما ذكره السيد البروجردي رحمه الله مع رفع الإشكال عليه، فقال: «العموم: عبارة عن استيعاب مفهوم وضعاً لأفراد مفهوم آخر»[4] . ففي نحو أكرم كل عالم تكون كل موضوعة للاستيعاب أفراد موضوع آخر أي مدخولها «العالم», ونحو أكرم العلماء فالعلماء موضوعة للجمع مستوعبة لأفراد موضوع آخر أي أفراد العالم, وهذا التعريف لا يشمل الإطلاق فإن أكرم العالم لا يكون فيها استيعاب مفهوم وضعاً لأنّ الاستيعاب في الإطلاق تحليلي عقلي لا بالوضع.

الثاني: الفرق بين العام والمطلق

 إنّ الفرق الأساسي بين العام والمطلق ـ بعد دلالة كليهما على الاستيعاب والشمول ـ أنّ الإطلاق هو الطبيعة، فمع جريان مقدمات الحكمة يفهم أنّ موضوع الحكم هو نفس الطبيعة بلا دخل أي شيء آخر، وهذا بخلاف العام، فإنّ موضوع الحكم فيه هو أفراد الطبيعة لا نفسها، فمثلاً موضوع الحليّة في قوله تعالى: «أَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ»([5] ) هو نفس طبيعة البيع لا أفرادها ، ويثبت حليّة البيع الخارجي من أجل تحقق الطبيعة في الموضوع، أمّا موضوع وجوب الوفاء في قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»([6] )، فهو أفراد العقود بمعنى أنّه يجب الوفاء بكل مصداق من مصاديق العقد لا الطبيعة, هذا مضافا إلى ما تقد من الفرق بينهما في أنّ الاستيعاب في العموم لفظي وفي الإطلاق يستفاد من مقدمات الحكمة فهو تحليلي عقلي.

الثالث: ألفاظ العموم

إنّ ألفاظ العموم على قسمين:

القسم الأول: ألفاظ مفردة مثل: (كل) و ما في معناها مثل: (جميع)، (تمام)، (دائماً)، (أيّ).

القسم الثاني: هيئات لفظية، مثل وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي، وكون اللفظ جنساً محلّى بالألف واللام جمعاً كان أو مفرداً.

 أما القسم الأول فأوضح الألفاظ فيه (كل)، إذ لا إشكال في دلالتها على العموم عرفاً للارتكاز الذهني والتبادر، وأما لغة فقد ذكر المشهور تكييفاً لدلالتها على العموم حيث قالوا: إنّها تدل على استيعاب ما ينطبق عليه مدخولها([7] ), فإذا قلنا: (أكرم كل رجل) فإنّ اسم الجنس «رجل» ينظر إليه نظرة مطلقة بالحمل الشايع عندما لا يتعقبه قيد، وبهذا تكون الأداة «كل» دالة على استيعاب تمام ما ينطبق عليه مدخولها, وبعابرة أخرى: إن مدخول كل «رجل» يحتمل أن يراد منه مطلق طبيعة الرجل كما يحتمل أن يراد منه نوع خاص من طبيعة الرجل كالعلم فتأخر بيانه إلى وقت آخر لاقتضاء المصلحة ذلك فنجري مقدمات الحكمة في مدخول كل «الرجل» فتتحقّق إرادة جميع الرجال فكل تدل على استيعاب مدخولها وهو معنى العموم.

ملاحظة: أنّ (كل) تستعمل لاستيعاب الأفراد والأجزاء، فهي موضوعة في المقامين للاستيعاب، وأما كون الاستيعاب للأفراد أو للأجزاء فهو يستفاد من ملاحظة المدخول، فإذا دخلت على المنكّر أفادت الاستيعاب بلحاظ الأفراد، وإذا دخلت على المعرّف فتفيد استيعاب الأجزاء، كما في قولنا:(أكرم كل رجل) أو (اقرأ كل السورة), والمقصود من البحث هو الأوّل لا الثاني فالمراد من العموم هو العموم الأفرادي لا الأجزائي.

 وأما القسم الثاني:

 أولاً: الجمع المحلّى بـ: (اللام) ـ الجمع المعرّف باللام ـ عند عدم كون (اللام) للعهد:

[1] () راجع: الكفاية: 216, ونصّ عبارته: «وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه».

[2] () راجع: بحوث في علم الأصول 3: 219.

[3] () راجع: نهاية الأصول 317.

[4] بحوث في علم الأصول 3: 222.

[5] () البقرة: 275.

[6] () المائدة: 1.

[7] () بحوث في علم الأصول 3: 227.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo