< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مفهوم الغاية.

 ومستند التفصيل: هو أنّ الغاية إذا كانت قيداً للموضوع كما في قوله تعالى: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ»([1] )، فالغاية هنا «إلى المرافق» رجعة إلى اليد أو كانت قيداً للمتعلق كما إذا قلنا: (الصوم إلى الليل)، فالغاية هنا هي وصف وقيد راجع إلى الموضوع، وقد تقدم عدم دلالة الوصف وقيود الموضوع على المفهوم, لأنّ القيد إن كان للموضوع أو المتعلق فلا يدل على أكثر من حكم الموضوع, فإن إثبات شيء لشيء فيه وصف لا يلزم منه نفي الحكم عمّا عداه.

 أمّا إذا كانت الغاية قيداً للحكم كما في الحكم المستفاد من مدلول الهيئة والنسبة التامّة كما في قولنا: (صم حتّى تصبح شيخاً)، فالقيد هنا راجع إلى الحكم, أو كانت الغاية قيداً للحكم المستفاد من مفهوم اسمي كما في قولنا: (الصوم الواجب إلى الليل)، فالحكم هنا مستفاد من الجملة الاسمية «الصوم الواجب» فحينئذٍ تكون الغاية غاية لحقيقة الطلب، ولازم ذلك ارتفاع حقيقة الطلب عند وجود الغاية. أو نقول بأنّ الغاية إذا كانت للحكم، فمعنى ذلك انتهاء الحكم بحصول الغاية، ولا يراد بالمفهوم أكثر من ذلك, فإذا قلنا يحرم الخمر إلى أن يضطر إليه فالقيد هنا راجع إلى الحكم أي أنّ الحرمة مقيدة بهذا القيد فإذا اضطر إليه انتفت الحرمة وهذا هو معنى المفهوم, وهذا بخلاف مفهوم الوصف الذي قلنا فيه إنّ إرجاعه إلى الحكم من الأغلاط العرفية.

 فإن لم نعلم رجوع الغاية إلى الهيئة أو المادة فلا نعلم أنّ المقيد هو الوجوب أو الصوم فالظاهر رجوعه إلى المادة لأنّ القيد من ملابسات المواد فلا دلالة على المفهوم.

ولكن نقول: إنّ ما ذكروه من أنّ الغاية إن كانت غاية للموضوع أو المتعلق أو الحكم فلا تدل على أكثر من المنطوق فهو مسكوت عنه صحيح لكن هذا ليس المراد من المفهوم المبحوث عنه في مفهوم الغاية, بل هذا هو معنى المفهوم بمعنى احترازية القيود الذي يقول به جميع العلماء, والمراد من المفهوم فيها هو انتفاء سنخ الحكم ونوعه وقد تقدم أنّ ثبوت المفهوم لابد فيه من أمرين:

الأول: استفادة العلية الانحصارية من الجملة المشتملة على الغاية، أي أنّ الحكم له علّة منحصرة مستفادة من الجملة المشتملة على الغاية. أو استفادة الارتباط والالتصاق, وهذا قد أثبته القوم فإن كانت الغاية قيد للحكم كانت ملتصقة به.

الثاني: إثبات أنّ المعلّق على العلّة الانحصارية هو سنخ الحكم لا شخصه.

 والجملة المشتملة على الغاية تدل على الأمر الأول؛ لأنّ الغاية تساوي العلّة المنحصرة من ناحية العدم لا الوجود فـ: (صم حتى تصبح شيخاً) تدل على أنّ علّة الصوم تساوي عدم الشيخوخة، وأمّا الشيخوخة فهي علّة لعدم الصوم، وهي علّة منحصرة. إلاّ أنّ الأمر الثاني ـ وهو أنّ المرتفع في الشيخوخة هو سنخ الصوم ـ لا دليل عليه، ولذا لا نرى معارضة عند قوله: (صم حتى تصبح شيخاً)، وقوله: (صم لداء المعدة) الشامل بإطلاقه حتى الشيخ، وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدل على أنّ المرتفع عند الشيخوخة هو شخص الحكم لا سنخه, ولو كان مفهوم لحصل التعارض بينه وبين منطوق صم لداء المعدة.

 وعلى هذا فإنّ الغاية تدل على رفع الحكم الشخصي عند حصول الغاية، ولا تدلّ على رفع سنخ الحكم عند حصولها، فلا مفهوم للغاية أصلاً.

تحقيق في الجملة الغائية:

 إنّ الجمل التي يقال: إنّها للغاية ـ كما عبر عن ذلك أهل الفن ـ لم تكن ظاهرة في الغاية، بل ظاهرة في استمرار النسبة إلى ما بعد حرف الغاية دون الانتهاء إلى ما بعد (حتى) و(إلى) ففي مثل القيود الغائية الراجعة إلى الفعل مثل قولنا: (سرت من البصرة إلى الكوفة)، أو (سرت حتى دخلت البصرة) يستفاد منها استمرارية السير إلى الكوفة, ولا يستفاد منها انتهاء السير بالكوفة أو البصرة بحيث لا سير بعد الدخول إليها. وكذا الكلام في الغاية الراجعة إلى الزمان مثل: (سرت ساعة) أو (سر إلى ساعة), فإنها تدل على استمرارية السير إلى ساعة أمّا ما بعد الساعة فهو ساكت عنه.

 نعم، إذا قال: (سر سيراً منتهاه البصرة)، أو (منتهاه بالساعة)، فهما يدلان على انتهاء السير، إلاّ أنّ هذه الاستفادة ليست من الأداة وحدها، فالأداة وحدها لا تدلّ على الانتهاء بعد حرف الغاية إلاّ بقرينة، كورود الجملة الغائية في مقام التحديد وهذا ليس محل الكلام.

 ولو قال لك إنسان: هل صادف أن سرت من النجف إلى الكوفة؟ «الغاية الراجعة إلى الفعل» أو هل صادف أن كنت في البيت من الظهر إلى الغروب؟ «الغاية الراجعة إلى الزمان» فهو يسأل عن استمرار السير والبقاء في البيت إلى تلك المدّة لا عن تحقق السير والكون في البيت المحدودين بالحدين بحيث لا يزيد عليهما.

وإذا اتضح هذا فنقول: إنّه لا فرق بين هذه الأمثلة ـ القيود الراجعة إلى الفعل والزمان ـ وبين القيود الراجعة إلى الحكم؛ لأنّ الأدوات لا تختلف وضعاً باختلاف متعلق التقييد، فغاية ما تدلّ عليه الجملة الغائية هو استمرار الحكم إلى ذلك الفعل أو الزمان إذن لا مفهوم للغاية أصلاً.

[1] () المائدة: 6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo