< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مفهوم الوصف.

وقد أشكل الشهيد الصدر ـ قدس سره ـ على كلا الطريقين لإثبات مفهوم الوصف، بما حاصله: إنّ المفهوم ـ أيّ مفهوم ـ لابدّ فيه:

 1ـ إما من دلالة الجملة على الانتفاء عند الانتفاء، أي انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف، وهذا متوقف على ركنين:

الركن الأول: أن تكون الجملة الوصفية دالة على النسبة الالتصاقية بين الحكم والوصف في مرحلة المدلول التصوري.

الركن الثاني: أن نثبت أنّ المعلّق هو طبيعيّ الحكم ونوعه لا شخصه.

 2ـ أو أن تكون دلالة بحسب المدلول التصديقي للكلام ـ (عقلاً أو عرفا)ـ على كون الوصف علّة منحصرة لطبيعي الحكم، فيستلزم عقلاً أو عرفاً انتفاء نوع الحكم عند انتفاء الوصف([1] ).

 وعلى هذا يتبين أنّ كلام الشيخ النائيني وكلام السيد الخوئي غير صحيحين؛ لأنّ الوصف وإن ثبت أنّه قيد للحكم وملتصق بالحكم في مرحلة المدلول التصوري، إلاّ أنّه لم يثبت أنّ المعلّق هو طبيعي الحكم؛ لأنّ الوصف ـ كما في أكرم العالم الفقيه ـ الذي تقيّد الحكم به هو طرف النسبة مع الموضوع، والموضوع طرف النسبة مع مادة الحكم؛ فحينئذٍ يكون الحكم شخصياً، ولهذا لم يثبت المفهوم. وكذا لم يصح المفهوم للوصف وإن ثبت أنّ الوصف علّة منحصرة للحكم؛ لأنّ هذا لا يكفي ما لم يثبت أنّ الوصف علّة منحصرة لطبيعي الحكم.

وعلى كلّ فنقول في المقام: إنّه تقدم في مفهوم الشرط, أنّ شرط تحقّق المفهوم ـ على القول به ـ إحراز أمرين:

الأوّل: التصاق الجزاء بالشرط.

الثاني: أن يكون المرتكز عند أهل العرف كون الحكم في الجزاء هو نوع الحكم.

 إلّا أنّ الأمر الأوّل «أي الالتصاق» لا يوجد في الجملة الوصفية ـ فضلاً عن الأمر الثاني ـ فإنّه لم يقل أحد بوجود مثل هذا الالتصاق فيها بين الحكم والوصف, بل غاية ما تدل عليه هو: ثبوت الحكم عند ثبوت الوصف.

 ثم إنّ الثابت في الجملة الوصفية كون الحكم فيها هو شخص الحكم لا نوعه, لأنه ينظر إلى حكم مرتبط بالوصف, وليس ناظراً إلى نفي هذا الحكم عند ثبوت وصف آخر, فعند قوله: أكرم الرجل العالم ينظر إلى هذا الموضوع وهو رجل متصف بالعلم فيجب إكرامه, أمّا الرجل المريض مثلاً فهو ساكت عنه, فإنّه قد يكرم إذا وجد دليل, وقد لا يكرم إذا لم يوجد الدليل.

ويرد على الميرزا النائيني أنّه: حتى لو ثبت أنّ الوصف قيد للحكم من الناحية التصورية فكان «العادل» قيداً لـ«وجوب الأكرم» في أكرم العالم العادل فلا يفيد في ثبوت المفهوم للوصف؛ لأنّ هذا يحتاج إلى كون الوصف علة للحكم وأنّ العلة منحصرة، وهذا ما يثبت:

 1ـ بالإطلاق الذي هو تطابق مقام الإثبات مع مقام الثبوت، وهو دلالة تصديقية يفيد أنّ الوصف علة للحكم.

 2ـ بالإطلاق الأحوالي للوصف على أنّه منحصر بالحكم، سواء اقترن مع الوصف شيء آخر أو سبقه شيء آخر أم لا، وهذا يدل على أنّ الوصف علة منحصرة للحكم, فيجب إكرام العالم العادل سواء سبقه وصف آخر أو لا وسواء قارنه وصف آخر أو لا.

 فإن أثبت الميرزا النائيني أنّ الوصف قيد للحكم وأنّه علة له وعليته منحصرة بالإطلاق التطابقي والإطلاق الأحوالي أمكن ثبوت المفهوم للوصف, ولكن لا يمكن إثبات ذلك:

 أمّا الإطلاق التطابقي فلأنّ مقام الإثبات في كون الوصف قيداً للحكم هو ترتب الحكم على الوصف خاصة من دون تعيّن لهذا الترتب على أنه علّي أو لا، فقد يكون ترتب حكمة لا ترتب علّة، أو ترتب زمني لا علّيّ.

 وأمّا الإطلاق الأحوالي فلا يستفاد الانحصار أيضاً منه ؛ لأنّه إنّما يستفاد الانحصار من الإطلاق الأحوالي فيما إذا احتملنا وجود علة يمكن أن تجتمع مع الوصف «العدالة»، فالإطلاق الأحوالي ينفي هذا الاحتمال, أما إذا احتملنا وجود علّة أخرى لا يمكن اجتماعهما مع الوصف «ككونه مريضاً» ـ مع فرض عدم اجتماع الوصفين بأن يكون كلّ منهما سبباً للإكرام ـ فلا معنى للتمسك بالإطلاق الأحوالي، إذ يمكن أن نحتمل وصفاً آخر يكون علّة مستقلة لحصة أخرى من الحكم «الإكرام»، فلا يستفاد الانحصار من ترتب الحكم على وصف معيّن.

 نعم يمكن نفي كون الوصف ملتصقاً بالحكم، بأن يقال: إنّ غاية ما تدلّ عليه الجملة الوصفية هو وجود نسبة إرسالية بين الموضوع المقيّد بالوصف مع المخاطب المأمور بالإكرام فهناك نسبة إرسالية بين الموضوع المقيّد بالوصف مع المخاطب المأمور بالإكرام، وأما النسبة التوقيفية والالتصاقية بين الحكم والوصف فلا تستفاد من الجملة الوصفية بالوجدان، فضلاً عن كون هذه النسبة الالتصاقية منحصرة, فكيف يمكن إثبات المفهوم للوصف مع عدم وجود الالتصاق والانحصار؟!

 مع أنّ الحكم في الجملة الوصفية لم يثبت كونه سنخ الحكم, ودعوى ارتكازيته كما ترى, فإنّا ندعي بكون المرتكز في الجملة الوصفية هو كون الحكم فيها شخص الحكم لا سنخه, فإنّه لو قيل: أكرم العالم الفقيه فلا يعني هذا لا تكرم العالم غير الفقيه, فإنّ الجملة الوصفية ساكتة عنه, فقد يرد دليل آخر يوجب إكرام العالم غير الفقيه إذا كان مريضاً وقد لا يرد.

الدليل الثالث: استدل على المفهوم للوصف بلزوم لغوية الوصف على القول بعدم المفهوم له؛ لأنّ الموضوع «الرجل» في القضية الوصفية «أكرم الرجل العادل» لو كان مطلقاً سواء وجد الوصف أو فقد «فيكرم العادل وغير العادل» لما كان لذكر الوصف فائدة وصار لغواً، وحينئذٍ فصوناً لكلام الحكيم عن اللغوية لا مناص من الالتزام بدلالة الوصف على المفهوم.

ويرد عليه: أنّ فائدة الوصف لا تنحصر في ثبوت المفهوم له، إذ يمكن كون فائدته تضييق دائرة الموضوع في القضية وبيان أنّ الحكم لا يشمل جميع حالات الموضوع، فالوصف هنا يدلّ على انتفاء الحكم بانتفاء الوصف ولكن على نحو السالبة الجزئية لا على نحو السالبة الكلية « التي هي المفهوم», فيقال: إنّ الرجل إذا كان عادلاً فأكرمه, فإن لم يكن عادلاً فلا تكرمه على نحو السالبة الجزئية أي هذا الإكرام المقيّد بالرجل العادل لا تكرمه لغير العادل, ففائدة الوصف انتفاء شخص الحكم عند انتفاء الوصف, أمّا هل معنى هذا عدم وجود إكرام آخر ينطبق على غير العالم كالرجل المريض مثلاً؟ فهذا لا يمكن نفيه من الجملة الوصفية (1[2] ).

[1] (1) راجع: بحوث في علم الأصول 3: 198ـ 199.

[2] (1) راجع: نهاية الأفكار 1ـ 2: 500. محاضرات في أصول الفقه 5: 130.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo