< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/03/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

فيما تقدم اثبتنا جواز اجتماع الامر والنهي فيما اذا كان هناك عنوانان ولكن مصداقهما الخارجي واحد بالنظر العرفي كما في (صلي ولا تغصب) فالامر بالصلاة يختلف عنوانه عن عنوان النهي عن الغصب ولكنه قد يكون مصداقهما الخارجي ومطبقهما واحد وهو الصلاة في الارض المغصوبة، وكذا (صلي ولا تصلي في الحمام) فان صلي امر بالطبيعة ولاتصلي في الحمام نهي عن الحصة ومفهوم الطبيعة يختلف عن مفهوم الحصة، وذكرنا جواز اجتماع الامر والنهي في مثل صلي ولا تصلي في الحمام وكذا في مثل صلي ولا تغصب بان العنوان مختلف اولاً وان الامر وانهي يتوقف على العنوان ويتوجه للعنوان، او لان اختلاف العنوان يكشف عن اختلاف المعنون حقيقتا فان في هذا الوجود الخارجي عنوانان اي جهتان ومفهومان ويستحيل ان تكو ن الجهة الواحدة فيها عنوانان ومفهومان فوجود جهتين وعنوانين على شيئ واحد يكشف ان هذا الواحد متعدد حقيقتا وان كنّا نراه واحدا.

الآن بقي علينا ان نتعرف الى دليل من يقول بامتناع اجتماع الامر والنهي في (صلي ولا تغصب) او في (صلي ولا تصلي في الحمام) ان نتعرض لدليله ونرد الدليل وحينئذ يتمحض صحة القول الاول.

ذهب صاحب الكفاية بامتناع اجتماع الامر والنهي فذكر عدة مقدمات كانها بديهية فلابد من عرض هذه المقدمات ورد هذا الدليل حتى نتاكد من صحة دليلنا الاول على جواز اجتماع الامر والنهي.

قال صاحب الكفاية (قده) بالامتناع وذكر مقدمات، وهي:

المقدمة الاولى: ان الاحكام الخمسة وهي الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والاباحة هي متضادة في فعليتها لان البعث يضاد الزجر فاذا كان هناك امر فهو بعث واذا كان هناك نهي فهو زجر سواء كان نهي حرمة او كراهة والبعث يضاد الزجر عن شيئ واحد في مكان واحد لمكلف واحد، فالذي يصلي في الحمام يقال له (صلي) وهذا بعث ويقال له (لاتصلي في الحمام) فهو بعث وزجر عن شيئ واحد في مكان واحد لمكلف واحد.

المقدمة الثانية: ان متعلق الاحكام هو فعل المكلف وما يصدر عنه في الخارج لان الغرض يترتب على الفعل الصادر من المكلف خارجا فمتعلق الحكم هو هذا الفعل الخارجي فالفعل الخارجي مامور به ومنهي عنه وهو التضاد.

المقدمة الثالثة: ان تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون والمصداق الخارجي لانه ربما تنطبق عناوين كثيرة على واحد كانطباق عنوان الاب و عنوان الابن وعنوان الاخ وعنوان الزوج على شخص واحد وفرد واحد ومفهوم واحد، فتعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون.

المقدمة الرابعة: ان الموجود بوجود واحد لا تكون له الا ماهية واحدة فالمجمع في الخارج له ماهية واحدة.

اذاً اتضحت هذه المقدمات الأربعة، فنقول: ان المجمع واحد فله ماهية واحدة وهو متعلق الحكم الذي يصدر من المكلف وعليه يمتنع ان يتعلق الامر والنهي به ولو كان لهذا الوجود الواحد عنوانان، فما دام هو واحد خارجي فيكون له مفهوم واحد وهو متعلق الحكم الذي يصدر من المكلف، فيمتنع ان يتعلق بالوجود الخارجي الواحد امر ونهي حتى لو كان له عنوانان، وهذا هو دليل صاحب الكفاية على امتناع اجتماع الامر والنهي.

نحن نقول هذه المقدمات الاربعة كلها مناقشة، وان كانت تساق على انها بديهيات:

اما المقدمة الاولى: التي تقول ان الاحكام الخمسة متضادة في فعليتها لمنافاة البعث مع الزجر عن شيئ واحد، هذا تقدم بطلانه اذ قلنا ان البعث والزجر على العناوين وليس عن شيئ واحد، نعم ان الاحكام متضادة في شيئ واحد وقلنا ان الامر والنهي يتعلق بالعنوان والعنوان متعدد، كان تقول لشخص واحد (قم) وتقول للآخر (اقعد) فهناك شخصان ولم يكن هناك بعث وزجر في شيئ واحد فلا تضاد على شيئ واحد، اما العناوين فهي متعددة واما الموجود الخارجي فانه متعدد ويحمل عنوانان ومفهومان وهذ دليل على ان هناك تعدد قد انظم احدهما الى الاخر فالاتحاد انظمامي، فالمقدمة الاولى باطلة.

واما المقدمة الثانية: التي تقول ان الاحكام تتعلق بفعل المكلف هذا ايضا باطل، فان متعلق الاحكام ليس هو الوجود الخارجي وفعل المكلف هو وجود خارجي، والامر والنهي لا يتعلق بفعل المكلف الخارجي لانه يلزم منه تحصيل حاصل فان الوجود الخارجي اذا كان موجودا فطلبه تحصيل الحاصل، والزجر عن الموجود في النهي ايضا باطل لان الموجود لا معنى للنهي عنه، اذاً نعلم ان متعلق الاحكام ليس هو الوجود الخارجي لانه يلزم منه طلب تحصيل الحاصل في الامر وفي الزجر يلزم منه النهي عن الموجود وهذا لا معنى له، فالمتعلق هو نفس الطبيعة بما هي وسيلة وطريق لتحصيل الغرض المترتب على الفعل الخارجي.

ولو تنزلنا وقلنا ان متعلق الاحكام هو فعل المكلف (كما قاله صاحب الكفاية) لا العناوين والاسماء والمفاهيم أو نقول ان الغرض من الامر والنهي هو فعل المكلف، فنقول ان الصادر من المكلف في الخارج هو فعلان لافعل واحد فان هذه الصلاة في الارض المغصوبة ليست فعلا واحدا بل هي فعلان، اذاً بطلت المقدمة الثانية.

واما المقدمة الثالثة: القائلة بان تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون، فهل هذا استدلال على وحدة المعنون؟ نقول هو اعم فان تعدد العنوان لا يدل على تعدد المعنون، فان تعدد العنوان قد يدل على تعدد المعنون وقد لا يدل على تعدد المعنون فلا توجد قاعدة كلية، ثم ان صاحب الكفاية لم يستدل على هذه المقدمة، بل قال: ان تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون لانه ربما تنطبق عناوين كثيرة على واحد...الخ، فان (ربما) ليست هي دليل بل لابد من الاتيان بدليل على ان العنوان لا يوجب تعدد المعنون فلابد له من اثبات ان الصلاة والغصب من هذا القبيل، ونحن نقول ان الاب والابن والزوج تنطبق على واحد ولكن هل يمكن اثبات ان الصلاة والغصب من هذا القبيل، فلذا نقول ان كلام صاحب الكفاية في وادي ونحن في وادي آخر ويريد ان يلزمنا فيما نحن به بما ليس داخلا فيما نحن فيه، فنقول ان المامور به والمنهي عنه قد يكون حقيقة واحدة كما قال صاحب الكفاية الاّ انه معنون بعنوان العالم في صورة الامر بالاكرام (اكرم العالم) ومعنون بعنوان الفاسق في صورة النهي عن الاكرام (لا تكرم الفاسق) فهنا الجهات الموجودة في (العالم الفاسق) حيث ان الامر يقول اكرمه لانه عالم والنهي يقول لا تكرمه لانه فاسق فهنا امر ونهي فالجهات هنا تعليلية وهي لا تقتضي تعدد المعنون فان زيدا العالم الفاسق هو واحد حقيقة كزيد الذي هو اب وابن واخ وزوج فزيد العالم الفاسق واحد حقيقتا وماهيتا ويكون مصداقا لوجوب الاكرام لانه عالم ومصداقا للتحريم لانه فاسق وهذه هي الجهة التعليلية، فهذا المثال الذي ذكره صاحب الكفاية هو خارج عن محل البحث فان هذا المثال من المتعارضين في العموم والخصوص من وجه ولذا لم نر من زعم كونه ممتثلا وعاصيا مع كثرة الذاهبين الى جواز الاجتماع.

اذاً العناوين اذا كانت ثابتة للذات لِعلّةٍ فهذا لايقتضي تعدد المعنون ولا تنثلم الوحدة بكثرة العناوين، ولذا نقول ان هذا خارج عن محل النزاع فهذا من باب المتعارضين، نعم قد يكون متعلق الامر والنهي متعددا كما في (صلي ولا تغصب) لكن العناوين ليست تعليلية بل هذ تقييدية بمعنى كون ثبوتها للذات لالعلة وهذا هو محل نزاعنا في جواز اجتماع الامر والنهي وهي العناوين التقييدية لا التعليلية ويكون العنوان في هذا المثال موجبا لتعدد المعنون لان الصلاة الصادقة حيث لاغصب تكون صادقة حال الغصب أيضا والغصب الصادق حيث لاصلاة يكون صادقا حال الصلاة أيضا فهذه العناوين ثابتة للذات لالعلة فثبوت الصلاتية للصلاة ليس معلولاً لشيئ وكذا ثبوت الغصبية للشيئ ليس معلولاً لعلة وهنا محل الكلام، فالمقدمة الثالثة في وادي آخر اقحمها صاحب الكفاية وهي خارجة عن محل النزاع في اجتماع الامر والنهي.

واما المقدمة الرابعة: فيقول ان الموجود بوجود واحد لا يكون له الاّ ماهية واحدة والمجمع واحد فهي باطلة عند القائل بالجواز لان القائل بالجواز ان الموجود الخارجي وهو المجمع له ماهيتان ووجودان لا وجود واحد.

فتبطل دعوى صاحب الكفاية لان المقدمات التي ساقها كلها باطلة.

اذاً يبقى عندنا القول الاول القائل ان الامر والنهي يجتمعان في ذات توجّه لها عنوانان وهذه الذات ليست لها علّة بل تقييدية وقلنا بجواز اجتماع الامر والنهي في هذه الجهة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo