< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/01/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التخيير الشرعي في الواجب.

انتهى بنا الكلام الى الثمرة من التفسير للتخيير الشرعي والتخيير العقلي، فاذا قال المولى (صلي) ثم قال (لاتصلي في الحمام) فان بني عل التفسر الاول والفرضية الاولى بالتفسير العقلي والشرعي التي تقول بان الأمر يسري من الجامع الى الافراد حينئذ المثال لايكون ممكنا لان الفرد الخارجي اذا سرى الامر من الجامع الى الافراد يكون منهيا عنه ومامورا به وهذا لا يمكن لانه من اجتماع الامر والنهي بشيئ واحد، اما اذ قلنا بالفرضية الثالثة القائلة ان الوجوب العقلي والشرعي يتعلق بالجامع دائما، ولو كان هذا الجامع انتزاعي كعنوان احدهما او كان جامعا حققيا مثل الصلاة ولا يسري الامر والنهي الى الافراد فالامر التخييري والتعيني لا يسري الى الافراد فالتخيير العقلي والشرعي لا يسري الى الافراد فالمثال يكون ممكنا ولايلزم اجتمكاع الامر والنهي في واحد بل يكون الوجوب مستقرا على طبيعة الصلاة والنهي عن الحصة، فتكون الحصة مكروهة وهي الصلاة في الحمام لان الصلاة في الحمام مصداق للصلاة وقلنا ان الصلاة مامور بها بما انها جامع، فالصلاة في الحمام صحيحة ويسقط الامر، والنهي موجود عن الحصة فهو بمعنى تركها الى غيرها فالصلاة في الحمام تكون مكروهة.

الثمرة الثانية: لو وجب على المكلف العامي تقليد المجتهد وشككنا ان الشارع قد اوجب تقليد المجتهد الاعلم او تقليد اي مجتهد، يعني هل اوجب الشارع هنا التعيين او خيّر بين الاعلم وغير الاعلم، فان بني على الاتجاه الثالث القائل بان الوجوب التخيري يتعلق بالجامع دائما ولا يسري الى الافراد فيكون الشك راجعا الى ان الواجب هو الجامع بين المجتهدين او خصوص الاعلم ومعنى ذلك رجوع الشك الى التخيير او التعيين، فهل خير الشارع بين المجتهدين وهو الاسهل أو عين الاعلم وهو الاصعب، اذاً اذا بنينا على الاتجاه الثالث القائل ان الوجوب التخيري يتعلق بالجامع ولا يسري الى الافراد فالشك يكون راجعا الى التعيين والتخيير.

هنا بعض ذكر ان القاعدة هي البرائة من التعيين فتجري البرائة عن خصوص المجتهد الاعلم فيجوز تقليد اي مجتهد بينما هناك آخرون قالوا بجريان قاعدة الاشتغال لانه هو القدر المتيقن فلابد من تقليد الاعلم، فهنا مسلكان فلو شككنا ان المولى عين او خيير فيكون الامر دائر بين التعيين والتخيير وهذه المسالة فيها اتجاهان الاول يقول بجريان البرائة عن التعيين لانه كلفة زائدة وبعض يقول لابد من التعيين لانه هو القدر المتيقن.

نحن في هذه المسألة اذا جائت قاعدة الشك بين التعيين والتخيير نجري البرائة عن التعيين، لان الشك هل ان الواجب هو الاسهل او الاصعب وهو التعيين للاعلم فهنا شك في اصل التكليف، ومع الشك في اصل التكليف تجري البرائة عن الاعلم، وهنا وان اجرى البعض قاعدة الاشتغال الا انه لا مورد لقاعدة الاشتغال، لان الاشتغال هو فيما اذا تعين التكليف والشك في امتثاله وهنا لم يتعين التكليف هل هو تخييري او تعيني فننفي الاعلم وهو الاصعب بالبرائة.

ففي المسلك الثالث هناك اتجاهان ونحن اخترنا جريان البرائة عن التعيين، اما اذ بنينا على الاتجاه الثاني وهو ان التخيير الشرعي فقط متعلق بكل واحد من البدائل فالتخيير الشرعي يكون عبارة عن تكليفين مشروطين أي التخيير الشرعي يرجع الى وجوبات مشروطة بخلاف العقلي فليس وجوبات مشروطة ، فالاصل يقتضي البرائه من دون خلاف لان تقليد الاعلم اذا كان واجب مخير فيكون اشتراط وجوب الاعلم لعدم تقليد غيره، وعند تقليد غير الاعلم لا يكون وجوب تقليد الاعلم ثابتا، اما اذا كان تقليد الاعلم واجبا تعينيا فلازمه كون وجوب تقليد الاعلم مطلق وغير مشروط بعدم تقليد غير الاعلم، اذاً على الاتجاه الثاني يكون الشك راجع الى كون تقليد الاعلم هل هو واجب مشروط بعدم تقليد غيره او هو مطلق، فبناء على تفسير صاحب الكفاية الذي يقول بان الواجب التخييري الشرعي هو عبارة عن واجبات مشروطة ففي هذه المسالة في تقليد اي مجتهد او تقليد الاعلم اذا فرضنا ان تقليد الاعلم واجب تخييري بينه وبين غيره فيكون اشتراط تقليد الاعلم بعدم تقليد غيره وعند تقليد غيره لا يكون وجوب تقليده ثابتا، هذا ان قلنا ان تقليد الاعلم واجب تخييري شرعي اما اذا اقلنا ان تقليد الاعلم واجب معين فيجب تقليده قلدنا غيره او لم نقلد غيره فيكون تقليد الاعلم مطلق، ومعه فلو قلدنا غير الاعلم فعندها نشك في وجوب تقليد الاعلم لاننا لا ندري ان وجوب تقليد الاعلم وجوب تخييري او تعيني فيكون الشك هنا في ثبوت الوجوب لتقليد الاعلم فتجري البرائة بلا خلاف، هذا مثال مهم لتفسير الوجوب التخييري الشرعي والعقلي، فبناء على مبنى صاحب الكفاية الشك راجع الى ان تقليد الاعلم مطلق او مشروط بعدم تقليد غيره، فيرجع الشك الى ان وجوب تقليد الاعلم مطلق او مقيد فتجري البرائة عن الأشد وهو انه مطلق اي التعيين لانه اذا وجب تقليده مطلقا اي سواء قلّدت غيره او لا فهو تعيين، اما اذا قلنا يجب تقليد الاعلم اذا لم تقلد غيره فيكون مشروط، فمشروط او مطلق اي تخييري أوتعييني فنجري البرائة عن الأشد هذا اذا قلنا بمبنى صاحب الكفاية، اما اذا قلنا بالاتجاه الثالث وهو ان الوجوب العقلي والشرعي يقف على الجامع ولا يسري الى الافراد حينئذ يكون الشك بين التعييني والتخيري وفيه مسلكان مسلك بالبرائة عن التعيين ومسلك بالاشتغال، ونحن نختار مسلك البرائة عن التعين، هذه ثمرة لبحثنا في تفسير الوجوب العقلي والشرعي فاذا تم تفسير الوجوب العقلي والشرعي ينبغي ان يلتزم بلوازم هذا التفسير في هذه الموارد، لا ان يختار المسلك الثالث ثم يفتي على خلاف هذا المسلك في هذه الموارد.

الثمرة الثالثة: اذا شككنا في ان الفعل الواجب علينا تخييريا او تعينيا، كما لو افطر على محرم في نهار شهر رمضان فهنا ثلاثة اقوال في الكفارة، قول بكفارة الجمع وهو للمشهور، وقول ان كفارة الجمع هو احتياط وجوبي، وقول ثالث ان كفارة الجمع مستحبة فنشك لو اعتقنا هل ان الصوم واجب علينا ام ليس واجبا، فلو قال الدليل يجب فلابد ان نطعم ونصوم ايضا واذا قال الدليل بالتخيير فيكفي .

هنا نقول على فرض ان يكون الوجوب التخييري عبارة عن الوجوب المشروط بعدم فعل الاخر، فيكون الشك بالصوم شكا بدويا على مبنى صاحب الكفاية، اذاً في هذه المسألة على راي صاحب الكفاية يكون الشك بدويا بالنسبة للصوم وتجري البرائة، بينما اذا فسرنا التخيير الشرعي بوجوب الجامع الحقيقي وهي الشق الاول من الفرضية الثالثة (وقد ابطلناها) فلو قلنا ان الوجوب التخييري الشرعي بمعنى وجوب الجامع الذاتي الحقيقي فتكون الشبهة هنا من موارد الدوران بين الاقل والاكثر، اذ يعلم بتعلق الوجوب بالجامع ويشك في تعلقه زائدا على ذلك في خصوص الصوم، فيتوقف جريان الاصل المؤمن فيه على القول به في هذا المورد وهو الدوران بين الاقل والاكثر التحليلين أي الدوران بين المطلق والمقيد، فاذا قلنا اذا دار الامر بين الاكثر والاقل حتى التحليلين نجري البرائة عن الاكثر، فهنا نجري البرائة عن الاكثر.

اما اذا افترضنا ان الوجوب التخيير الشرعي هو وجوب الجامع الانتزاعي وهو الشق الثاني من الفرضية الثالثة وهو عنوان احدهما، فيدخل المقام في الدوران بين التعيين والتخيير حيث يتشكل علم اجمالي بوجوب عنوان الصوم او عنوان احدهما وهما متباينان مفهوما فيكون اجراء البرائة عن التعيين اي وحوب الصوم مبنيا على القول بعدم معارضته مع البرائة عن الطرف الاخر، والطرف الآخر قطعي فتجري البرائة عن وجوب الصوم اما البرائة عن عنوان احدهما فلا يمكن اجرائها للقطع بوجوب احدهما.

هذه ثمرات للاختلاف في تفسير الوجوب التخييري العقلي والوجوب التخييري الشرعي، فمن اختار تفسيرا معينا لابد له من الالتزام بلوازمه في هذه الشكوك.

علمائنا (رضوان الله عليهم) بعضهم يذكر نظرية تفسير التخيير الشرعي ويذكر فيها فرضيات متعددة يقبل بعضها دون البعض ولا يذكر الثمرة في البحث الاصولي فالثمرة تظهر في هذه الموارد الثلاثة.

نذكر هنا تطبيقات فقهية للتخيير العقلي

أولاً: بناء على الوجه الثالث من ان التخيير العقلي يتعلق بالجامع، لا على النظرية الاولى التي تقول ان التخير العقلي ياتي على الجامع ويسري الى الافراد بل على النظرية الثالثة التي تقول ان التخير العقلي والشرعي يقف على الجامع ولا يسري الى الافراد، فبناء على الوجه الثالث والوجه الثاني في التخيير العقلي بخلاف التخيير العقلي على الفرضية الاولى التي تقول بان الامر يسري الى الافراد، فهنا نقول ان وجوب الصلاة الكلية الثابت بضرورة من الدين قد وردت نصوص روائية تنهى عنها في بعض الاماكن كالحمام ومرابط الخيل بل في كل مورد قذر قد نهي عن الصلاة فيه، فوردت نواهي فانه على الفرضية الثالثة التي تقول ان الواجب التخييري العقلي يقف على الجامع ولا يسري الى الافراد فاذا صلينا في هذه الموارد فالصلاة مجزئة لوجود امر كلي بالصلاة المنطبق عليها، فالتخيير بين الافراد عقلي ولا امر في كل فرد فرد لأن الامر يقف على الجامع فالتخيير بين الأفراد عقلي فالصلاة في هذه الموارد تكون مجزئة لانطباق الكلي عليها فيسقط التكليف اذا صلينا في هذه الموارد ولكن بما انها حصص منهي عنها فيحمل النهي على الكراهة لانها مقبولة ومنهي عنها لان الصحة قطعية لورود الامر على الجامع وهذه من مصاديق الجامع فالصلاة مجزئة فالنهي عنها لاجل الذهاب الى غيرها فتحمل على الكراهة، وقد افتى العلماء ومنهم السيد الخميني بكراهة الصلاة في هذه المواضع، فقال في مسألة عشرين من رسالته العملية: تكره الصلاة في الحمام حتى المسلخ منه وفي المزبلة والمجزرة والمكان المتخذ للكنيف، هذا بناء على اختيار ان الواجب العقلي هو يقف على الجامع ولا يسري الى الافراد، حينئذ (صلي) الذي هو تخيير بين افراده الكثيرة و (لا تصلي في الحمام) لا تنافي بينهما فتكون الصلاة مجزئة الاّ انها مكروهة، اما اذا قلنا ان التخيير العقلي هو سريان الامر من الجامع الى الافراد فهذه النواهي مع صلي لا تكون ممكنة بل تكون من باب اجتماع الامر والنهي في مورد واحد وهو لايجوز.

ثانياً: اذا اختلف المجتهدون في الفتوى وكان احدهم اعلم من الآخرين، فهنا الشك يرجع الى التعيين او التخيير، فاختار بعض في هذا الشك الرجوع الى الاعلم لانه القدر المتيقن كالسيد الخوئي افتى بوجوب الرجوع الى التعيين لانه القدر المتيقن من ادلة وجوب التقليد، لكن ذهب بعض الى جريان البرائة عن خصوص الأعلم، فبعض العلماء اختار البرائة عن تعيين الاعلم وبعضهم اختار الاعلم لانه القدر المتيقن.

ثالثاً: ومن الأمثلة ما وجد الان في السعي بين الصفا والمروة فهل يجب في الطريق القديم او يشمل الطريق الجديد فيتخيير بين القديم والجديد فرجع الشك الى التعيين والتخير فلا نعلم هل ان السعي متعين في القديم او مخيير بينه وبين الجديد، فمن قال بجريان قاعدة الاشتغال يقول لابد من السعي في الطريق القديم لانه القدر المتيقن، ومن قال هنا نطبق قاعدة البرائة عن التعيين فقال بجواز السعي في الجديد، ففي الحقيقة عندنا شك في اصل التكليف ومعه تجري البرائة عن التعيين، وهذه امثلة للتخيير العقلي واما التخيير الشرعي فمثل خصال الكفارة وكفارة اليمين التي كان التخيير بينها بلسان الشارع.

غدا ندخل في مسالة جديدة وهي قاعدة امكان التخيير بين الاقل والاكثر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo