< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/01/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التخيير الشرعي في الواجب.

قبل هذه القاعدة التي كنا نتكلم بها وهي قاعدة التخيير الشرعي والتخيير العقلي في الواجب وفي معناهما، تكلّمنا قبل هذا في ان قاعدة الاوامر والنواهي تتعلق بالافراد بعيدا عن الضمائم اي بالطبيعة، او ان الاوامر والنواهي تتعلق بالافراد مع الضمائم، وقد انتهينا في تلك القاعدة الى ان الاوامر والنواهي تتعلق بالافراد بعيداً عن الضمائم وهو يعني انه متعلقة بالطبيع، هذه القاعدة التي تكلمنا عنها لم نذكر لها تطبيقات وهذه القاعدة التي بعدها وهي قاعدة التخيير الشرعي والعقلي في الواجب، وقلنا هناك تخيير عقلي وهو ما اذا تعلقت الاوامر والنواهي بشيئ كلي له مصاديق فالاتيان بكل مصداق من هذه المصاديق يكون بالتخيير العقلي اي ان الخطاب يبين الحكم الشرعي وهو صلي وقد توجه هذا الخطاب الى عنوان كلي واحد، الاّ ان قرينة الحكمة تقول ان الواجب بدلي فلم يقل صلي في الساعة الاولى او الاخيرة من الوقت ولم يقل صلي في المسجد او البيت فالتخيير بين الافراد فهمناه من قرينة الحكمة ومن الاطلاق فانه لم يعين صلاة معينة في الخارج هذا هو التخيير العقلي، اما اذا كان الخطاب قد بيّن الحكم الشرعي بالتخيير مباشرة، كما في خصال الكفارة اعتق او صم او اطعم فهذا هو التخيير الشرعي، فعندنا قاعدتان الاولى التي تقدمت ان الاوامر متعلقة بالطبائع لابالافراد بمعنى ان الاوامر متعلقة بالكلي بعيداً عن الضمائم التي توجد في الشخص الخارجي الذي هو مصداق للكلي، بخلاف ما اذا قلنا ان الامر قد تعلق بالشيئ مع ضمائمه وهي مشخصاته الخارجية فيقال له ان الامر تعلق بالفرد لا بالطبيعة فهذا باطل، اذاً ما تقدم في تلك القاعدة ان الامر تعلق بالطبيعة اي تعلق بالكلي بما هو فاني في الخارج بعيدا عن الضمائم، واما هذه القاعدة الثانية التي نبحث عنها فهي تفسير للتخيير الشرعي و التخير العقلي، من هاتين القاعدتين سنرى وجود تطبيقات مهمة في الفقه او ان بين القاعدتين لا يوجد تنافي فما اخترناه في القاعدة الاولى من الاوامر والنواهي تتعلق بالكلي بما هو فاني في الخارج لكن بعيدا عن الضمائم فالضمائم لم نؤمر بها ، التخيير العقلي والشرعي ايضا يقول ان الاوامر قد تعلقت بالكلي (بالصلاة) الاّ ان التخير بين الافراد الخارجية استفدناه من الاطلاق بقرينة الحكمة فانه لم يقل صلي في البيت او المسجد او الحرم اوفي الساعة الاولى او الثانية ويمكنه ان يقيد ولم يقيد فنستفيد الاطلاق وهو التخيير بين البدائل، بخلاف ما اذا جاء الخطاب الشرعي بالتخير مباشرتا، كما اذا قال اذا افطرت في نهار شهر رمضان متعمدا فاعتق رقبة او صم شهرين متتابعين او اطعم ستين مسكينا ، قلنا فيما تقدم ان التخيير الشرعي فيه اشكال فكيف يمكن ان يكون العتق واجبا في خصال الكفارة ويجوز تركه الى الصوم وكيف يكون الاطعام واجبا ويجوز تركه الى العتق فهذا يستبطن التناقض، قلنا هناك فرضيات لحل هذا الاشكال ولكن هذه الفرضيات تبين معنى التخيير العقلي والتخيير الشرعي فالفرضية الاولى التي ذكرناها سابقا تقول ان التخيير الشرعي كالتخيير العقلي فكلاهما يقول يجب هذا ان تركت تلك الافراد كما في الصلاة تقول تجب الصلاة في الساعة الاخيرة ان تركت الصلاة في الساعات الاولى وتجب الصلاة في البيت ان تركت الصلاة في الحرم والمسجد وهذا هو التخيير العقلي، والتخيير الشرعي يقول يجب الاطعام ان تركت الصوم والعتق ويجب العتق ان تركت الصوم والاطعام فالنظرية الاولى التي تدفع الاشكال بالتخيير الشرعي من كونه واجب ويجوز تركه الى البدل فالنظرية الاولى في دفع الاشكال تقول ان التخيير الشرعي كالعقلي فالامر يتعلق بالكلي ويسري الى الافراد بعيدا عن الضمائم فالتفسير الاول لدفع الاشكال هو تفسير للتخيير الشرعي والعقلي هو يدفع الاشكال وتفسر الخيير العقلي والشرعي فتقول كلاهما شيئ واحد فالامر يتعلق بالطبيعة بما هي سارية الى الافراد بعيدا عن الضمائم فيقول صلي في البيت ان تركت الصلاة في غيره وكذا في التخيير الشرعي اطعم اذا تركت العتق والصيام وبذلك يزول الاشكال لان الاشكال في الصياغة وقد عبرنا بتعبير آخر وصياغة اخرى.

الاّ ان هذا الجواب للاشكال اعطانا معنى للتخيير العقلي والشرعي بان تفسيرهما واحد وهو ان الامر في التخيير العقلي والشرعي الواجب متعلق بالطبيعة بما هي سارية الى الافراد بعيدا عن الضمائم، وقد قبلنا هذه الفرضية اذا كان معنى التخيير الشرعي هو يجب ما يختاره المكلف بنحو الموضوعية اي الواجب عنوان احد الخصال، كالصلاة تجب في اخر الوقت ان تركتها في بقية الاوقات، هذه النظرية مقبولة ومعنى الوجوب الشرعي هو عنوان مايختاره المكلف بنحو الموضوعية لا ما يختاره خارجا اذاً زال الاشكال، فعندنا تطبيقات مترتبة على معنى التخيير الشرعي والعقلي، وهذا الكلام نقبله لدفع الاشكال في التخيير الشرعي ونقبل التفسير للتخيير العقلي والشرعي بمعنى ان التخيير العقلي والشرعي كلاهما بمعنى واحد وهو ان الامر متعلق بالطبيعة السارية الى الافراد بعيدا عن الضمائم، ففي خصال الكفارة يقول يجب الاطعام ان تركت العتق والصوم ويجب الصوم ان تركت العتق والاطعام وفي الصلاة يقول تجب الصلاة في اخر الوقت ان تركتها في الاوقات السابقة وتجب الصلاة في البيت ان تركتها في بقية المواطن فصار التخييير العقلي كالتخيير الشرعي وهو ان الامر تعلق بالطبيعة بما هي سارية الى الافراد بعيدا عن الضمائم، حتى لا تتعارض مع القاعدة التي تقول ان الاوامر والنواهي تتعلق بالطبائع بمعنى انها تتعلق بالكلي الساري الى الفرد بعيدا عن الضمائم، وهذا قبلناه.

ثم ما ذكره صاحب الكفاية وهو ان الواجب التخييري العقلي الجامع بين الحصص بان الغرض من الصلاة واحد موجود في كل الحصص فالتخيير العقلي الجامع بين الحصص وهو الصلاة لان الغرض موجود في الحصة الاولى والثانية والثالثة والرابعة وموجود في الصلاة بالبيت والحرم بينما الواجب التخييري الشرعي هو واجب تعيني لا واجب متعلق بالجامع بما هو ساري بالافراد بل هنا ك فرق بين التخيير العقلي والشرعي لان الغرض من الحصص واحد موجود في جميع الافراد اما التخيير الشرعي فهو وجوب تعيني عل الفردين اوالافراد كل منهما مشروط بترك الاخر وذلك لوجود تضاد بين الملاك للتعيين في كل منهما، اذاً الواجب التخيير الشرعي يقول اتي بهذا ان تركت الثاني وبذاك ان تركت هذا، فيقول ان التخيير العقلي هو الجامع بين الحصص لان الغرض واحد وهو الجامع، بينما التخيير الشرعي هو وجوبين تعينيين على الفردين كل منهما مشروط بترك الاخر لوجود تضاد بين الملاكين ففي كل من الفردين وهو العتق والاطعام فيه غرض فاذا جئنا بالاول لانحصل الغرض الثاني واذا جئنا بالثاني لانحصل الغرض الاول، هذه نظرية صاحب الكفاية وقلنا لاباس بها، الا انها متوقفة على اثبات ان بين العتق والاطعام والصوم تضاد في الغرض، ففرّق صاحب الكفاية بين الواجب التخيير العقلي والواجب التخيير الشرعي الواجب التخيير العقلي هو واجب متعلق بالجامع لان الغرض واحد موجود في الحصص جميعا بينما الواجب التخييري الشرعي هو عبارة عن وجوبين او واجبات تعيينية على الافراد كل منهما مشروط بترك الاخر لوجود تضاد في الملاك للتعيني في كل منهما، هذه الفرضية معقولة بشرط ان نثبت ان بين خصال الكفارة تضاد خارجي، وقد انحل الاشكال على هذه الفرضية وتقدم هذا.

المحقق الاصفهاني ذكر هذه الفرضية، يقول: الوجوب التخييري الشرعي عبارة عن وجوب كل من العدلين والبدلين لأن الملاك موجود في هذه الأفراد غير ان تحصيل على الأفراد يعارض مصلحة التسهيل، ففي الواجب التخييري الشرعي كل الخصال واجبة العتق والصوم والاطعام لكن هذا الوجوب يعارض مصلحة التسهيل وملاكه، فالمولى يرخص في ترك احدهما على سبيل البدل، فلو تركهما معا فيعاقب بعقاب واحد لانه لم يكن مرخصا في ترك الآخر بل له رخصة في ترك الواحد، وان فعل احدهما امتثل وكذا اذا فعل كليها امتثل الواجب، فالترخيص الشرعي في الوجوب هو عبارة عن وجوب جميع الافراد الا انه يعارض مصلحة التسهيل فرخص لنا ذلك والزمنا بواحد فقط .

وقد اشكل السيد الخوئي على تصوير المحقق الاصفهاني اشكالات متعددة يجمعها: ان هذه الفرضية تخالف دليل الواجب التخييري الظاهر في وحدة الجعل لا التعدد، فهذه النظرية تخالف دليل الواجب التخييري، الذي ظاهره ان المجعول واحد لا متعدد .

نقول ان كلام المححق الاصفهاني ان ارتئينا رأي الميرزا النائيني في حكم العقل المنتزع من طلب الفعل، ففي بحث قاعدة ان الاوامر يستفاد منها الوجوب فقد ذكرنا رأي للميرزا النائيني هو ان الوجوب في الاوامر مستفاد من حكم العقل المنتزع من طلب الفعل وعدم الترخيص في الترك، فسوف يكون التصوير للواجب التخييري الشرعي من قبل المحقق الاصفهاني معقولا، لان المولى تارة يطلب شيئين من دون ان يرخص في ترك شيئ منهما فهما الواجبان التعينيان، وتارة يطلب شيئين مع الترخيص في ترك كل منهما وهذا المستحب، وتارة يطلب شيئين مع الترخيص في ترك احدهما ولو لمصلحة التسهيل فهذا هو الواجب التخييري، فما قاله المحقق الاصفهاني صحيح لان الوجوب مستفاد من وجوب شيئ مع عدم الترخيص في الترك هنا اوجب شيئين او ثلاثة العتق والصوم والاطعام ورخص في ترك واحد او اثنين فهذا الواجب التخييري ان كلها واجبة لكنه رخص بترك واحد او اثنين.

ولكن نحن في تلك القاعدة قلنا ان الوجوب هو مدلول الامر لان الوجوب مستفاد من حكم العقل المنتزع من طلب الفعل وعدم الترخيص، استدللنا على ان الوجوب مستفاد من مدلول الامر وافترضنا ان المولى انشأ الوجوب في مورد وانشأ وجوبا في مورد آخر وهذا في الواجب التخييري فاذا علمنا عدم وجوبهما معا في الخارج فيأتي التهافت لانه اوجب هنا واوجوب هنا فقد اوجب كل واحد مع الترخيص الى البدل ، فعلى مبنانا من ان الوجوب مستفاد من مدلول الامر فاذا افترضنا_كما قال المحقق الاصفهاني_ ان المولى انشأ الوجوب على العتق وعلى الصلاة وعلى الاطعام ثم علمنا انه رخص في ترك اثنين من الثلاثة فهنا ياتي التهافت وتحقق الاشكال فلا تفيدنا فرضية المحقق الاصفهاني لان فرضيته لا ترفع الاشكال فتقول العتق واجب والصوم واجب والاطعام واجب ولكن يجوز ترك الواجب الى البدل وهذا عين الاشكال ففرضية المحقق الاصفهاني في تفسير الواجب الشرعي لا تفيدنا مضافا الى ان مسلكنا ان الوجوب مستفاد من الوضع ومدلول الامر لا من حكم العقل ففرضية المحقق الاصفهاني لا تفيدنا لدفع الاشكال لانها تثبت الاشكال، مضافا الى انها مخالفة للوجوب التخييري الشرعي فان الوجوب لتخييري الشرعي يقول ان المجعول والواجب واحد لا ثلاثة، فبقيت الفرضية الاولى لتفسير الوجوب التخيير العقلي والشرعي، والنظرية الثانية لصاحب الكفاية، فنظرية المحقق الاصفهاني لا تفيدنا لانها غير معقولة.

الفرضيةالثالثة: وهذه تفسّر الواجب التخييرالشرعي بمعنى ايجاد الجامع بين العدلين لا الجامع الحقيقي وانما الجامع الانتزاعي وهذه النظرية تقول ان التخيير سواء كان عقليا او شرعيا فهو يتعلق بالجامع دائما، فرجع التخيير الشرعي الى العقلي، لكن النظرية الاولى قالت ان التخيير العقلي والشرعي متعلق بالجامع بما انه ساري الى الافراد من دون وجوب المشخصات، هذه النظرية تقول ان التخيير العقلي كالتخيير الشرعي متعلق بالجامع اما الافراد فيكون التخيير بينها بحكم العقل او بلسان الشرع والا فالتخيير العقلي والشرعي متعلق بالجامع لكنه ليس الجامع الذاتي والحقيقي وانما في الجامع الانتزاعي، هذه النظرية اذا قبلنا شقا واحدا منها فتاتي الثمرة من البحثين المتقدمين ان الاوامر والنواهي متعلقة بالكليات بما انها فانية في الافراد من دون وجوب المشخصات، والمبحث الثاني ان التخيير العقلي والشرعي سواء كان على النظرية الاولى او الثانية اوالثالثة تاتي الثمرة وتاتي بحوثا فقهية مهمة تاتي على هذه الثمرة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo