< قائمة الدروس

درس الاصول الاستاذ حسن الجواهري

جلسه 21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: قاعدة الترتب.

كان الكلام يدور حول امكان فكرة الترتب وهو ان يـأمر المولى بالاهم فان لم يأتي المكلف بالاهم فيتوجه له تكليف بالمهم في صورة تزاحم الأهم والمهم وعدم امكان المكلف من اتيانهما معاً، كما في انقاذ الغريق في آخر وقت الصلاة وصلاة الظهر والعصر في آخر وقتهما، فهنا لا يتمكن من اتيانهما معا فوجدت فكرة الترتب التي ابدعها المحقق الثاني وهي فكرة صحيحة وسار عليها اكثر العلماء بل جميعهم في الوقت الحاضر الاّ من شذ حيث ذهب الى عدم امكان الترتب لانه امر بالضدين

امكان الترتب

ذكرنا ان فكرة الترتب ممكنة لان الامر بالضدين ليسا عرضيين حتى تكون الاستحالة موجودة بل الامر بالضدين طوليين، واستدللنا على ذلك فيما تقدم، كما ذكرنا ان التمانع انما هو في امتثال الضدين ، وليس التمانع في وجود الامر بالضدين، وذكرنا انه لاتمانع بين الامر بالاهم وبين الامر بالمهم على تقدير عصيان الاهم، فأن الامر بالأهم لا يمانع من الامر بالمهم على تقدير ترك الاهم، والأمر بالمهم على تقدير ترك الأهم لايمانع الأمر بالأهم لانه فرع عصيان الأهم.

برهان منطقي على امكان الترتب

الآن نذكر البرهان الثالث على امكان الترتب، وهو البرهان المنطقي القائل ان الامر الترتبي في المقام يكون من المنفصلة المانعة للجمع لا المنفصلة المانعة للخلو، ومانعة الجمع مثالها كما اذا قلنا: اذا فاض ماء النهر فاما ان يغرق الزرع او يسيل الماء الى الأودية، وحينئذ يمتنع اجتماع كل من اجتماع الغرق وسيلان الماء الى الاودية، فان سيلان الماء الى الأودية يوجب عدم غرق الزرع لنقصان ماء النهر بتوجه الماء الى الاودية، فلا يصل الماء الى الزرع حتى يغرقه، فغرق الزرع ينافي سيلان الماء الى الأودية ولا يمكن اجتماعهما، بل غرق الزرع مترتب على عدم سيلان الماء الى الاوديه ولا غرق مع السيلان، هذه هي المنفصلة المانعة للجمع، نأتي الى موردنا، فنقول اما ان يكون الشخص فاعلاً للأهم وهو انقاذ الغريق (فلا أمر بالمهم)، واما ان يجب عليه المهم، فهذه منفصلة مانعة للجمع، اذاً يوجد تنافي بين وجوب المهم وفعل الأهم، مع وجود التنافي كيف يعقل ايجاب الجمع حتى يكون مستحيلاً.

هذا دليل منطقي على امكان الترتب، فان الترتب من المنفصلة المانعة للجمع، ففي مثال انقاذ الغريق والصلاة في آخر الوقت، نقول: ان فعل الشخص الأهم فهو، والاّ فيجب عليه المهم، فوجد تنافي بين وجوب المهم و فعل الاهم ومع التنافي لا يمكن الجمع بينهما فزال اشكال الاستحالة من اساسة.

هذا الدليل الذي ذكرناه هو أحد تفاسير الوجوب المشروط، فالوجوب المشروط يرجع لُباً الى ارادة مطلقة متعلقة بالجامع بين الجزاء على تقدير الشرط وعدم الشرط، كأن تقول المرأة لزوجها: اتزوجك بشرط إن تعودت على التخدير فانا وكيلة في طلاق نفسي، وهذا الشرط يرجع الى ارادة مطلقة بالجامع، فاما ان اطلق نفسي اذا تعودت على التخدير او ان لا تتعود، فالقضية المشروطة والوجوب المشروط يرجع لبّاً الى ارادة مطلقة متعلقة بالجامع بين حصول الجزاء عند حصول الشرط وبين عدم حصول الشرط، فالوجوب المشروط لبّاً يرجع الى ارادة مطلقة متعلقة بالجامع على ارادة الجزاء اذا حصل الشرط او لا يحصل الشرط، مثلاً اذا عطشتُ اريد الماء، فهذه القضية الشرطية مرجعها الى ارادة فعلية للجامع بين ان لا يعطش أو اذا عطش فانه يريدالماء، فالقضية التي هي منفصلة مانعة للجمع مثالها المتقدم اذا فاض ماء النهر فاما ان يغرق الزرع واما ان يسيل الماء الى الوادي ولايمكن اجتماعهما معا، هي احد تفاسير الواجب المشروط الذي يرجع لبّا الى ارادة متعلقة بالجامع بين حصول الجزاء اذا حصل الشرط او لا يحصل الشرط، فالذي يقول انا اريد الماء على تقدير العطش فهذه القضية ترجع لبّا الى ارادة الجامع بين ان لا يعطش أو اذا عطش فيشرب الماء، فعلى هذا التفسير للواجب أو الوجوب المشروط ترتفع شبهة استحالة الترتب في المقام، لانه امر بالجمع بين الضدين والامر بالجمع بين الضدين مستحيل، وهنا لاجمع بين الضدين فاما ان لا يعطش او اذا عطش فيشرب الماء، اذاً هي مانعة للجمع وعليه فالشبهة من أساسها ارتفعت، فانه لاجمع بين الضدين لانها منفصلة مانعة للجمع، فوجوب الأمر بالمهم مشروط بترك الأهم، فهو يرجع الى ارادة الجامع بين إتيان المهم على تقدير ترك الأهم او اتيان الاهم وبينهما مانعة جمع، فكيف تأتي الشبهة القائلة بأن الترتب هو أمر بالجمع بين الضدين، فالأمر بالجامع بين المهم على تقدير ترك الأهم أو اتيان الاهم هذا ليس فيه شبهة التضاد أبداً، إنما التضاد يكون بين الاهم تعيينا و المهم تعيينا، بينما الترتب الأهم تعيني والمهم ليس تعيني بل هو على فرض ترك الأهم فلا شبهة في امكان الترتب بناء على هذا الدليل المنطقي.

اذاً ذكرنا ثلاثة ادلة لامكان الترتب، وذكرنا اربعة مقربّات للترتب رابعها هو هذا الدليل الذي ذكرناه وهو المنفصلة المانعة للجمع ولكن ذكرناه بصورة الواجب او الوجوب المشروط

الترتب من الجانبين

يمكننا ان نذكر الترتب من الجانبين، كما اذا الوالد لابد من الحضور عنده في الساعة الثامنة وكذا لابد من الحضور في نفس الساعة عند الوالدة ايضاً فهذا لايمكن، قلنا ان الترتب من الجانبين يقول اذا تركت الذهاب الى الاب فاذهب الى الام واذا تركت الذهاب الى الام فاذهب الى الاب، هناك ادلة فلسفية معقدة مركبة ف ولكننا ناتي الى الدليل الواضح وهو ان ترك احد الواجبين هو منشأ انتزاع العصيان، وترك احد الواجبين الذي هو منشأ لانتزاع العصيان هو بنفسه موجبا للواجب الاخر، فاذا تركت الذهاب الى الاب الذي هو منشأ انتزاع العصيان فاذهب الى الام وبالعكس، وهذا هو الترتب من الجانبين.

فما هو معنى هذا الكلام؟ هذا يعني ان المكلف عنده داعي نحو الجامع بين الذهاب الى الاب او الذهاب الى الام فالداعي نحو الجامع بين الفعلين مادام غير قادر عليهما معاً وهو المفروض، وهذا هو معنى القول اذا لم تذهب الى الاب فاذهب الى الام واذا لم تذهب الى الام فاذهب الى الاب، ولا ياتي اشكال الدور لاننا بهذا لكلام الذي قلنا ان ترك احد الواجبين الذي هو منشأ انتزاع العصيان هو الموجب للواجب الاخر، هو وجود الداعي نحو الفعلين ما دام الفعلان غير مقدورين، نعم اشكال الدور يرتفع فقد قالوا: ان الامر بالذهاب الى الام متوقف على الامر بعصيان الامر بالذهاب الى الأب، وهذا الامر بعصيان الامر بالذهاب الى الاب متوقف على وجود الامر بالذهاب الى الاب، فلزم ان الامر بالذهاب الى الام متوقف على الأمر بالذهاب الى الأب، وكذا العكس فالامر بالذهاب الى الاب متوقف على الامر بعصيان الامر بالذهاب الى الام، المتوقف على وجود أمر بالذهاب الى الام، فلزم أنّ الأمر بالذهاب الى الأب متوقف على الأمر بالذهاب الى الام، وهذا الدور قد زال بقولنا المتقدم، فأن الأمر بالذهاب الى الام متوقف على ترك فعل الذهاب الى الأب، فالامر بالذهاب الى الام ليس كما قالوا متوقفاً على الأمر بعصيان الأمر بالذهاب الى الأب، المتوقف على وجود الأمر بالذهاب الى الأب فيلزم الدور ، كلا نحن لم نقول بهذا، بل قلنا ان الامر بالذهاب الى الام متوقف على ترك فعل الذهاب الى الاب، هذا أي ترك فعل الذهاب الى الاب غير متوقف على الامر، فترك الذهاب الى الاب غير متوقف على الامر.

فالدور يأتي اذا كان الذهاب الى الاب متوقف على الأمر بعصيان الذهاب الى الاب المتوقف على وجود أمر، بل ان ذهابي الى الام متوقف على ترك الفعل بالذهاب الى الأب، وهذا غير متوقف على الأمر، وكذالك الذهاب الى الأب متوقف على ترك الذهاب الى الام، وترك الذهاب الى الام غير متوقف على الأمر، حتى يكون أمر متوقف على أمر وهذا الأمر متوقف على أمر فيحصل الدور.

ولذلك قال الشيخ الانصاري (قده) في تعارض الخبرين بناء على السببية لا الطريقية بان هذا سبب وهذا سبب، قال في تعارض الخبرين: ان الأمر بالعمل بكل واحد منهما مشروط بترك الآخر وهذا ليس الا الترتب من الطرفين.

هذا خلاصة ما يقال في إمكان الترتب من جانب واحد ومن جانبين .

الآن لايكفينا هذا المسير لاثبات الترتب وغلق المسألة لوجود اشكالات على امكان الترتب، وهذه الاشكالات لابد من دفعها فيكون عندنا برهان على امكان الترتب ودفع الاشكالات حتى تكون المسألة منقحة ومرتبه.

اشكال على الترتب

اول اشكال عى امكان الترتب اننا اذا قلنا بامكان الترتب فمعنى ذالك امكان ان يتوجه الى المكلف خطابان في شيئين متضادين مثل خطاب انقذ الغريق، وخطاب ان لم تنقذ الغريق فصلي، وحينئذ اذا لم يحصل الانقاذ ولم تحصل الصلاة فلازمه ان يعاقب المكلف بعقابين، مع ان المكلف ليس له القدرة الاّ على احد الفعلين فقط، فيكون احد العقابين على أمر غير اختياري، والعقاب على امر غير اختياري قبيح كالتكليف من غير اختيار، وهذا الاشكال يوجه لمن قال بامكان الترتب، ونحن قلنا بامكان الترتب .

جواب الميرزا النائيني

الميرزا النائيني (قده) اجاب بانه: نعم تلتزم بوجود عقابين على هذا المكلف، لان المكلف قادر على الجمع في العصيان بترك الاهم وترك المهم، والعبرة باستحقاق العقاب هو ملاحظة كل خطاب بالنسبة الى كل مكلف في حد نفسه فخطاب، انقذ توجه اليّ فخالفته فيوجد عقاب، خطاب ان لم تنقذ الغريق فصلي توجه اليّ فخالفته فاستحق عقاب ثاني، فالأمر الاول وهو مقدور وقد تركته فاستحق العقاب وكذا الامر بالمهم مقدور اليّ ان لم انقذ فعند ترك الأهم يكون قد فعل المهم ويكون المهم مقدوراً فاذا ترك المهم يستحق عقاباً ثانياً، فالميرزا يقول نحن نقول بامكان الترتب واستحقاق عقابين لو ترك كلا الامرين، ويقول الميرزا انه اذا ترك الامر بالاهم والمهم فيستحق عقابين يوجد نظير هذا في الشريعة، وهو الواجب الكفائي فالواجب الكفائي لا يتحمل التكرار فدفن الميت اما ان يدفنه زيد أو عمرو، فالواجب الكفائي لايتحمل التكرار مع اننا اذا لم ندفن الميت فنعاقب جميعا، فتعدد العقاب مع ان القدرة على الدفن واحدة، لكن نقول ان كل من زيد وعمرو قادران على دفن الميت ولم يفعلا فلكل عقاب، وهذا مثل الترتب اذا ترك الانقاذ وترك الصلاة، اذاً يعاقب بعقابين فالجواب في الترتب والجواب في الواجب الكفائي وآحد، فالنائيني يقول الميزان في استحقاق العقاب هو ملاحظة كل خطاب بالنسبة الى كل مكلف في حد نفسه، والخطاب الاول بالنسبة لي مقدور فبتركه اعاقب والخطاب الثاني مقدور أيضاً فبتركه اعاقب ايضا، كما في مسألة ترك دفن الميت فالعقاب يكون على كل قادر، وكذا الكلام في تعاقب الأيدي على مال الغير، فلو سرق اخي سيارتي وسلمها الى جيراني وجيراني سلمها الى عدوي فصارت ثلاثة ايدي على السيارة، فالامر بارجاع السيارة ليس له الاّ امتثال واحد مع ان كل من الاخ والجيران والعدو معاقبون وهذا شبيه بالترتب، مع ان الواجب الكفائي والامر بارجاع المال الى صاحبه ليس له الاّ امتثال واحد فيكون صدور الفعل من الكل مقدورا بشرط ترك الآخرين له، والنكتة في استحقاق العقاب عند النائيني واحدة، لذالك قال هذان الامران الواجب الكفائي وتعاقب الايدي شبيهة بهذا، لأن نكتة استحقاق العقاب جارية في الثلاثة وهو ملاحظة كل خطاب الى كل مكلف في حد نفسه، فالميزان في استحقاق العقاب هو ملاحظة كل خطاب بالنسبة الى كل مكلف في حد نفسه، ففي الترتب المكلف واحد ولكنه توجه اليه خطابان يقدر عليهما لأنه يقدر على الأول فتركه ثم قدر على الثاني فتركه ايضاً فيستحق عقاب آخر، هذا ما قاله الميرزا النائيني ولنا معه كلام طويل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo