< قائمة الدروس

درس الاصول الاستاذ حسن الجواهري

جلسه 23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: قاعدة الترتب.

كان كلامنا في فكرة الترتب التي هي مبتنية على عدم وجود مزاحمة بين الأمر بالضدين، نعم يوجد هناك أمر بالضدين وكلا الامر فعلي وهذا أمر مسلّم، الاّ أن الأمر بالضدين لم يكن عرضياً بحيث يريد الجمع بينهما في وقت واحد فأن هذا محال، ففكرة الترتب تقول بأن الأمر بالضدين الفعليين في وقت واحد على نحو الجمع بينهما محال، لأن القدرة موجودة على أحدهما فأمر الشارع الحكيم بالضدين بأمرين فعليين في وقت واحد على ان يريد الجمع بينهما محال.

لكنّ فكرة الترتب تقول لا يريد الجمع بينهما عرضاً، وإنما فكرة الترتب تبدّل الأمر بالضدين الفعليين في وقت واحد الى الطولية، أي يريد الأمر بالأهم فقط، ولكنه يقول ان عصيت وتحقق موضوع المهم فاريد منك المهم، فأن موضوع المهم هو عصيان الأهم المقارن مع فعل المهم، ففكرة الترتب تقول لايوجد محال فأن المحال في الجمع بين الضدين عرضاً، اما هنا فان المولي لا يريد الجمع بينهما عرضاً بل يبدّل فكرة الجمع العرضية الى الطولية، فانه يريد الأهم فان عصى والعصيان مقارن للمهم فانه يريد المهم، اما الذين يقولون بالمحال فقالوا لايكفي ان نقيد الأمر بالمهم بعصيان الأهم بل لابد ان نرفع الأمر بالمهم من اساسه حتى يرتفع التضاد، فقد ذكروا ان التقييد بالامر بالمهم لا يرفع الاشكال للتكليف بالمحال الناتج من الأمر بالضدين، فهناك قولان متقابلان.

نحن نقول: ان فكرة الترتب انما تعقل في الضدين الذين لهما ثالث كانقاذ الغريق والصلاة فانه يوجد لهما ثالث، فالانقاذ والصلاة ضدان لهما ثالث وهو الأكل، فتأتي فكرة الترتب، اما الضدان الذان لا ثالث لهما فلا يعقل الترتب فيهما لأن صدور الضد الآخر على تقدير ترك الأول هو أمر ضروري فلا يمكن الأمر به ولو بنحو الترتب، اذاً فكرة الترتب هي في الضدين الذين لهما ثالث.

الترتب من جانبين

الآن نقول: يوجد ترتب من الجانبين، فالذي تكلمنا فيه هو ترتب من جانب واحد وهو تضاد الازالة مع الصلاة في آخر الوقت وأحدهما أهم، فهنا وجد الترتب من جانب واحد يقول انقذ الغريق فان لم تنقذ الغريق فصلي.

والترتب من الجانبين هو فيما اذا كان الضدان الذان يريدهما المولى وهما في مستوى واحد من الأهمية، ذهب الشيخ الأنصاري الى امكان فكرة الترتب من جانبين أيضاً، لكن لمّا كان امتثال التكليف للعمل بكل منهما أي بالتكليفين المتزاحمين المتساويين كسائر التكاليف الشرعية، فهناك تكليفان متساويان لا يمكن امتثالها معاً، مثلاً اذا وجب الحضور عند الأب في الساعة الثامنة صباحاً و وجب الحضور عند الام في الساعة الثامنة صباحاً أيضاً، فهنا لايمكن أن يأتي بهذين التكليفين في الساعة الثامنة، فهنا نقول بما انّ امتثال التكليف بالعمل بكل منهما كبقية التكاليف مشروط بالقدرة والمفروض ان كلاً منهما مقدور اذا ترك الآخر، فكل منهما مع ترك الآخر مقدور يحرم تركه، هذا مقدور اذا ترك الآخر فيحرم تركه وهكذا الآخر، ومع ايجاد الآخر يجوز ترك الأول ومع ايجاد الأول يجوز ترك الآخر ولا يعاقب عليه، فوجب الأخذ بأحدهما نتيجة ادلة وجوب الامتثال والعمل بكل منهما بعد تقييد وجوب الامتثال بالقدرة وهذا مما تحكم به بديهة العقل كما في كل واجبين اجتمعا على المكلف ولا مانع من تعيين كل منهما على المكلف بمقتضى دليله الاّتعيين الآخر عليه، هذا هو الترتب من الجانبين.

اشكل على هذا الترتب

الاشكال على الترتب من الجانبين هو ان الترتب من الجانبين يستلزم محذور في مرحلة الامتثال، لأننا اذا فرضنا العبد منقاداً وفرضنا أنه لولا الأمر لما كان له داعي الى ايّ واحد من الفعلين، فانه سوف يوجب الترتب من الطرفين بالنسبة له داعيين مشروطين بكل منهما، فكل منهما مشروط بعدم الآخر وهذا مستحيل، فانه يعني ان يقال له اذهب الى الأب اذا تركت الذهاب الى الام وبالعكس.

و وجه الاستحالة هو ان كل واحد من الفعلين تحققه في الخارج مشروط بعدم الأخر، فان الذهاب الى الأب يتوقف على وجود الداعي نحوه الموقوف على فعليّة الأمر بالذهاب الى الأب الموقوف على ترك الذهاب الى الام والعكس أيضاً كذلك، اذاً يكون كل من الفعلين في مقام الامتثال متوقف على عدم الآخر، وهذا مستحيل لأنه يلزم من وجودهما معاً عدم وجودهما، ومن عدمهما وجودهما، ووجود أحدهما دون الآخر فهو ترجيح بلا مرجح لأننا فرضنا التساوي بينهما.

هكذا اُشكل على الترتب من الجانبين، والإشكال يتركز على نقطة وآحدة وهي ان في الترتب من الجانبين هناك داعيان مشروطان فجاء المحذور ، اذاً يكون كل من الفعلين في مقام الامتثال متوقف على عدم الآخر (وهذا مستحيل) اذ يلزم من وجودهما عدم وجودهما.

والجواب

لا نقول بوجود واجبين مشروطين، فلا أساس لهذا الإشكال فان هذا المكلف يحصل في نفسه من أول الأمر داعي نحو الجامع بين الفعلين، فلابد من فعل أحدهما،وهذا الداعي نحو الجامع بين الفعلين يكون تطبيقه إما بمرجح شخصي، أو بأفضلية شرعية، أو بلا مرجح كما في الممكن في الأفعال الاختيارية كما لو كان طريقان فانه يسلك أحدهما بلا مرجح، ففي الترتب من الجانبين لايوجد واجبان مشروطان، بل داعي واحد بين الجامع للفعلين، ففكرة الترتب من الجانبين معقولة ولا اشكال عليها.

امكان فكرة الترتب

الآن نقول هل ان فكرة الترتب صحيحة أو باطلة؟.

فأن هناك من يقول انها مستحيلة، وهناك من يقول انها ممكنة، نقول الحق إمكان فكرة الترتب، وقبل أن نأتي بالبراهين العقلية نقول: الجمع بين الضدين يكون محالاً اذا كان عرضياً، أما اذا كان الجمع بين الضدين طولياً فلا اشكال فيه، ونحن ندعي ان فكرة الترتب هي جمع بين الضدين الطوليين لا العرضيين.

وذلك لما ثبت في تقسيم الواجب، فعندنا واجب مطلق وعندنا واجب مشروط، فالواجب المشروط يكون الشرط فيه راجع الى الموضوع، وحينئذ يكون الواجب المشروط عبارة عن الحكم المجعول على موضوع مقدّر، أي مقدر وجوده على نحو القضية الحقيقية، ووجود الشرط في الواجب المشروط عبارة عن تحقق موضوعه في الخارج، فلو تحقق موضوعه ( الواجب المشروط) في الخارج فهل ينقلب من الكيفية التي جعل عليها أو يصير واجباً مطلقاً.

فنقول اذا تحقق الشرط خارجاً فلا ينقلب الواجب المجعول عن الكيفية التي جعل عليها، مثلا وجوب الحج نشأ من الأول مشروطاً بوجوب موضوعه وهو البالغ العاقل المستطيع، فاذا تحققت الشروط فان الحج يبقى واجباً مشروطاً ولا ينقلب، واذا لم تتحقق فانه ايضاً واجب مشروط، فالواجب المشروط يبقى واجباً مشروطاً تحققت الشروط ام لم تتحقق، أما بالنسبة الى الأمر بالأهم والمهم في صورة الترتب من جانب واحد فان أزل النجاسة أمر فوري وهو أهم من الصلاة في آخر الوقت، فندعي ان هناك أمر مطلق وهو (أنقذ) لأننا في التزاحم قدمنّا الأهم، لكن في المهم نقول المهم مشروط بترك الأهم فالمهم المشروط بعصيان الأهم هل هو مشرو ط قد وجد شرطه وهو العصيان الملازم للصلاة ام لم يوجد شرطه فالمهم هو مشروط.

نعم اذا تحقق شرطه فيصير فعلياً، أما لسان الأهم فيقول أنا المقدم فمن دوني لا أمر بالمهم وليس للأهم واجب بالمهم، ولسان المهم يقول ان وجد موضوعي في الخارج فيجب فعل متعلقي، اي اذا عصيتَ فأت بي، فعلى هذا تتم طولية الأمر بالمهم بالنسبة للامر بالاهم ويخرج عن العرضية الى الطولية، لأن امتثال خطاب الأهم يرفع خطاب المهم، فان امتثال خطاب الأهم ينفي موضوع المهم لأنه لا عصيان، ولكن قبل امتثال خطاب الأهم نقول: ان خطاب الأهم موجود وكذا خطاب المهم موجود وهما فعليّان لتحقق موضوعهما، لكن هذا الاجتماع لا يوجب الجمع بين الضدين ليكون محالاً.

فأن ايجاب الجمع بين الضدين يكون في حالتين:

الاولى: ان نقيد كل من المتعلقين بحال فعل الآخر، أي أنقذ إذا صليت وصلي اذا أنقذت، فهنا يكون محال، لأنه جمع بين الضدين،

الثانية: يجب عليك الانقاذ مطلقاً صليت او لا ويجب عليك الصلاة مطلقاً انقذت ام لا فهنا يكون جمع بين الضدين.

لكن قلنا لايوجد لدينا تقييد لكل من المتعلقين فعندنا واحد مطلق والآخر مشروط، ومعه فكيف يقتضي الخطاب الترتبي الجمع، لأن المطلق يزيل موضوع المهم فلايريد الجمع لانه غير ممكن، فلو فرضنا ان الانقاذ يحتاج الى خمس دقائق والصلاة تحتاج الى اربعة دقائق فالمجموع تسع دقائق ووقته خمس دقائق فقط، فاما أن يأتي بالانقاذ وسيتم الوقت أو ان يصلي باربعة دقائق فالدقيقة لا شيئ، فاذا اشتغل بالانقاذ فلا أمر بالمهم واذا لم يشتغل بالانقاذ أي عصى فهنا نقول ان الأمر الأول فعلي ويقول اترك الصلاة وانقذ، ولا يقول اجمع بيني وبين الصلاة، واذا عصينا فان العصيان في كل الوقت، فالموجود هو المهم فقط، فحين العصيان واشتغالنا بالصلاة التي هي مقارنة للعصيان الأمر بالأهم فعلي، فأن الأمر الفعلي لا يقول جئني مع الصلاة بل يقول اترك الصلاة وجئني، فالمهم عندما هو فعلي فالأهم أيضاً فعلياً في اللحظة الاولى ولكنه لا يقول اجمعني مع الصلاة، بل يقول اترك الصلاة وجئني فالموجود هو أمر واحد فقط لا أمرين.

وهذه فكرة الترتب من جانب واحد ، وهذا ليس برهاناً يستدل به على الترتب من جانب واحد بل هذا تقريب لفكرة الترتب،

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo