« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

47/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 -التنبيه الثاني ( قاعدة التسامح في أدلة السنن )- تنبيهات البراءة - أصالة البراءة - الأصول العملية.

الموضوع: - التنبيه الثاني ( قاعدة التسامح في أدلة السنن )- تنبيهات البراءة - أصالة البراءة - الأصول العملية.

 

وقد يستدل للاحتمال الثاني بثلاثة أمور: -

الأمر الأول: - ما ذكره السيد الخوئي في أجود التقريرات[1] ، من أنَّ اثبات الثواب للعمل حتى على تقدير خطأ البلوغ يدل على أنَّ نفس البلوغ يولّد ملاكاً لاستحباب الفعل استحباباً نفسياً، فالفعل يصير مستحباً بالاستحباب النفسي بسبب طرو عنوان بلوغ الثواب عليه، فالفعل بذاته ليس عليه ثواب ولكن بقيد بلوغ الثواب عليه سوف يكون مستحباً، وبالتالي يكون الثواب ثابتاً على هذا الفعل الذي بلغ عليه الثواب.

الاحتمال الثاني: - ما ذكره الشيخ النائيني أيضاً في فوائد الأصول[2] ، من أنَّ جملة ( فعمله ) في الحديث هي جملة خبرية إلا أنها بمعنى الإنشاء، يعني أنَّ المقصود هو ( فليعمله ) فإنَّ الخبر قد يأتي بمعنى الإنشاء ويستعمل بمعنى الإنشاء، وهنا الحديث يريد أن يأمر بالفعل وأنَّ من بلغه ثواب على عمل فعمله يعني فليعمله، وعليه فيوجد أمر، فالثواب يكون على امتثال هذا الأمر.

الاحتمال الثالث: - إنَّ المستفاد من الأخبار الكثيرة هو الحث على الفعل البالغ عليه الثواب، وهذا يدل على استحباب الفعل بعنوان البلوغ.

ولكن الجميع قابل للتأمل: -

أما ما أفيد أولاً فيردّه: - إنَّ البلوغ لو كان يولد استحبابا نفسياً فلماذا يختلف الثواب من حيث المقدار باختلاف المخبر عنه؟!! بل يلزم أن يكون الثواب بمقدارٍ واحدٍ دائماً، لأنَّ البلوغ عنوان واحد في كل خبر، والعنوان الواحد لا يقتضي إلا شيئاً واحداً وهو أن يكون الثواب واحداً لا أنه يختلف باختلاف المقدار المخبر عنه.

هذا مضافاً إلى أنَّ اثبات الثواب حتى على تقدير خطأ الخبر إنما يدل على الاستحباب النفسي لو لم يمكن تفسيره بشكلٍ آخر، والحال أنه يمكن تفسيره بشكلٍ آخر من قبيل كون ذلك وعدٌ وتفضلٌ منه سبحانه وتعالى بهدف الحفاظ على امتثال المستحبات الواقعية المحتملة.

وأما ما افيد ثانياً فيرد عليه: - إنَّ ما ذكر وجيه في جملة الجزاء وليس في جملة الشرط، فمثلاً ليس من الوجيه حينما يقال ( من زاد في صلاته سجد للسهو ) أن يفسَّر الفعل ( زاد ) بمعنى الأمر، نعم في الجزاء يمكن أن يفسَّر الفعل ( سجد ) بمعنى ( فليسجد ) وأما في فعل الشرط فلا يفسَّر بالأمر فإنَّ ذلك ليس بوجيه، وفي المقام حيث إنَّ فعل ( فعمله ) الوارد في الحديث هو جزء من الجملة الشرطية والجزاء هو ( كان له ذلك الثواب ) فليس من المناسب تفسيره بالأمر.

وأما ما أُفيد ثالثاً فيرد عليه: - صحيحٌ أنَّ هذا الحثُّ موجود ولكن يمكن أن يكون من باب الحفاظ على المستحبات الواقعية المحتملة، يعني كأنه يراد أن يقال ( كل ما وردك من مستحبات ائت بها تحفظاً عليها )، فأخبار من بلغ هي ناظرة إلى التأكيد والحث على المستحبات الواقعية، نظير ما إذا قيل ( كلما احتملت بشغل ذمتك بدينٍ للناس فادفع لهم ذلك الدين ) فإنَّ هذا كما يلتئم مع تفريغ الذمة من المشكوك يلتئم أيضاً مع رجحان الجزم بتفريغ الذمة من التكاليف الواقعية المحتملة، فالأمر قد يكون من باب الجزم بفراغ الذمة من التكاليف المحتملة، وعليه فهذا الاحتمال قابل للتأمل أيضاً.


logo