47/04/21
-الكلام يجر الكلام ( صور الشك في الحلّية ) - التنبيه الأول- تنبيهات البراءة - اصالة البراءة - الأصول العملية.
الموضوع: - الكلام يجر الكلام ( صور الشك في الحلّية ) - التنبيه الأول- تنبيهات البراءة - اصالة البراءة - الأصول العملية.
ومن باب الكلام يجر الكلام نتكلم أيضاً عن عنوان آخر، وهو صور الشك في الحلية.
صور الشك في الحلّية: -
الشك في حلّية الحيوان له أربعة صور.
الصورة الأولى: - أن يشك في حلَّية الحيوان لا من ناحية أنه قابل للتذكية أو غير قابل لها وإنما قابل للتذكية جزماً، ولا من ناحية أنه مغصوب أو ليس بمغصوب، بل من باب احتمال أنه مما يحرم أكله في حدّ نفسه، كما هو الحال في الأرنب فإنه يشك في حلّيته من باب أنه حلال الأكل في حدّ نفسه أو لا.
الصورة الثانية: - أن يشك في حلّيته من ناحية الشك في قابليته للتذكية، فنحن نعرف أن التذكية متقوّمة بعدة أمور، بأن يكون الذابح مسلماً واستقبال القبلة وأن يكون الذبح بالحديد، ونحن نفترض الآن الشك في حلَّيته من جهة أنه هو قابل للتذكية أو لا.
الصورة الثالثة: - أن يفترض الشك في الحلّية من جهة احتمال طروّ ما يوجب عدم قابليته للتذكية، كما إذا احتملنا أنه صار جلالاً أي يعيش على النجاسة.
الصورة الرابعة: - أن يشك في حلّيته من جهة احتمال كون آلة الذبح يعتبر كونها من الحديد ونشك في أنَّ هذه الآلة هي من الحديد أو ليس منه، فالشك هنا نشأ من احتمال اشتراط كون آلة الذبح من الحديد.
أما الكلام في الصورة الأولى: -
الشك تارةً يكون بنحو الشبهة الحكمية، وأخرى يكون بنحو الشبهة الموضوعية.
أما الشك بنحو الشبهة الحكمية: - فمثاله الأرنب حيث نجزم بكونه قابل للتذكية جزماً ولكن نشك أنه حلال في حدَّ نفسه أو لا، فهو قد ذكّي جزماً ولكن نشك في حلَّية أكل لحمه في حدَّ نفسه، فالشك هنا من الشك بنحو الشبهة الحكمية لأننا نعلم أنه قابل للتذكية جزماً ولكن لا نعلم أنه حلال الاكل أو حرام، والمناسب في مثل هذه الحالة الرجوع إلى ما يدل على حلّية كل مشكوك الحلَّية، وفي المقام قد يقال يوجد عموم يدل على ثبوت الحلّية، من قبيل قوله تعالى:- ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾[1] ، فإنه قد يتمسك به وأنه يدل على حلّية كل مخلوقٍ إلا ما خرج بالدليل ودل الدليل على حرمته - وهذا تخصيص - وحيث إنَّ الأرنب لا يوجد فيه مخصّص فحينئذٍ نتمسك بهذا العموم لاثبات حلّيته، ومن قبيل قوله تعالى:- ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾[2] ، والأرنب ليس من المستثنيات التي ذكرتها الآية الكريمة وعليه فإذا شككنا بنحو الشبهة الحكمية في حلّية أكل لحم الأرنب نتمسك بهذا العموم لاثبات الحلّية.
فإن تم أحد هذين العمومين فبها وإلا فنتمسك لاثبات الحلّية بالبراءة من حرمة أكله، فنحن نشك هل يحرم اكل لحمه أو لا فنتمسك بأصل البراءة وبأصل الحلَّية لاثبات الحلّية، أو نتمسك باستصحاب البراءة، فإنه قبل مجيء الشريعة لم تثبت حرمة كل لحم الأرنب فنستصحب تلك الحلّية، أو أني قبل بلوغي لم يكن أكل لحم الأرنب حرام عليَّ وبعد بلوغي أشك في ذلك فاستصحب الحلّية الثابتة قبل البلوغ.
وأما الشك بنحو الشبهة الموضوعية - أو قل المصداقية -: - فنحن لا نعرف أنَّ هذا الحيوان هو دجاجة حتى يجوز اكلها أو هو حيوان آخر يحرم أكله - لأنه كان يوجد ظلام ولا نشخص أيهما هو - ففي مثل هذه الحالة لا يمكن التمسك بعمومات الحِلّ المتقدَّمة لاثبات الحلّية، لأنه يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز.
وإذا لم نقل بهذا فقد يتمسك لذلك بأصل الحلّية، أو يتمسك باستصحاب عدم حرمته الثابت قبل وجوده، فإنه قبل أن يوجد ويخلق هذا الشيء لا حرمة موجودة له والآن نشك فنستصحب عدم الحرمة الثابت قبل وجوده.