« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

47/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 -قول الاخباريين بلزوم الاحتياط حتى في الشبهة البدوية وأدلتهم على ذلك والرد عليها- البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

الموضوع: - قول الاخباريين بلزوم الاحتياط حتى في الشبهة البدوية وأدلتهم على ذلك والرد عليها - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

 

ما تقدم كان بالنسبة إلى المدرسة الأصولية، فإنها ترى أنَّ الأصل يقتضي البراءة.

وأما الإخباريون: - فالمنقول عنهم والمنسوب إليهم أنهم يبنون على لزوم الاحتياط حتى في الشبهة البدوية، حيث يقولون بعدم وجود العلم الاجمالي كما يقولون بعدم وجود روايةٍ في ذلك فيكون الأصل حينئذٍ هو الاحتياط.

أدلة الاخباريين على وجوب الاحتياط: -

إنَّ كل ما تقدم كان يرتبط برأي المدرسة الأصولية التي تذهب إلى أنَّ الأصل في الشبهة البدوية يقتضي البراءة، ولكن نسب الخلاف إلى المدرسة الإخبارية، وقد نقل لهم الشيخ الأعظم(قده) رسائله ثلاثة ادلة على لزوم الاحتياط، الكتاب الكريم، والسنَّة الشريفة، وحكم العقل، والمهم من هذه الأدلة هو الثالث، وقد أطال الشيخ الأعظم(قده) الكلام فيها، لكننا نختصر ما ذكره ثم نعلق عليه.

أما ما ذكره من أدلتهم: - فإنه قال إنَّ هناك ثلاثة أدلة قد يستدل بها على كون الأصل هو الاحتياط.

الدليل الأول: - الكتاب الكريم، حيث قد يقال قد دلت جملة من الآيات الكريمة على وجوب الاحتياط في مورد الشبهة الحكمية: -

منها:- قوله تعالى:- ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾[1] ، وقوله تعالى:- ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾[2] ، وقوله تعالى:- ﴿ واتقوا الله حق تقاته ﴾[3] .

وتقريب الدلالة جميع الآيات واحد، وذلك بأن يقال: إنَّ ارتكاب الشبهة التحريمية بشبهةٍ بدويةٍ مثل التدخين لا يوجد دليل على حلّيته كما لا يوجد دليل على حرمته، فيكون ارتكاب هذه الشبهة لا يجوز لأنه اتباعٌ لغير العلم، والآية الكريمة الاولى تقول ﴿ ولا تقف ا ليس لك به علم ﴾، وأيضاً هو موجب للإلقاء في التهلكة فتشمله الآية الثانية، وأيضاً هو منافٍ للتقوى فتشمله الآية الثالثة.

وفي مقام الجواب نقول: - إن الآيات الكريمة الثلاث يمكن الإجابة عنها.

أما الآية الأولى: - فلأنه بعد تمامية الدليل على البراءة من قبيل لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها أو حديث الرفع ونحو ذلك فبعد امامية هذا الأدلة لا يكون الحكم بالبراءة اقتفاءً وحماً بغير العلم.

وأما الآية الثانية: - فمن المعلوم أنه بعد تمامية الدليل على البراءة كما ذكرنا من كتاب وسنة لا يصدق حينئذٍ التهلكة والالقاء فيها.

على أنه قد يقال إنَّ التمسك بالآية الكريمة هو من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لأنه لا يُحرَز تحقق الهلكة بارتكاب الشبهة البدوية وإنما يحتمل ذلك، فيكون المورد من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. وعلى هذا الأساس لا يجوز التمسك بهذه الآية الكريمة لاثبات الاحتياط بعد وجود المؤمنات - للبراءة – التي ذكرناها سابقاً.

وأما الآية الثالثة: - فبعد ثبوت التأمين بالأدلة المتقدَّمة من قبيل ﴿ لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ﴾ ومن قبيل ( رفع عن امتي ما لا يعلمون ) لا يكون ارتكاب الشبهة البدوية منافياً لحق التقوى.

الدليل الثاني: - الروايات، فنذكر التمسك بطائفتين، الأولى وهي الآمرة بالوقوف عند الشبهة، من قبيل: ( الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة )[4] .

ومن قبيل: ( أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت )[5] ، يعني كلما استطعت أن تحتاط لدينك فافعل، والدلالة على ما يرومه الإخباري من لزوم الاحتياط في الشبهة البدوية واضحة.

وفي الجواب نقول: -

أما الآية الكريمة الأولى نقول: -

أولاً: - بعد تمامية دليل البراءة الذي ذكرناه فيما سبق من آيات وروايات - من قبيل وقلوه تعالى ﴿ لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ﴾ ومن قبيل ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) - فحينئذٍ لا يصدق عنوان الاقتحام في الهلكة على ارتكاب الشبهة بالدوية بعد وجود هذه الأمور المجوّزة للارتكاب - من الآية والرواية – وعليه فلا يمكن التمسك بالآية الكريمة إذ لا يصدق عنوان الاقتحام في الهلكة.

ثانياً: - أنَّ الوارد في الرواية هو ( الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة )، فتعبير ( خير من الاقتحام في الهلكة ) لا يدل على لزوم الامتناع، بل تريد الرواية أن تقول إنَّ احتمال الاقتحام في الهلكة موجودٌ في الشبهة فيكون الأولى والأفضل عدم الاقتحام فيها ، وعليه فهذه الطائفة لا يمكن التمسك بها.

وأما الطائفة الثانية التي قالت ( أخوك دينك فاحتط لدينك ) فنقول:- إنَّ المقصود هو الاحتياط للدين في موارد الشبهة، ومن العلوم أنه بعد تمامية الدليل على البراءة فحينئذٍ لا يصدق عنوان الشبهة حتى نتمسك بعنوان ( اخوك دينك فاحتط لدينك ).

ثم أنَّ الرواية قالت ( احتط لدينك بما شئت )، وتعبير ( بما شئت ) لا يتناسب مع لزوم الاحتياط بل يتناسب مع الرجحان.

ومع فرض التنزّل وتمامية هذه الطائفة التي قد يستدل بها الاخباري على وجوب الاحتياط نقول: - إنَّ هذه الروايات معارضة بالروايات التي يستدل به على البراءة وبما يستدل به على البراءة، وبعد حصول المعارضة يلزم الجمع بينهما، فإنّ أحدهما تقول ثبت في حقك البراءة والثانية تقول يلزمك الاحتياط، فنحمل التي تقول بلزوم الاحتياط على الاستحباب بقرينة الروايات المجوّزة.

هذا كله بالنسبة إلى الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة.


logo