46/11/19
-الأمر الثالث عشر ( ما هي نكتة الامتنان؟ ) - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع: - الأمر الثالث عشر ( ما هي نكتة الامتنان؟ ) - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
كان كلامنا في امكان اثبات البراءة من خلال الاستصحاب وقلنا قد يتمسك لاثبات البراءة من خلال الاستصحاب بتقريبات أربع، وكان الأول منها كان للشيخ الأعظم، وهو استصحاب البراءة الثابتة زمان الصغر، فقبل البلوغ لم يكن التدخين مثلا محرماً عليه وبعد البلوغ نشك هل صار محرماً عليه أو لا فنستصحب عدم التحريم - أي البراءة السابقة الثابتة قبل الصغر -، والتقريب الثاني كان هو استصحاب البراءة الثابتة قبل التشريع الإسلامي، والتقريب الثالث كان هو استصحاب البراءة الثابتة في التشريع الإسلامي ولكن في بدايته، والتقريب الرابع هو استصحاب البراءة قبل تحقق الشرط إذا كان الحكم الذي نريد أن نستصحبه مشروطاً فنستصحب البراءة الثابتة قبل تحقق الشرط.
أما التقريب الأول فقد ناقشه الشيخ الأنصاري وقال: - إذا أردنا استصحاب البراءة فإما أن نستصحب عدم المنع الثابت في زمان الصغر حيث نقول إنه في زمان ما قبل البلوغ لم يكن هناك منعٌ من التدخين مثلاً ونشك بعد البلوغ في ذلك، وكذلك صلاة الجمعة لم تكن واجبة قبل البلوغ ونشك بعد البلوغ في وجوبها فنستصحب البراءة، أو نستصحب الترخيص الشرعي الثابت قبل زمان البلوغ.
ولكن هذا الاستصحاب بكلا نحويه لا يجري، أما استصحاب عدم المنع فيرده إنَّ استصحاب عدم المنع لا يجري باعتبار أنَّ شرط جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب أمراً مجعولاً أو له أثر مجعول، ومن الواضح أنَّ عدم المنع زمان الصغر ليس أمراً مجعولاً فإنه لو كان هناك شيء مجعول فهو المنع لا عدم المنع فإنَّ عدم المنع لا يجعل بل الذي يجعل هو المنع، فعدم المنع في زمان الصغر ليس بثابتٍ حتى يستصحب، كما أنه ليس له أثر جعول، وشرط جريان الاستصحاب أن يكون مجعولاً أو يكون الأثر مجعول.
وأما بالنسبة إلى الترخيص الشرعي فلا يجري أيضاً، فإنَّ الترخيص وإن كان حكماً شرعياً إلا أننا لا نجزم بثبوته زمان الصغر؛ إذ يحتمل أنَّ الثابت زمان الصغر ليس هو الترخيص بل هو عدم المنع، وعدم المنع ليس حكماً شرعياً، فلا يجري استصحابه.
وبعبارة أخرى: - يلزم في باب الاستصحاب أن يكون المستصحب أمراً مجعولاً أو يكون له أثر مجعول وإلا يلزم اللغوية، وهنا المستصحب ليس من الأمور المجعولة لأنَّ عدم المنع ليس من الأمور المجعولة، وأما بالنسبة استصحاب الترخيص الشرعي - أي الاباحة - فالترخيص الشرعي هو حكمٌ ولكن من قال إنَّ المجعول في زمان الصغر هو الترخيص بل لعله عدم المنع، فلا يجري الاستصحاب.
وفي الجواب نقول:- يمكن أن يجري الاستصحاب بلحاظ عدم المنع، فنحن نستصحب عدم المنع الثابت قبل البلوغ، فإن قلت: إنَّ المنع أمرٌ مجعول أما عدم المنع فليس من الأمور المجعولة، قلنا:- إنَّ الوجه في اشتراط كون المستصحب أمراً مجعولاً هو أنه إذا لم يكن كذلك فأدلة الاستصحاب سوف لا تشمله باعتبار أنها منصرفة عنه، ولكن في الجواب نقول:- لا يلزم أن يكون المستصحب بتمامه أمراً مجعولاً للشارع حتى يصح جريان الاستصحاب فيه بل يكفي أن يكون بعضه مجعولاً وبعضه الآخر ليس مجعولاً، وهنا الامر كذلك، فإنّ عدم المنع مركّب من عدمٌ للمنعِ، والمنع هو أمرٌ شرعي يفرضه الشارع، وكما أنَّ استصحاب المنع هو استصحاب لأمرٍ يرتبط بالشارع كذلك استصحاب عدم المنع فإنه أمرٌ مرتبط بالشارع فيكون استصحابه وجيهاً ولا محذور فيه وليس ذلك أجنبياً عن الشارع بتمام معنى الكلمة.
فإنَّ المحذور اللازم هو محذور اللغوية، وهذا المحذور يندفع فيما إذا كان المستصحب مجعولاً - أو قل مرتبطاً بالشرع المقدوهنا عدم الجعل في حق غير البالغ مرتبطٌ بالشرع المقدس، فإنَّ الجعل يكون من الشرع المقدس فاستصحاب عدم الجعل هو استصحاب لشيءٍ له ارتباطٌ ما بالشرع المقدس وليس اجنبياً عنه بتمام معنى الكلمة، ومادام يرتبط به فحينئذٍ كما أنَّ استصحاب نفس المنع يكون وجيهاً كذلك استصحاب عدم المنع يكون وجيهاً أيضاً، لأنَّ عدم المنع ليس أجنبياً عن الشرع بل هو عدمٌ في جنب منعه وتشريعه فيكون استصحابه استصحاباً مرتبطاً بالشرع المقدس، فلا يلزم من ذلك محذور اللغوية.