« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/11/15

بسم الله الرحمن الرحيم

 -الأمر الثالث عشر( ما هي نكتة الامتنان؟ ) - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

الموضوع: - الأمر الثالث عشر( ما هي نكتة الامتنان؟ ) - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

 

الأمر الثالث عشر: - ما هي نكتة الامتنان؟

قد يتساءل أنَّ من جملة الأشياء التي وردت في حديث الرفع ورفعت هي الخطأ والنسيان، ومن المعلوم أنَّ الخطأ والنسيان ليس في رفعهما امتنان لأنهما أمران غير اختياريين، فإنَّ النسيان خارج وهكذا الخطأ خارجان عن إرادة المكلف، فرفعهما لا يكون فيه امتنان على الأمة الاسلامية بل يلزم ويتحتم رفعهما لأنَّهما خارجان عن اختيار المكلف، وإنما يتصور الامتنان فيما إذا فرض أنه يمكن أن يلتفت المكلف إلى الخطأ والنسيان ويمكنه السيطرة عليه بسبب التفاته إليهما وعدم وقوعه فيهما، أما إذا فرض أنههما خارجان عن اختياره فحينئذٍ لا يصير في رفعه منَّة على المكلف؟

وفي الجواب نقول:- إنَّ المكلف يمكن أن يسيطر على الخطأ والنسيان أحياناً وذلك بأن يجعل منبهاً كي لا يخطئ ولا ينسى كأن يجعل منبهاً لأجل ذلك، فلو كان يريد فعل قضية فسوف يجعل منبهاً لأجلها فلا ينسى فعل تلك القضية - أي لا ينسى الحكم الشرعي - ونحن في حياتنا الاعتيادية إذا كان عندنا أمر مهم كما لو كانت عندنا سفرة مهمة وكان موعد الطائرة مثلاً محدد بوقت معين فربما ننسى هذا الموعد ولكن لكي لا ننساه نجعل منبهاً لذلك بأن نكتب ذلك كملاحظةٍ في ورقة أو ما شاكل ذلك، ومثل هذه الأمور سوف تحول دون تحقق الخطأ والسنيان، وبالتالي صار الخطأ والسنيان أمرين اختياريين للمكلف بعد امكان رفع خطأه ونسيانه من خلال المنبهات المسبقة، وعليه فلا اشكال في الحديث فإنه يريد أن يقول إنَّ الخطأ والنسيان حتى إذا كان في موردٍ يمكن السيطرة عليه من خلال جعل المنبهات إلا أنه رغم ذلك هما مرفوعان، وهذا منَّة على العباد بأن ترفع الشريعة الاسلامية المؤاخذة على الخطأ والنسيان حتى في مورد يمكن فيه للمكلف السيطرة على الخطأ والنسيان من خلال جعل المنبهات، بل هو مطلقاً مرفوع حتى لو امكن المكلف وضع المنبهات ولم يضعها، وهذه منَّة من الله عزَّ وجل على عباده.

تبقى عبارة أخرى موجودة في حديث الرفع: - وهي عبارة ( ما لا يطيقون ) قلنا إنّ َالخطأ والسنيان يمكن أن يعود إلى اختيار المكلف فيما إذا امكنه أن يجعل منبهاً، أما بالسنبة إلى ( ما لا يطيقون ف) الاشكال فيها موجود وثابت، فإنه إذ اكان الشيء لا يطاق فحيما يرفعه الله عزَّ وجل سوف لا تكون فيه منّة، كصوم الدهر مثلا، أو كما لو نذر المكلف أن يصوم عشرة أيامٍ متصلة من دون إفطار فلإنَّ هذا صوم لا يطاق، وحينئذٍ الذي لا يطاق يلزم أن يكون مرفوعًاً من دون حاجةٍ إلى حديث الرفع.

وفي الجواب نقول: - إنَّ الطاقة والاطاقة قد تأتي بمعنى التحمل مع المشقة، فالمكلف يتحمل الشيء ولكن مع شيءٍ من المشقة، فالاطاقة في تعبير ( ما لا يطيقون ) مأخوذة في التحمّل مع المشقَّة، ومنه قولة تعالى:- ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ َ﴾[1] ، يعني هو يمكنه أن يأتي بالصوم ولكن مع المشقَّة فهذا المكلف يسقط عنه الصوم وتجب عليه الفدية، وفي حديث الرفع الأمر كذلك فإن المقصود هو هذا المعنى، يعين أن الشيء الذي يُتَحمَّل ولكن مع المشقة هو مرفوع، لا أنه لا يمكن الاتيان به أصلاً حتى يقال إنَّ رفعه ل تكون فيه منَّة.

هذه أمور جانبية ترتبط بحديث الرف

 

اثبات البراءة من خلال الاستصحاب[2] :- هناك أربعة بيانات للاستصحاب يمكن من خلالها اثبات البراءة:-

البيان الأول: - ما تمسك به الشيخ الأعظم(قده)، وهو استصحاب البراءة حالة الصغر وعدم البلوغ، فأقول إنا قبل أن أبلغ لم يحرم عليَّ الشيء الفلاني أو لم يجب عليَّ الشيء الفلاني وبعد أن بلغت أشك هل صار واجباً عليَّ أو ليس بواجب فاستصحاب عدم الوجوب السابق، وبذلك تثبت البراءة عن هذا الشيء المشكوك، مثل التدخين فإنه إذا كنت غير بالغ لا يحرم عليَّ لأني ليس بالغ، ولكن إذا بلغت وشككت هل هو حرام عليَّ أو لا فاستصحب حالة الجواز السابقة إلى ما بعد البلوغ فتثبت البراءة.

البيان الثاني: - استصحاب البراءة قبل التشريع الإسلامي.

فإنَّ الذمة قبل التشريع كانت بريئة من كل شيء فنشك بعد التشريع الإسلامي هل اشتغلت بحرمة التدخين أو لا فنستصحب البراءة قبل التشريع الإسلامي.

البيان الثالث: - استصحاب البراءة من بداية صدر الشريعة الإسلامية.

مثلاً التدخين في صدر الشريعة جزماً لم يكون محرماً فإنَّ الاحكام تدريجية، فلو شككنا بعد ذلك هل صار حراماً أو لا فنستصحب عدم الحرمة الثابت في صدر الشريعة الإسلامية.

البيان الرابع: - استصحاب البراءة قبل تحقق الشرط.

كما لو شككنا هل يجب الدعاء عند رؤية الهلال مثلاً أو لا، فهنا يوجد طريق لاثبات البراءة غير ( رفع مالا يعلمون ) وغيره وهو الاستصحاب، وهو أن نقول إنه قبل أن يُرى الهلال - أي قبل الغروب بساعة - جزماً لا يجب الدعاء ونشك بعد ساعةٍ - أي إذا رؤي الهلال - هل هو واجب أو لا فنستصحب البراءة من وجوبه فنقول هو قبل الرؤية بساعة ليس بواجب وهو قبل الرؤية بنصف ساعة ليس بواجب وهو قبل الرؤية بدقيقة ليس بواجب إلى أن تتحقق الرؤية فنستصحب تلك البراءة السابقة.


[2] أي بغير حديث الرفع وقاعدة قبح العقاب بلا بيان وغيرهما.
logo