46/11/08
-النقطة العاشرة (هل يمكن من خلال حديث الرفع استفادة ثبوت الملاك في موارد الرفع التسعة - أو بعضها - أو لا يمكن استفادة ذلك؟ ) - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع:- النقطة العاشرة (هل يمكن من خلال حديث الرفع استفادة ثبوت الملاك في موارد الرفع التسعة - أو بعضها - أو لا يمكن استفادة ذلك؟ ) - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
النقطة العاشرة: - هل يمكن استفادة الملاك في موارد الرفع؟
وقع الكلام بين الأصوليين في أنه هل يمكن استفادة الملاك وثبوته في الموارد التسعة للرفع - أو بعضها - التي وردت في حديث الرفع، وما هي الثمرة في ذلك؟
أما الثمرة: - فهي تظهر في تصحيح العمل، فمثلاً لو فرض أنَّ المكلف لم يعلم بوجوب السورة في الصلاة فحديث الرفع سوف يشمله آنذاك ويرفع عنه وجوب السورة، ولكن لو اتى المكلف اتفاقاً بالسورة أو اضطر إلى ترك الصوم ولكنه صمّم رغم ذلك على الصيام فأتى بالصوم فإذا قلنا بأنَّ الملاك ثابت وقع صومه صحيحاً ووقعت السورة صحيحةً رغم عدم ثبوت الأمر، فيقال مادام المكلف مضطراً فالأمر مرفوع عنه ولكن يمكن تصحيح العمل من خلال الملاك لأنه ثابت.
هذا وقد يستدل على امكان ثبوت الملاك في هذه الموارد التسعة - رغم أنَّ الشرع المقدس رفع الوجوب تخفيفا وامتناناً منه على المكلف - بأمرين: -
الأمر الأول: - إنَّ الحديث وارد مورد الامتنان، فمن يقرأه يفهم منه أنَّه في صدد الامتنان على الامة الإسلامية، ومن الواضح أنه إذا لم يكن الملاك ثابتاً وموجوداً لا يكون رفع الوجوب والالزام امتنانياً، بل إنما يكون امتنانياً فيما إذا كان الوجوب ثابتاً ورُفٍع عن المكلف، فنفس نكتة الامتنان يستكشف منها ثبوت الملاك.
الأمر الثاني: - التعبير بالرفع، فحينما قال ( رفع ) فهذا يكشف عن أنَّ مقتضي التكليف ثابتاً، وإنما يكون الرفع رفعاً فيما إذا كان الملاك ثابتاً.
ولكن قد يتأمل في كلا الأمرين: -
أما الأمر الأول: - فيمكن أن يكون الامتنان من جهة تشريع أحكامٍ ترخيصية للعباد تكون موجبًة للتسهيل عليهم لا لأجل ثبوت الملاك، فلأجل تشريع أحكامٍ ترخيصية مثل ( يجوز لك أن تترك الشيء الفلاني ) أو (تفعل الشيء الفلاني)، فنفس الترخيص وتشريع الاحكام الترخيصية يكفي لتحقق الامتنان، فالامتنان لا يمكن أن يستكشف منه ثبوت الملاك بل لعل الامتنان هو من جهة تشريع احكام ترخيصية توجب التسهيل على العباد.
وأما الأمر الثاني: - فيمكن أن يجاب بأنَّ التعبير بالرفع هو بملاحظة الأمم السابقة، يعني أن الحديث يريد أن يقول إنَّ هذه الأمور كانت ثابتة على الأمم السابقة ولكن رفعناها عندكم ولم نثبتها عليكم كما اثبتناها عليهم، فالرفع فيهذه الموارد التسعة ليس ناشئاً من ثبوت الملاك وإنما هو ثابت من ناحية التسهيل على العباد.
هذا وقد يشكل ويقال: - من البعيد ثبوت التكليف على الأمم السابقة في مثل هذه الموارد التي فيها اضطرار وعدم علم ما شاكل ذلك، يعني قد يستشكل في أصل ثبوتها على الأمم السابقة، فالإكراه وموارد الاضطرار لا معنى لأن تثبت حتى في حق الأمم السابقة، وعليه لا يمكن أن نقول إنَّ الرفع لا يمكن أن ستكشف منه الملاك لأنَّ بعض هذه الأمور ثابتة في الأمم السابقة، وكيف يثبت الاكراه مثلاً في الأمم الساقية؟!!
والجواب:- إنَّ ما ذكر مدفوع بالقرآن الكريم فإنه قال حكايةً عن الأمم السابقة:- ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾[1] ، وهذا يدل على أنه كان ثابتاً في الأمم السابقة، ولعل الامتنان هو من هذه الناحية - أي من ناحية أنه كانت هناك أشياء ثقيلة مثبتة على الأمم السابقة ولكنها رفعت عن هذه الامة لا لأجل ثبوت الملاك ورغم ذلك أنها رفعت حتى نحكم بثبوت الملاك ونحكم بصحة العمل إذا صدر اتفاقاً بل لعلها رفعت من باب ملاحظة الأمم السابقة.
والخلاصة: - إنَّ استفادة ثبوت الملاك في موارد هذه الفقرات التسع أمرٌ صعبٌ والجزم به مشكل.