46/11/07
-النقطة التاسعة: حديث الرفع مسوق مساق الامتنان - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع:- النقطة التاسعة: حديث الرفع مسوق مساق الامتنان - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
النقطة التاسعة:- الحديث مسوق مساق الامتنان.
لا اشكال في أنَّ المستفاد من حديث الرفع الامتنان، ويترتب على ذلك بعض الآثار، ولاستيضاح الحال نطرح ثلاثة اسئلة:-
السؤال الأول: - ممَّ يستفاد الامتنان؟
السؤال الثاني:- كيف نتصور الامتنان في حق الله عزَّ وجل؟
السؤال الثالث:- ما هي ثمرات نكتة الامتنان؟
أما السؤال الأول فجوابه:- إنَّ الامتنان في حديث الرفع يستفاد من جهتين:-
الأولى:- التعبير بكلمة ( رفع ) فنفس هذا التعبير عرفاً يتم ويصح في المورد الذي يكون هناك مقتضي للثبوت ولكن لنكتة التخفيف على الشخص أو على الاشخاص لا يُثبَت الحكم في حقهم ويُزال، فيعبر بكلمة ( رفع ) فنفس كلمة ( رفع ) لا تستعمل إلا في موارد وجود المقتضي لثبوت الشيء ولكن للتخفيف عن الشخص يقال رفعت عنك هذا، فنفس هذه كلمة(رفع ) يستفاد منها الامتنان.
الثانية:- التعبير بكلمة ( أمتي )، فإنَّ الياء فيكلمة ( أمتي ) هي بنفسها يمكن أن يستفاد منها كون القضية قضية امتنان من الله عزَّ وجل على عبادة.
وأما السؤال الثاني فتقريب جوابه بأن يقال:- إنه قد يشكل بأن الامتنان إنما يتصور لو تنازل الشخص الممتن عن بعض مصالحه الراجعة إليه فهذا يقال عنه بأنَّ فلاناً قد امتنَّ على فلان، ومن الواضح أنَّ مصالح الاحكام ليست عائدة إلى الله عزَّ وجل حتى يكون التنازل موجباً لصدق الامتنان وإنما المصالح تعود إلى العبد، وحينئذٍ قد يقال إنَّ الامتنان يشكل صدقه من هذه الناحية؛ إذ المفروض أنَّ الله عزَّ وجل غني وليس محتاجاً إلى المصالح وإنما المصالح هي للعباد، فلا معنى حينئذٍ للتنازل والامتنان، وعليه فلا معنى لدعوى كون حديث الرفع امتنانياً.
وفي الجوب عن ذلك نقول:-
أولاً:- إنَّ فكرة الامتنان - أو ما يفيد الامتنان - قد استعان بها الكتاب الكريم في موردين أو أكثر.
المورد الأول:- في قوله تعالى:- ﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ فهذا واضح في أنَّ المسألة هي أنَّ الله عزَّ وجل يمتن على عبادة فهو يقول اريد بكم اليسر ولا أريد بكم العسر أي امتناناً مني عليكم.
المورد الثاني:- في قوله تعالى:- ﴿ ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمة ﴾، وهذا واضح في أنَّ المسألة مسألة امتنان.
ولا ينحصر الامر بهاتين الآيتين الكرمتين وإنما يمكن بالتتبع العثور على آياتٍ اخرى ، هذا أولاً
ثانياً:- حتى لو سلَّمنا بأنَّ المصالح تعود إلى العبد ولكن نقول إنَّ المصالح وإن كانت عائدة إلى العبد إلا أنَّ من جملة تلك المصالح التي لاحظها الله عزَّ وجل هي مصلحة التسهيل وملاحظة ضعف العبد، ومادام المولى قد لاحظ قضية التسهيل وضعف العبد فحينئذٍ يصدق الامتنان ي من جانبه عزَّ وجل، وذلك نظير المعلم إذا رفع عن الصبيان حفظ سورة البقرة وفرض عليهم حفظ سورة الحمد والكوثر مثلاً فإنَّ هذا في الحقيقة تخفيف وامتنانٌ لاحظه المعلم،.
فإذاً لأجل أنَّ المولى لاحظ ضعف العبد وأراد الستهيل عليه يصدق حينئذٍ الامتنان، وعليه يمكن أن نقول بصدق فكرة الامتنان لأجل هذا.
وأما السؤال الثالث فجوابه أن نقول:- هناك ثمرات عديدة لمسألة الامتنان نذكر بعضاً منها:-
الثمرة الأولى:- بطلان معاملة المكره دون المضطر، فمرة يكرة الشخص على بيع داره، وأخرى يكون مضطراً إلى ذلك كما لو كان مريضاً واحتاج في علاجه إلى بيع الدار، ففي مثل هذه الحالة نحكم ببطلان معاملة المكره لحديث ( رفع عن امتي ما استكرهوا عليه ) فإنَّ مقتضى الامتنان هو رفع ما اكرهوا عليه، وعليه تكون المعاملة التي اكره عليها باطلة، وأما المعاملة التي اضطر إليها سوف نحكم بصحتها ولا يمكن التمسك بحديث الرفع هنا لأنه يكون خلاف المنَّة ويكون حديث الرفع غير شامل لهذا المورد لأنّ الشخص محتاج إلى الأموال فلو قلنا ببطلان هذه المعاملة فسوف لا ترتفع حاجته ويبقى واقعاً في المشكلة فمقتضى الامتنان الحكم بصحة معاملته، وأما في المكره فإنه مادامت المعاملة مكره عليها فلو حكمنا بصحة معاملته فسوف يبقى هذا الشخص من دون دارٍ ومقتضى المنَّة هو بقاء الدار على ملكه فيحكم ببطلان المعاملة.
فإذاً نكتة الامتنان إذا لاحظناها وطبقناها في الحديث فأيّ مورد يقتضي الرفع فيه الامتنان فسوف نطبقه فيه، وأي موردٍ لا يقتضي الرفع فيه الامتنان سوف لا نطبقه فيه، وفي المكره على بيع داره النكتة تقتضي كون المعاملة باطلة بمقتضى الامتنان كي يبقى في داره فنقول إنَّ حديث الرفع شامل له وبالتالي تكون المعاملة مرفوعة وباطلة، بخلافه فيما إذا كان مضطراً فهنا لا نطبق حديث الرفع وإلا لزم أن يبقى هذا الانسان على مرضة وهذا يلزم خلف المنَّة، فنحن ندور مدار نكتة المنَّة، فأينما لزم من الحديث مطابقة المنَّة طبقناه وإلا فلا.