46/10/29
-النقطة السابعة ( ما هو المرفوع بحديث الرفع؟ ) - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع:- النقطة السابعة ( ما هو المرفوع بحديث الرفع؟ ) - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
النقطة السابعة: - ما هو المرفوع في الحديث الشريف؟
لا اشكال في أن الرفع لا يراد به الرفع بنحو الحقيقة فإن الحديث قال رفع الخطأ وهذا مرفوض حقيقةً فإنَّ الخطأ ما أكثر وقوعه والنسيان وما لا يعلمون ما أكثر وقوعهما، وعليه فالرفع الحقيقي ليس مقصوداً فإنه على خلاف الواقع الخارجي، وعليه فما هو المقصود من الرفع؟
وفي الجواب نقول: - توجد في المقام احتمالات ثلاثة: -
الاحتمال الأول:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده)[1] من أنه لابد من تقدير شيءٍ ولكن المقدَّر فيه احتمالات ثلاثة:-
الأول: - أن يكون المقدَّر هو المؤاخذة، يعني رفعت المؤاخذة حالة الخطأ والنسيان وحالة عدم العلم ... وهكذا، فالمرفوع هو المؤاخذة في هذه الحالات أي العقوبة بتعبيرٍ آخر.
الثاني: - أن يكون المقدَّر هو الأثر الظاهر، ففي كل فقرة من الحديث نلاحظ ما هو الأثر الظاهر فيكون ذلك الأثر الظاهر هو المقدر، لا أنّ المقدر هو المؤاخذة في الجميع بل كلٌّ حسب ما يناسبه.
الثالث: - تقدير جميع الآثار.
أما توجيه الاحتمال الأول فنقول: - إنَّ ذلك هو القدر المتيقن، فإنَّ القدر المتيقن من المرفوع في حال الخطأ والنسيان هو العقوبة، فمن ناحية نقول العقاب هو القدَّر المتيقن.
وأما توجيه الاحتمال الثاني فنقول: - إنَّ ذلك هو اقتضاء الفهم العرفي، يعني أنَّ القدَّر هو الأثر الظاهر كلٌّ بحسبه وهذا هو مقتضى الفهم العرفي.
وأما توجيه الاحتمال الثالث فنقول: - إنه بعد أن تعذّر إرادة النفي الحقيقي للخطأ؛ إذ ما أكثر الخطأ والنسيان وعدم العلم عندنا فالرفع الحقيقي حيث إنه ليس بممكن فلابد من تقدير جميع الآثار فإنه أقرب إلى النفي الحقيقي، فنحن نتمسك بمقتضى إطلاق النفي في الحديث والمناسب للإطلاق هو نفي جميع الآثار.
هذا ولكن من زمان الشيخ العراقي والنائيني والاصفهاني أبرز احتمالان آخران، فإذا ضممناهما إلى ما ذكره الشيخ الأعظم - وهو التقدير بأحد ألوانه الثلاثة - صارت الاحتمالات ثلاثة.
الاحتمال الثاني: - التمسك بفكرة التنزيل، أي أنه يكون الفعل الصادر نسياناً هو بمنزلة العدم، فحينما نقول رفع النسيان والخطأ يعني أنَّ الخطأ والنسيان قد نزل منزلة العدم، وذلك يكون اشبه بحديث ( لا ربا بين الوالد وولده )، فالمقصود هو تنزيل وجود الربا منزلة عدم الربا مادامت المعاملة بين الوالد والولد، وهكذا الحال في ( لا شك لكثير الشك ).
ولكن قد يقال: - إن عملية التنزيل هي أيضاً لابد وأن تكون بلحاظ الآثار، وعليه فما الفارق بين ما صار إليه الأعلام - وهو عملية التنزيل - وبين ما ذكره الشيخ الأعظم فإنه بعد وضوح أن تنزيل الشيء منزلة عدمه هو بالتالي يكون تنزيلاً بلحاظ الآثار، وذلك التنزيل الذي ضار إليه الشيخ الأعظم هو كذلك أيضا، فبلحاظ كليهما الآثار ملحوظة فما الفارق بينهما؟
وفي الجواب نقول:- إنه بناء على ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) - من أننا نقدر إما الأثر الظاهر أو نقدر جميع الآثار فإذا دار أمر التقدير فسوف نقتصر على القدر المتيقن والقدر المتيقن هو الأثر الظاهر - فهو يتمسك بفكرة القدر المتيقن عند تردد المقّدر بين احتمالات ثلاثة فيؤخذ بالمتقين، بينما على رأي هؤلاء الاعلام الذي - هو التنزيل منزلة العدم - نستطيع أن نتمسك بإطلاق التنزيل، فإذا شك أنَّ هذا التنزيل بلحاظ أثرٍ واحد أو بلحاظ أثرين أو بلحاظ جميع الآثار فإنَّ مقتضى اطلاق التنزيل هو أن يكون بلحاظ جميع الآثار، بينما على رأي الشيخ الأعظم الذي لا يوجد فيه عملية تنزيل بل يوجد تقدير فسوف يقتصر على القدر المتيقن من الأثر المقدَّر، أما في عملية التنزيل سوف نتمسك بإطلاق التنزيل ويكون حينئذٍ بلحاظ جميع الآثار.
الاحتمال الثالث: - التمسك بالرفع التشريعي، نظير ( لا رهبانية في الإسلام )، بمعنى أنه بلحاظ عالم التشريع لا توجد رهبانية فإنَّ الرهبانية ليست مشرَّعة، وفي مقامنا نقول نفس الشيء أيضاً، فنقول إنَّ ما صدر خطأً ونسياناً ليس متعلقاً للحرمة في عالم التشريع. هكذا يصير التقدير.
والفارق بين الاحتمال الثاني والاحتمال الثالث هو أنَّ الرفع بلحاظ الاحتمال الثاني هو تنزيل الشيء منزلة العدم فيتمسك بإطلاق التنزيل، بينهما على الاحتمال الثالث يكون الرفع ليس بلحاظ عالم الخارج وإنما بلحاظ عالم التشريع وأنَّ الخطأ لم يقع موضوعاً للحرمة في عالم التشريع وهكذا النسيان لم يقع موضوعاً الحرمة، فالرفع هو بلحاظ عالم التشريع.